جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 11:24 صـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

قصة قصيرة I الوضع أصبح حرج جدا

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كانت قد أسودت من حوله ؛ حتي أصبحت حياته حالكة السواد تماما ؛ ليس عن أفعال أتاها ولكنها تصاريف الأمور فيما كان يحوطه من حياة ؛ فلم يعد السير في دورب الحياة والاستمرار حيا دون موت ؛ ليس خطرا فحسب ؛ بل أصبح مميتا قاتلا عن كره للسائر كونه سائرا وكذلك لمن لديه فقط الرغبة في السير ؛ حتي أصبح الفناء يترصد من يختار من السائرين .

خلي إلي نفسه فوجدها أكثر سوادا وأكثر خطرا ؛ وأكثر قتلا وتعجب كيف اختلط سواد الداخل بسواد الخارج دون حد فاصل ودون قدرة علي التمييز : أيهما أكثر طغيانا من الآخر علي الآخر ؟!. كانت قد اسودت تلك المدينة في تلك البقعة من الأرض في ذلك البلد ؛ حتي صار السواد عاما وصار دخانا يتمدد من تلك المدينة الصخرية القلب إلي سائر أنحاء الكون .

وصار يحدث نفسه ؛ بما يراه في نفسه ؛ يستخلصه من بين السواد التام في داخله ويستفه كلاما ؛ مكتوبا مقروءا ؛ علي حوائط منزله في ظل السواد التام الذي يحيطه ؛ حتي تجلد السواد من حوله ؛ وصرخ لعل الصوت يخترق السواد الكثيف الذي يحجب وجود الأشياء والموجودات : " هذا المساء هذه الليلة ؛ في تلك اللحظة ولأيام طويلة خلت لا دمع لدي يكفي حزني فليعيرني من يستطيع دموعه"

ولم تفلح محاولاته في إختراق السواد بالصراخ فقد أصبح الجو غائما جدا تملؤه الشوائب واﻷتربة ؛ فالذي كان بإمكانه أن يحول التراب ذهبا قد احتجب ثم ذهب بعيدا دون أن يعرف أحدا أين ذهب ؟ ثم مات ؛ فقد ظهرت جثته بعد أن مات : مبعثرة في أماكن عدة وعلي فترات ؛ فلم يعرف أين مات ومتي مات وقد ظل التراب في الجو علي حاله مختلطا بالسواد ودون أن يتحول إلي ذهب ؛ كما كان حادثا في زمن صاحب المعجزات الذي ماتت أجزاءه ومات مجمعا ؛ وفي زمن العطاء علي الرحب والسعة وعلي الرحب رغم الحاجة ولكن ليشيع الشعور بالعطاء ، وقد وجد أن صاحب المعجزات قد أصبح منسيا فلا أحد يذكره ولا أحد يذكر علة وجود التراب في الجو وإختلاطه بالسواد ؟! ولما حاول هو أن يذكر بصاحب المعجزة ؛ لعل أحدا يحاول إحياء الدور أو يكرر العطاء ؛ لم يجد مجيب ، ودون علي الحائط مرة أخري ؛ حتي لا ينسي ؛ ذكري ذاك الإحباط المتجدد : "هكذا علمتنا الحياة درسها الخالد : عندما يحين الجد ؛ لن تجد أحدا من حولك ولن تجد من يعطيك ؛ لأنك تحتاج ولأن العطاء للمحتاج هو ما يكفل استمرار الحياة للجميع ؛ للمعطي والمحتاج "!!

وكان تجسد الفقد الأكبر في ظنه أنه لم يوجد وقتها من يتحدث للناس ؛ بحديث مسموع مفهوم ؛ يحث الأغني علي العطاء ؛ ويحث المحتاج علي الأخذ العفيف . ولما أراد أن يريح نفسه قليلا مما أحاط به من سواد ومن لا عطاء ؛ وقال لنفسه : " أنا أجمل ما عشته قلته ؛ ولم أستبق لنفسي بداخلي إلا اﻷحزان : الوضع أصبح متدهورا جدا لدرجة أنك لن تجد بسهولة ؛ من تلقي عليه تحية الصباح ؛ الوضع متدهور جدا ؛ لدرجت أنني عندما ربت بيدي علي رأسي جفلت ، الوضع متدهور جدا ؛ حتي أن "الربيع" قد أجل مجيئه هذا العام ؛ الوضع أصبح متدهور جدا ؛ لدرجة أن ما تبيضه فراخ البلدة ؛ جاء كله بدون صفار ؛ الوضع متدهور جدا في الخارج للدرجة التي رغبت اﻷم في أن يكون حملها عامين لا تسعة أشهر ؛ حتي لا يأتي الوليد في زمن الجدب ويتأخر مجيئه حتي يمكن أن يتوفر له القليل من العطاء .

الوضع متدهور جدا ؛ حتي أن "الربيع" قد أجل مجيئه هذا العام . وخطر علي لسانه بعد أن استحضره من ذاكرته وسط السواد ومن قلب الذاكرة السوداء ؛ ذلك الذي كان نقيض "الساحر العطاء " ؛ والذي ربما كان المسئول عن إختفائه بتدابيره الشريرة السوداء وبقدرته علي إفساد العطاء .

استحضر "النقيض " الأحمق ؛ الذي كان يظن أنه سوف يستغل أشعة الشمس الساطعة المبهرة التي " تعمي" العيون التي تتطلع إليها مباشرة ويجعل عدد الخائفين من طلوع الشمس في زيادة .

وكان في وهمه أنه سوف يستغل الجانب غير المنير من وجه القمر بأن يطعن القمر نفسه مستغلا الظلام السائد في هذا الجانب من القمر ومستغلا إختفاء العطاء . ولكن لم يجلب استحضار "النقيض" إلا مزيدا من السواد ؛ ولم يدري لما فعل ولكنها ربما كانت خاطرة سوداء بلا معني ، يغلفها أمل كاذب بأن الذي قد يأتي بالسواد ؛ ربما يكون قادرا علي تبديد السواد .