جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 03:39 مـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محمد الصباغ يكتب.. الطوفان الأخير… قصة قصيرة 

عندما فرغنا ؛ كلانا من تخليص كل منا من توتر الحاجة إلي الأرتواء الملح ؛ وصار تجاورنا العاري هادئا ؛ قالت لي باسمة ؛ كطبعها الهادئ : " ماذا جري علي كوكب الأرض ؛ كل الرجال يبكون بسبب أو بلا سبب ؛ مئات الملايين من الرجال أصبحوا مرضي بداء " البكاء المستمر " في كل مكان تفشي الوباء " البكائي" ملايين الرجال يبكون في نفس اللحظة ؛ مليارات من قطرات الدمع ؛ وفي كل مكان تقريبا ؛ وهذا مكمن الخطر الحقيقي الجديد في حدوث الطوفان الأخير ؛ الذي سيغرق الأرض إلي الأبد ؛ فإن دموع الرجال تتجمع ولا تذوب مثل دموع النساء التي تعرف طريقها للبخر والتلاشي بمجرد حدوثها .

دون أن تتعاط شيئا أو تشرب شيئا ؛ شرعت تحدثني عن وضع الرجل المقهور الذي سوف يخلق بكائه المتوالي ؛ الطوفان الجديد . فقلت لها : " أولي بك أن تحدثيني عن قهر الأنثي " . ثم واصلت وقلت لها وقد جاريتها ؛ دون أن أدري أني قد جاريتها في جديتها ؛ فقد كانت تحدثني عن شيء أستشعره وإن كنت لا أدركه ؛ وكان ظني بها أن حاستها في الإستشعار تصل إلي حد الإستبصار : " هل الرجل الأجمل أم المرأة ؟؟ " فقالت جسد الذكر دائما هو الأجمل من جسد الأنثي ؛ وعواطف الأنثي وعقلها ؛ الأجمل فهي رحم كل الحياة ؛ لماذا لا تصدقني ؛ دموع الرجل تتجمع ويلوح في المدي تجمعها السيلي الذي ؛ الذي سوف يتضاعف ليصبح هو الطوفان الأخير . " .

كانت تمنحني مضاجعات مجانية ؛ بمحبة صادقة ؛ وصدق في الرغبة في إمتاع نفسها وإمتاعي ؛ وقد أردت ارجاعها إلي خيمة لقائنا الآنس بكل المتع التي يستطيع إنسان أن يذوقها في الحياة فقلت لها : " كلما دققت فيك وتدا ؛ تثبتت الأرض أكثر ؛ وتثبتت الأشياء فوقها وصارت أكثر قدرة لاحتمال طوفان الماء الذي تبشرين به ؛ متي ضرب وفي أي وقت جاء . وكأني كلما ضاجعتك ؛ ضاجعت كل نساء الأرض ؛ وصار بكاء النشوة منك ؛ طهارة لكل الخطايا ؛ وصار الدمع قرينة التطهر بدموع النشوة ؛ فلا خطيئة ولا حاجة لطوفان مطهر "

ردت علي بحوار عاصف كان فحواه أنها ليست سلعة للمتعة وأكملت بجملة واحدة قاسية في حقي ؛ قبل أن تغادرني إلي الأبد : " لم أكن أدرك أن بك مثل هذا القدر من الحقارة !! . "

ثم واصلت كلاما لم يكن لي وربما كان لنفسها فلم تكن تواجهني في تحدي ؛ مثلما فعلت ؛ عندما نطقت بجملة " حقارتي " :
- " لماذا نتصور أننا نصنع الآخرين علي هوانا وأنهم مسخرين لخدمتنا ؛ وأن المرأة وسيلة سهلة للمتعة وأن متعة الذكر ؛ تنتهي لحظتها وعندها متعة الأنثي ؟! ولماذا نزيد هموم بعضنا ؛ ونحاسب بعض علي الحرف في حين أننا في حاجة للتشابك وللتأخي وللونسة الإنسانية ببعضنا أكثر وأكثر ؟؟ : أقبلني هكذا بدون أدني محاولة لصوني أو لتعديلي أو تظبيطي أو الإعتراض علي ما أفعل أو ما أتكلم به أو ما أطرح أو ما أخشاه أو ما أحلم به ؛ فأنا ولا شك أذكي منك وأجدر منك بالحياة " .

الآن بعد أن مرت كل هذه السنين ؛ علي هذا اللقاء الأخير ؛ الذي مازلت أذكر تفاصيله ؛ والذي انتهت بعده علاقتنا بقطع تام واختفاء بلا أثر ؛ بعد كل هذه السنين المارقة ؛ أجدها حاضرة وأجد كلامها متحققا فيما يتعلق بالطوفان الأخير ؛ وأود من قلبي صادقا أن أخبرها أن ما كان بيننا ؛ كان مثلما كانت تظن ؛ إلا يوم الإفتراق ؛ فقد كان ما بيننا كان حبا صادقا . وعندما تباحثنا بشأن الخطر المحدق بالحياة ؛ من طوفان دموع الرجال ؛ لم أكن أتعامل معها وقتها بإعتبارها إمرأة ماجنة ؛ لكن وقتها كانت حجتي ضعيفة حول تساوي دموع الرجل مع دموع المرأة في الأثر المفعل للطوفان المنتظر ؛ فقد كنت أنا أظن أن إنحياز الأنثي للأنثي دائما ؛ وكانت هي تري أن دموع المرأة لا تحرق إلا جلد وجهها فقط ؛ أما دموع الرجل ؛ فقد أثبتت لي أنها كانت تري ما لا أري وأن دموعي أنا فقد أرتني أنها لا تحرق جلد وجهي فقط ؛ بل هي تذيب ملامحي وان استمرار البكاء يجعل من مصيري التلاشي .