جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 11:00 صـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
التنمية المحلية تتابع تحسين مستوي الخدمات للمواطنين بالمحافظات.. رصف طرق بالغربية ١٥١٣ مواطن تلقوا خدمات الكشف والعلاج بالمجان بقافلة السرو من صحة دمياط التنمية المحلية تتابع تنفيذ مبادرة حياة كريمة والجمهورية الجديدة مصر بتتبني بالمحافظات ..” أسوان” افتتاح استوديو المحتوى التعليمى الجديد بالتعاون مع اليونسكو وهواوى بالأكاديمية المهنية للمعلمين وزيرة التضامن: 60% من مرضى الإدمان يعيشون مع أسرهم دون اكتشاف الوالدين لتعاطي أبنائهم. وصول 8 شهداء لـ مستشفى «الأقصى» جراء قصف الاحتلال منزلًا بمخيم المغازي إصابة 9 أشخاص واحتراق منزل في مشاجرة بالفيوم ... بسبب خلافات الجيرة مصرع شاب في تصادم دراجة نارية بجرار زراعي في الوادي الجديد «القباج» تطلق مرحلة جديدة من حملة «أنت أقوى من المخدرات» للوعي بخطورة الإدمان 4 شهداء وعدد من المصابين جراء قصف الاحتلال لمنزل بمخيم المغازي سوريا.. انفجارات عنيفة تدوي في منطقة مطار حلب الدولي وزيرة التضامن: قضية المخدرات أصبحت خطرًا يُهدد السلم المجتمعي

محمد الصباغ يكتب : قصة قصيرة I تبديد السواد

كانت قد أسودت من حوله ؛ سواداً تاما حتي أصبحت دموع عينه تنزل سوداء أو يراها سوداء ؛ اسودت حتي أنه كره كل الأحياء والبشر وقد بلغ به الظن منتهاه أنه لم يعد يليق به أن يحيا وسط البشر وأنهم لم يعودوا جميعا يستحقون أن يكون هو من بينهم ؛ اسودت ربما بسبب سيادة الجهل والقبح والظلم وعدم العدل وضياع المساواة وضياع الحقوق ؛ اسودت من حوله ؛ حتي أصبحت حياته حالكة السواد تماما ؛ ليس عن أفعال أتاها ولكنها تصاريف الأمور فيما كان يحوطه من حياة ؛ فلم يعد السير في دورب الحياة والاستمرار حيا دون موت ؛ ليس خطرا فحسب ؛ بل أصبح مميتا قاتلا عن كره للسائر كونه سائرا ؛ وكذلك لمن لديه فقط الرغبة في السير ؛ حتي أصبح "الفناء" يترصد من يختار من السائرين أو يضرب ضرب عشواء .

خلا إلي نفسه فوجدها أكثر سوادا وأكثر خطرا ؛ وأكثر قتلا وتعجب : كيف اختلط سواد الداخل ؛ داخله هو الذي أصبح يأتي بالدمع الأسود ؛ اختلط سواد الداخل القاتم السواد بسواد الخارج دون حد فاصل ودون قدرة علي التمييز : أيهما أكثر طغيانا من الآخر علي الآخر ؟! .

كانت قد اسودت تلك المدينة في تلك البقعة من الأرض في ذلك البلد ؛ حتي صار السواد عاما وصار دخانا يتمدد من تلك المدينة الصخرية القلب إلي سائر أنحاء الكون ، وصار يحدث نفسه ؛ بما يراه في نفسه ؛ يستخلصه من بين السواد التام في داخله ويستفه كلاما ؛ مكتوبا مقروءا ؛ علي حوائط منزله في ظل السواد التام الذي يحيطه ؛ حتي تجلد السواد من حوله جليدا أسودا يشع برودة سوداء ؛ وصرخ لعل الصوت يخترق السواد الكثيف الذي يحجب وجود الأشياء والموجودات :

" هذا المساء هذه الليلة ؛ في تلك اللحظة ولأيام طويلة خلت لا دمع لدي يكفي حزني فليعيرني من يستطيع أن يأتي بدموعه ؛ فإني في أمس الحاجة لأن أبكي ويكاد يقتلني عدم بكائي " .

ولم تفلح محاولاته في إختراق السواد الذي يتولد ذاتيا ويتولد تلقائيا ؛ لم تفلح محاولاته لإختراق السواد المحيط بالصراخ ؛ فقد أصبح الجو غائما جدا تملؤه الشوائب واﻷتربة ؛ يتراكم فيه السوء بالإهمال والعبث والفوضي ؛ فالذي كان بإمكانه أن يحول التراب ذهبا قد احتجب ثم ذهب بعيدا دون أن يعرف أحدا أين ذهب ؟ ثم مات ؛ فقد ظهرت جثته بعد أن مات ؛ مبعثرة في أماكن عدة وعلي فترات ؛ فلم يعرف أين مات ومتي مات ؟! ؛ وقد ظل التراب في الجو علي حاله مختلطا بالسواد ودون أن يتحول إلي ذهب ؛ كما كان حادثا في زمن "صاحب المعجزات" الذي ماتت أجزاءه ومات مجمعا وماتت روحه ؛ وأيقن هو أن خللا حاصلا سوف يتفاعل تدميره ؛ تلقائيا ولن يمنعه شيء وأن تعايش الماضي أصبح ذكري منسية ؛ نسي فيها عقل الحكمة :

" في زمن العطاء علي الرحب والسعة وعلي الرحب رغم الحاجة ولكن ليشيع الشعور بالعطاء " ، وقد وجد هو أن "صاحب المعجزات" قد أصبح منسيا فلا أحد يذكره ولا أحد يذكر علة وجود التراب في الجو وإختلاطه بالسواد ؟! ولما حاول هو أن يذكر بصاحب المعجزة ؛ لعل أحداً يحاول إحياء الدور أو يكرر العطاء ؛ لم يجد مجيب ، ولجأ هو وحده إلي أن يدون علي الحائط مرة أخري ؛ حتي لا ينسي ؛ ذكري ذاك الإحباط المتجدد :

"هكذا علمتنا الحياة درسها الخالد : عندما يحين الجد ؛ لن تجد أحدا من حولك ولن تجد من يعطيك ؛ لأنك تحتاج ولأن العطاء للمحتاج هو ما يكفل استمرار الحياة للجميع ؛ للمعطي والمحتاج !! " .

كان تجسد الفقد الأكبر في ظنه أنه لم يوجد وقتها من يتحدث للناس ؛ بحديث مسموع مفهوم ؛ يحث الأغني علي العطاء ؛ ويحث المحتاج علي الأخذ العفيف . ولما أراد أن يريح نفسه قليلا مما أحاط به من سواد ومن "لا عطاء" ؛ قال لنفسه : " أنا أجمل ما عشته قلته ؛ ولم أستبق لنفسي بداخلي إلا اﻷحزان : الوضع أصبح متدهورا جدا لدرجة أنك لن تجد بسهولة ؛ من تلقي عليه تحية الصباح لأنه يستحق تحية الصباح ؛ الوضع متدهور جدا ؛ لدرجة أنني عندما ربت بيدي علي رأسي جفلت ، الوضع متدهور جداً ؛ حتي أن "الربيع" قد أجل مجيئه هذا العام ؛ الوضع أصبح متدهور جداً ؛ لدرجة أن ما تبيضه فراخ البلدة ؛ جاء كله بدون صفار وأصبحت البيضة من داخلها سوداء !! ؛ الوضع متدهور جدا في الخارج للدرجة التي رغبت اﻷم في أن يكون حملها عامين لا تسعة أشهر ؛ حتي لا يأتي الوليد في زمن الجدب ويتأخر مجيئه حتي يمكن أن يتوفر له القليل من العطاء .

وخطر علي لسانه بعد أن استحضر من ذاكرته وسط السواد ومن قلب الذاكرة السوداء ؛ ذلك الذي كان نقيض "الساحر العَطاء " ؛ والذي ربما كان المسئول عن إختفائه بتدابيره الشريرة السوداء وبقدرته علي إفساد العطاء . استحضر "النقيض " الأحمق ؛ الذي كان يظن أنه سوف يستغل أشعة الشمس الساطعة المبهرة التي " تعمي" العيون التي تتطلع إليها مباشرة ويجعل عدد الخائفين من طلوع الشمس في زيادة . وكان في وهمه أنه سوف يستغل الجانب غير المنير من وجه القمر بأن يطعن القمر نفسه مستغلا الظلام السائد في هذا الجانب من القمر ومستغلا إختفاء العطاء . ولكن لم يجلب استحضار "النقيض" إلا مزيدا من السواد ؛ ولم يدري لما فعل ذلك ولكنها ربما كانت خاطرة سوداء بلا معني ، يغلفها أمل كاذب بأن الذي قد يأتي بالسواد ؛ ربما يكون قادرا علي تبديد السواد .