جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 03:58 صـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

دينا الشافعي تكتب : مقطوع من شجرة

خرج للحياة مرة آخرى بعد أن أتم عقوبته سبع سنوات كاملة قضاها في السجن ، أنقطع فيها عن العالم الخارجي لازيارات لا أصدقاء – وشاكراً- لا أهل إيضاً بعد أن مات والده في غربته بعد دخوله السجن بقليل ولا يعلم عن مصيره شيئاً.

وقف يتأمل الشارع و المارة، لمح بعينيه كشك لبيع الحلوى والسجائر على الرصيف المقابل، عبر الشارع متجهاً اليه أشترى زجاجة مياه صغيرة و علبة سجائر و ولاعة ثم جلس على الرصيف يدخن.

أشعل سيجارة و نظر للهب بين يديه وتذكر ، نعم كان عليه أن يفعلها ، بعد أن رأى بعينيه وسمع بأذنيه. كيف كان له أن يعيش بعد كل ذلك، هو احد خيارين أما حياته أو حياتهن. هو فرع من شجرة خبيثة أجتثت من فوق أرض المبادئ و الأخلاق . نبعت كراهية لذاته من كراهيته لأسرة تفشت فيها الأنانية و الفجور وحب الملذات ،بلا أدنى ندم أو شعور بالذنب أو تأنيب للضمير.

كان في العاشرة من عمره عندما غادرهم والده مسافراً لدولة عربية رضوخاً لرغبة والدته طمعاً في زيادة دخل الأسرة المكونة من أب و أم وأربعة أولاد، ثلاث إناث وصبي هو أصغرهم. لم يكد يمر شهر واحد على غياب والده حتى لاحظ تغير سلوك والدته و اهتمامها الزائد بزينتها وعطرها وملابسها .

و على قدر سعادته بتدليلها له والسماح بمزيد من اللعب و المكوث خارج المنزل لساعات طوال مع اصدقائه في الشارع كان حزنه وقلقه عميقاً من سلوكها واستقبالها الزائرين من الرجال في بيتهم ، كان يتملكه شعوراً قوياً بالضيق بالرغم من عدم فهمه لما يحدث.

الي أن رأها يوماً في أحضان مدرس اللغة الأنجليزية الذي كان ينتظره لأعطائه الدرس رأهم يتبادلان القبلفي نهم حتى انهم لم يشعرا بوجوده ثم تركاه ورائهم ودخلا غرفة نوم والدته. كتم غضبه وصرخاته بداخله تلك الفاسقة وماكان له ان يعترض أو أن يفتح فمه ببنس كلمة واحدة. ثم تلتها مرات ومرات وكان اذا تكلم نزل عليه وابل من الشتائم والضرب أحياناً .

عاش مكسور الخاطر ذليل النفس وتحمل فوق طاقته بعد أن حذت أخواته البنات حذو الأم ، لم يجد ملجئاً غير مدرسته ودراسته وتحمل الكثير من وابل الشتائم من الزملاء و الجيران فقط ليستطيع ان ينجوا بنفسه من ذاك المستنقع.

أمتنع والده عن النزول في اجازاته وكان ذلك بمثابة التسليم بالعلم عنده فزاد حزنه وتقوقع على ذاته . بعد ان اتم دراسته الثانوية قدم اوراقه في جامعة بعيدة ونأى بنفسه عنهم تاركاً كل ذلك وراءه وحاول خلق مستقبلاً جديداً لنفسه ، كان رده على كل من يسأله عن أهله أنه مقطوع من شجرة .

بعد تخرجه و التحق بعمل أضافي غير الذي كان يعمل به اثناء دراسته وأسأجر شقة صغيرة.

كان قد أحب زميلة له في الجامعة و اعجبه خلقها وتدينها وعندما صارحها بحبه طلبت منه ان ينتظر حتى يتما دراستهم الجامعية ويتقدم لوالدها ، وبالفعل سارع ليتقدم لخضبتها واخبر والدها انه مقطوع من شجرة وليس له الا شقته و راتبه وحكى له كثيرا عن احلامه في مستقبله ، بالرغب من اعجاب والدها به الا انه ذهب ليسأل عنه وهاله ما سمع فعاد اليه ورفضه رفضاً باتاً وعايره بما سمع عن اسرته وانكر عليه كذبه عليهم وطرده من منزله.

ضاقت الدنيا في عنيه وجد ان لا مهرب ولا مفر ولم يكن امامه الا حل واحد .

النار تطهرهم وتطهره وتمحوا آثارهم من الحياة وتأكل اجسادهم الدنسة أشعل النار في شقتهم و أغلق عليهم الباب ونزل الي الشارع وصرخاتهم تملؤ فضاء مسامعه ، جلس على الرصيف و أنتظر قدره المحتوم.