جريدة الديار
الخميس 28 مارس 2024 06:31 مـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

قراءة نقدية انطباعية في نص ”للوجع ظلال ”…قصة قصيرة...

قبل البدء بالقراءة النقدية الانطباعية في النص لا بد لي من مقدمة موجزة في نشأة وبدايات

هذا الجنس الأدبي موضوعياً وفنياً والتعريف به.

• مقدمة •

يرى الباحثون والدارسون والمعنيين بتتبع هذا الجنس الأدبي رؤية ً مفادها ترك التحديد لهذا

الجنس الأدبي لأنه مبني على الشَفاه والحكاية التي هي نشاط إنساني محض نشأ مع وجوده

على الأرض، وإن كان لا بد من تحديد فقصص عنترة بن شداد وكليلة ودمنة ومقامات بديع

الزمان وقصص البخلاء في كتاب الجاحظ يمكن عدها نوع من أنواع القصة في الشرق.

وقد ظهرت في الغرب أثناء عصر النهضة بما يسمى ( بالفابولا ) في فرنسا وهي أقاصيص

شعرية تحمل معنى الهجاء الاجتماعي، وأيضاً ظهر في أوربا بعدها ما يسمى ( الفاشيتا ) أو

مصنع الأكاذيب كان سبب ظهورها وانتشارها التسلية واللهو، وأيضـا ًقصص الديكاميرون

الإيطالية لجيوفاني.

هذا ما يشمل القصة القصيرة موضوعياً، أما القصـة القصيرة بشكلهاالفني المحـدد المعالم

والقسمات والخصائص؛ فأول من كتب فيه هو موبسان وأدغار ألن بو وجيمس جويس و

وهمنغـواي وبوشكين وغـوغول هذا في الغـرب، ثم انتقلت إلى الشرق من خـلال كتابات

المنفلوطي ومحمود تيمور وميخائيل نعيمة ومحمود أحمد السيد وغيرهم كثير.

أما تعريفها فنراه عـند موبسان :(هو تصور حـديث لا يهتـم الكاتب بما قبله ولامـا بعده)

وهي عنده عبارة عن لحظات عابرة منفصلة تعبر وتصور الواقع. وقـد أعجبني تعـريف

شكري محمد عياد لها يقول: أن كـل قصة قصيرة فنية هي تجربة جديدة في التكنيك.

• عنوان النص •

العنوان جـزء مهـم في نص ومنه يمكن الولوج لمتن النص وفهـمه والمعرفة بـه جزئياً

والحـصـول عـلى الثيمـة والخلاصة للنـص كـكل، وفي هــذا النص العنـوان يتكـون مـن

كلمتين ( للوجع + ظلال ) شبـه جملة خبر مقدم + مبتدأ مؤخر والدلالة اللغوية للتقـديم

والتأخير هنا لها وقع فيما لـو قـيل الظلال الموجـعة، وهـو يشبه قولنا إياك نبعـد تقـديماً

فيما لو قلنا نعبدك والمراد هنـا تقديم وتصدير الوجع، وقد ذكر البلاغيون فـوائد لتقديـم

الخبـر على المـبتدأ ما يهمنـا منها في العنـوان التخصيص والقصر، أمـا دلالـة العـنـوان

فليست حقيقية فـلا ظل للوجع حقيقة وإنما الدلالة مجازيــة مستعـارة مــن ظل الإنسـان

وأصل العـبارة : ( للوجع ظل يشبه ظـل الإنسان )، والمعـنى مخصص بحالة شعورية

للازمة من لوازم مرافقة الظـل للإنسان، ومبادلته بالوجـع كظل مرافق له، موقـف مــا

أو ذكرى ما.

متن النص

وهو مـا يبرز محتوى النص القصصي ونلج له من خـلال عـناصر القصة والتي بـدت

هكذا

• الأسلوب •

في هــذا النـص اتبـع الكـاتـب طريقـة وأسلوب السـرد الذاتي بتجسـده بشخصيـة مـن

شخصيات النص وسـرده من خلالها. وقـد استخـدمت الكاتبة ضمير المتكلم معتــمدة على

الحكائية بلا حوار بين الشخصيات ، وبيان حـال الشخصيات في النص نعـرفه مـن خلال

ما يتذكره عنها وما يصفه من مواقف بالاصطدام به في الزمان والمكان.

• الأحداث

لم يعتمد الكاتب على الطريقة التقليدية في سرد وحكاية الأحداث بترتيبها الزمني من

البداية وصولاً إلى النهاية ولا عكس ذلك سـرد الأحداث من نهايتها ثم بدايتها كمـــا

رتبت زمنياً، بل اتبعت الطريقة الوسطية مـن خـلال اصطنـاع الحدث في مكـان وزمـان

وسطي يتنقل من خلالـه إلى الزمن الماضي ثـم الزمن الحـاضر الوسطي وصـولاً إلى

نهاية النص.

• البيئة •

المكـان اختـار الكـاتب عـربة قطار أو عـربة مترو ليحكي فيها ويسرد ذاتـياً لأحـداث

قصته، مع وصف لدقائق ذلك المكان ومحتواه حسب ما يتسنى له خلال سـرد الحدث

أو ما يفيد منه فيه من اصطناع المواقف.

الزمان وهو كما في النص من جزئيات المكـان، فبما أنه اختـار عربة قطار أو مترو

لسرد حكـايته ذاتياً بأسلوب الذكريات وهـو جزء مـن ذلك السرد، فبالضرورة يكـون

زمان النص مدة تواجده في العربة إلى انتهاء ذلك التواجد طال أم قصر.

• الشخصيات •

ليس هناك شخصيات كثيرة في النص وتميل القصة القصيرة إلى الإقلال منها بشكل

كبير جداً، وفي النص شخصية رئيسية تمثلت بشخصية الحاكي السارد الذاتي ومـن

بعـدهــا شخصيتـان ثانويتان رجل وزوجته ، وزوجة الرجـل هي حبيبة الشخصـية

الرئيسية في النص سابقاً.. ثم شخصية ثانوية رابعة تمثلت بشخصية بائع التذاكر في

العربة.

• صراع وحبكة النص •

بعد اختيار الكاتب لأسلوبه الحكائي وضمير المتكلم والسرد الذاتي للأحداث في زمان

ومكان متلازمين أو بالأحرى متوازيين معاً، بدأ يسجل كل ذلك بطريقة البوح أو ما

يعرف بالمناجاة الداخلية لعرض ما التصق في ذهنه عن الشخصيات تلميحا ً وأيحاءً

مع التمثيل لذلك أي أنه اعتمد على عرض صفات أشخاصه ومواقفهم بلا تحليل أو

وعظ كونه أحدهم بل يوحي ويلمح لذلك.

فنرى عبارات لوصفه الشخصية التي تزوجت محبوبته ( ترآت رأسه الصلعاء كمرآة

محدبة- أوليته ظهري- ابتسامته البلهاء- تصدى لي بتجويف صدره ) كل هذه العبارات

توحي بالنفور منه، مع تذكر لأحواله الماضية والحاضرة بانطباع غير محبب.. كذلك

إظهار أن تلك الشخصية غير سوية بعبارة ( متى أخرجوه من المصحة ).

وفي المقابل شخصية الحبيبة التي اقترنت بغيره، الإيحاء وتمثيل صفاتها وما لصق في

ذهنه عنها محبب وغير محمل لها شيء ما.. ( تقاطيع وجهها البيضاوي المستدير-

قطفت زهرة احتضنتها وسارت – ناولتها الإيشارب وردياً كلون خديها- انتشيت بعبق

الزهرة في راحة يدها عند الإشارة .. ) مع تذكر كــل ذلك تذكر ممثل للأحـداث التي

دعتها لتركه بعد علاقة حب جميلة ولقاءات متعددة في إحدى الحدائق المونقة، ثم كان

التعهد بعدم الفراق، لكنه حدس ذلك وأخبرنا به قالت ( لن يفرق شيء بيننا ).. قطعت

الأحداث شوطاً كبيرا ً ليتمم دارسته ويذهب للعمل في الخارج وهنا كانت الصدمة..

عبر عنها برسالة (سررت بكلماتها الوردية إلى حين رسالة عاجلة اصطبغت الكلمات

بلون أسود)، ثم برقية عاجلة ( أبرقت إليها على الفور أن تحاول دون إتمام هذه الزيجة

أكدت لها أنني قريبا سأعود)؛ فرسالة أخيرة خطت فيها ( لا فائدة لسبب ما خرج الأمر

من يدي!.. أما علامة التعجب هنا فكأنها إشارة وتلميح لخيانة العهد بعدم الفراق.

وخلال سرد الأحداث وصراع الشخصيات في النص نجد تكنيكا ًحكائيا ًجميلا ًلكاتب

النص وهو يقفز قفزة ذهنية يتذكر بها الماضي ثم يعود للحاضر مع وصف لدقائقه وكذا

موجوداته، وصف للعربة (توقفت العربة تلهث- أبحث عن شبه فراغ أدس فيه احدى قدمي

المحشورة بين الأرجل الكثيرة- لكزني بكوعه فانتفض جسدي..) وقبلها وصف البستان الذي

كان يلتقي فيه بحبيبته (جلست على مقعد خشبي متأرجح- ممر قصير ومحاط بشجيرات

الصبار والخروع ذات الأوراق العريضة الداكنة..) وصف حبيبته في الماضي والحاضر

(كانت تتنقل عينيها تتفرس في الوجوه العابسة - فشلت في أخفاء مسحة من حزن استقرت

في عينيها- كنا جيــرانا تعارفنا- أتسعت عيناهـا على مرأى الوجـه القديم المنسي- انعكس

ضوء الشمس على الزجاج ولمع سوار الذهب في معصمها..) كل ذلك وصل إلينا بلا حوار

عن طريق إدارة لشريط ذاكرة الشخصية الرئيسية في النص، بوحا ً وإيحاءً وتمثيلاً.

• الخاتمة وقفلة النهاية •

غالباً ما تكون خاتمة القصة القصيرة ونهايتها، فيها حل للصراع وحبكة سرد النص مع

قفلة غير متوقعة تقليدية كلاسيكية، وبما أن بيئة الأحداث وزمانها كانت عربة في قطار أو

مترو فلا بد أن تكون النهاية فيها (مقعدها شاغرا للحظة - رأيت منديلها الرمادي ملقى فوقه

التقطته- نزلت تبعتها- هل هي ..؟! هل كانت تشبهها ..؟!- لست متيقنا من شيء شيعتها بنظرة

يائسة حتى اختفت تحت سلم رخامي ..ومضت). وكما نلاحظ في هذه الاقتباسات من خاتمة

النص، ما يوحي بتوهم الشخصية الرئيسية وبإن من رأى في العربة ليست حبيبته، وقد اختفى

وتلاشي كل ذلك ما إن نزل من العربة.

• تقييم النص موضوعيا ً وفنيا ً•

موضوع النص سبق وطرق مراراً وتكراراً، رجل وامــرأة يتلاقيان، يحب بعضهما بعض، ثـم

يتعاهدان على عدم الفراق، يذهب الرجل الحبيب الزوج المستقبلي المفترض للعمل في الخارج

تتخلى عنه المرأة الحبيبة وتتزوج بأخر قائلة الموضوع خرج من يدي أو أسباب أخرى.

أما فنيا ًفتبقى طريقة وأسلوب كتابة قصة قصيرة عن موضوع مكرر وثيمة كلاسيكية هي ما

يشفع للكاتب ويجعله يلبسها ثوباً جديداً ويضفي عليها طابعاً حداثوياً، وهو ما حدث نوعا ًما.

في عنوان النص واعتماده على التقديم والتأخير نحواً وبلاغةً لتصدير الوجع وجعله بظـلال

وكأن ذاكرة الإنسان بمثابة ظلال للوجع.

كذلك الاستفادة من تقنيات السرد والجمل والعبارات البلاغية بانزياحات مكثفة موحية، وتضمين

مُرمز، وتمثيل المشاعر والأحاسيس من خلال البوح بها كما هي في خزين الذهن والذاكرة.

كما نرى في النص حس درامي، في تتبع نوازع ومكنونات الإنسان وتقلبات أحواله وتفاعله

في مجتمعه من خلال صور وتشبيهات مستعارة، بـل في اعتقادي حتى اللون تدخــل في ذلك

لرسم ما تـراه الشخصيات في النص ( أسود – بنفسج – صفراء – أصفر )، مع رسم لملامح

الرضا واليأس والبؤس والحزن والشحوب والعبوس والتغرب.. ولا يخفى أيضأً عنصر الغموض

وعدم توقع النهاية، وجمالية النص تكمن في رؤية الشخصية الرئيسية لمن حوله والتمثيل لما

علق بذهنه عنهم بأسلوب المناجاة الذاتية بشكل مركز ومكثف موجز مختزل ليس تقييماً لهم بل

تفريغاً لما يحس اتجاههم عفوياً، يرسم ملامح حياة قد تكون مختلفة بمنظار الشخصيات الأخرى

فيما لو تركت تبوح بمكنونات أعماقها وتناجي ذاتها، فقد نحصل على قصص أخرى أجمل.

القراءة الأولى للنص ستبدو رتيبة لكن مع إعادته مرة بعد أخرى سنجد فيه ما يغري بالإعادة

لسبر غوره أكثر فأكثر والحصول منه على مفهوم جديد وإفادة حديثة، وأميل لرأي عياد بأن

لكل قصة قصيرة رؤية فنية وتكنيك جديد.