جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 05:03 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محمد خليفة يكتب : المصريون أول من عرفوا نظام الشرطة في العالم

الكاتب الصحفي محمد خليفة
الكاتب الصحفي محمد خليفة

تحتفل مصر فى الخامس والعشرون من يناير كل عام بعيد الشرطة، إحياءاً لذكرى استشهاد ضباط وجنود الشرطة فى مدنية الإسماعلية، أثناء مواجهة القوات البريطانية لمنع دخولها مديرية الأمن التي راح ضحيتها خمسون شهيدا وثمانون جريحًا من رجال الشرطة المصرية علي يد الاحتلال الإنجليزي في 25 يناير عام 1952 بعد أن رفض رجال الشرطة بتسليم سلاحهم وإخلاء مبني المحافظة للاحتلال الإنجليزي.

وبالعودة إلى الوراء والبحث في كتب التاريخ، تبين أن عيد الشرطة كان طقسًا مصرياً قديمًا، فلم يفوَّت المصريون القدماء أى مناسبة للاحتفاء بالعسس أو حاميو الأمة..

المصرى القديم كان سباقا فى تكوين الجيش والشرطة لحماية حدوده الخارجية وكوَّن الشرطة لحماية جبهته الداخلية ونظمِها.
وجهاز شرطة القدماء المصريين كان في مدينة "منف" بالقرب من مدينة ميت رهينة الحالية، على بعد 20 كم جنوب الجيزة. حمل جهاز الشرطة على عاتقه مهام تحقيق الأمن والأمان للشعب، وكان جهاز الشرطة ينقسم إلى خمسة فروع، هي الشرطة المحلية " الأمن العام حاليا" ، والشرطة الخاصة " قطاع المباحث حاليا" والشرطة النهرية " المسطحات المائية حاليا" وشرطة المعــابد" السياحة والاثار حاليا" ، والحرس الملكي التي تحمي قائد الدولة الحاكم

وكانت الشرطة الخاصة واجبها التحري حول مدى ولاء كبار الموظفين بالحكومة التي يرأسها الملك والتأكد من ولائهـــم للعرش وإخلاصهم لنظام الدولة، كما تختص بأمن الدولة من الداخل وتقدم تقاريرها إلى الملك أو للوزير على الأقل، كما يقدر وجود هذا الجـهاز منذ عهد الدولة الوسطى حوالي 2050سنة إلى 1710 قبل الميلاد ..
ومن المعروف أنَّ النيل كان وسيظل عصب المواصلات بالنسبة للدولة، سواء بالنسبة لتنقلات الأفراد أو شحن البضائع ، وأصبح من الضروري تأمـين هذا الطريق الهام بالنسبة للمواصلات؛ مما جعل من الضروري لتحقيق مثل هذا الغرض وجود جهاز شرطة نهرية ودوريات تفتيشية تجـوب النهر.

وكان هناك شرطة مدينة منف بالقرب من ميت رهينة بالجيزة حاليا، وشرطة لحراسة سفينة وزير الداخلية
و الوزير كان على رأس جهاز الشرطة وله سفينة تحت تصرفه تنقله حيث يشاء ويخضع له كذلك حرس الملك الخاص ومن واجباته المحافظة على المؤسسات العامة وتسجيل الاتهام فى حق كل المجرمين المحبوسين فى السجن الرئيسى، وكانت الشرطة تتلقى تقارير موظفى الإدارة والإشراف على حشد الجنود والسير فى ركاب الملك عندما يتنقل عبر نهر النيل شمالا أو جنوبا، وكذلك من واجبه إرسال الجنود والكتبة المحليين لوضع الترتيبات للملك وإشاعة الأمن والقضاء على المجرمين كانت أولى واجباته كما جاء فى مقبرة " رخميرع أو رخ مى رع " وهو وزير من القدماء المصريين، ويعنى اسمه العارف تولى الوزارة في عصر الملك تحوتمس الثالث وأمنحتب الثاني.

رؤساء الشرطة
رئيس الشرطة كان يتم اختياره من بين الضباط وحملة رتبة "حامل العلم" مثل "روى " رئيس الشرطة في عهد الملك تحوتمس الثالث وأمنحوتب الثانى وقائد اخر اسمه " نب أمون" في عهد الملك تحوتمس الرابع وكانت مدينة طيبة" مدينة مصرية قديمة تقع على طول نهر النيل على بعد 800 كيلومتر جنوب البحر الأبيض المتوسط. تقع أطلالها داخل مدينة الأقصرحاليا بما تضمه من معابد ومقابر والكنوز والأسرار والحركة المستمرة فى البناء والزخرفة ذات أهمية خاصة ولها رئيس شرطة خاص يلقب «بأمير الغرب" والرئيس الأعلى لفرق بوليس مدينة الأموات بتونة الجبل حاليا بالمنيا . وكان لمدينة قفط بمحافظة قنا حاليا رئيس شرطة خاص بها لأنها محطة مهمة فى الطريق لاستخراج الذهب من وادى الحمامات ولا ننسى أن "ماحو" رئيس شرطة مدينة أختاتون قد استطاع أن يحبط المؤامرة التى دبرت لاغتيال الملك وكان هو المسئول عن المحافظة عن الأمن والنظام فى تل العمارنة وهناك رؤساء شرطة الصحراء يقومون بتعقب الفارين إلى الواحات وحماية عمال قطع الأحجار وتحت امرة رئيس الشرطة رجال شرطة مكونون من قيادات فروع وضباط آخرين يلقبون بـ«حامل علم الشرطة.

ولرجال الشرطة مكانة بين أفراد الشعب فقد قال عنهم الحكيم آنى الذي عاش مع ملوك الأسرة الثامنة 2140 - 2130 قبل الميلاد - قال «اتخذ من شرطى شارعك صديقا ولا تجعله يثور عليك واعطه من طرائف بيتك..

وكانت الأجهزة الأمنية تضمن آيضًا، الشرطة المحلية التى تقوم بحفظ الأمن والنظام فى المدن والصحراء أما الحراسة داخل المدن فهذا «ترى» رئيس الشرطة قائلا: إن الحى الجنوبى والشمالى يسود فيهما النظام، وربما كان هذا إعطاء تمام عن الحالة بلغة اليوم.
و نرى نظام الحراسة فى تل العمارنة فى مقبرة ماحو رئيس شرطة أخناتون، ونجد محل الحراسة محصنا وله باب واحد والدخول إليه محروسا بسياج فى هيمنة أعمدة يصل بينها بعض الحبال وربما كانت هناك بيوت صغيرة حول المدينة على كل منها حارس كما نشاهد مخزن أسلحة يحرسه بعض الجنود المسلحين.
أمَّا الشرطة النهرية فكان مسئول عن تأمينه " القائد" سعنخ" في عهد الملك أمنحوتب الرابع وقال قائد الأسطول النهرى "رخميرع " لقد تعقبت المجرمين على الماء واليابسة ولما انتشرت القرصنة فى حوض المتوسط عين امنحوتب الثالث حرسا حربيا للسواحل المصرية يطوفون شواطئ الدلتا لمنع القراصنة من الإقتراب من مصر ولا يسمح بالدخول فى مصبات الأنهار إلا للسفن التجارية القانونية، فيقول امنحوتب ابن جابو "وقد أحيط الإقليمان برقابة استطلاعية لمنع البدو وفعلت ذلك عند رءوس الأنهار" .

حراس المعابد:
وكان للمعابد شرطتها الخاصة وحراستها منذ عهد الدولة القديمة، وكان الملوك يهتمون بقوات المعابد فهذا الملك سيتى الأول فى مرسومه الخاص بمعبد العرابة يذكرأنّه عين له كهنة وضباط وفعل رمسيس الثالث ذلك وزاد كما جاء فى بردية هاريس: "ونصبت عبيدا حرسا للميناء ونصبت حراس أبواب من العبيد وأمددتهم برجال يحرسونه ويراقبونه

والحرس الملكى وإن كان موجودا بشكل أو بآخر قبل عصر الدولة الحديثة إلا أنه فى الدولة الحديثة أصبح كامل العدد، له شعاره الخاص يتبع الملك أينما غدا أو راح، وفى النصف الثانى من الدولة الحديثة نجد العنصر الأجنبى يدخل فى تكوين الحرس الملكى.

تل العمارنة.. والحرس الملكي
ففى تل العمارنة فى مقبرة باغى نرى الحرس الملكى يضم سوريين وليبيين، وفى عهد مرنبتاح من الأسرة 19 نجد بن عوزى يلقب برئيس شرطة القصر الملكى.
ورجال الحرس الملكى يختارهم الملك من أهل ثقته كما حدث مع "محو" الذى حارب مع تحوتمس الثالث ورقى من جندى بسيط حتى لقب فارس وعينه ابنه أمنحوتب الثانى، وقال له « يجب أن تعد نفسك مسئولا عن حرسى الخاص من الآن"
تحتوى برديات أبوت وأمهرست على تفاصيل دقيقة عن المجرمين ،أسمائهم، ألقابهم ووظائفهم، واتهاماتهم، ولكل قضية أوراق تحفظ فى سجلات خاصة وتحفظ هذه السجلات بنظام. فمثلا هناك قائمة أسماء لصوص صناديق النفائس وقائمة بأسماء لصوص الجبانة فقط كما جاء فى بردية أبوت المجهولة. واستخدمت الشرطة الكلاب البوليسية فى الحراسة، ومطاردة الهاربين والقبض عليهم واقتفاء الأثر ولدينا منظر بمقبرة عنخ نفر من عصر الانتقال الأول يمثل صفا من عساكر الرماة وقد أخذ كل منهم بزمام كلبه وكانت هناك وظيفة "مدير حراس الكلاب"، كما جاء فى بردية بولاق من الأسرة 13، ومنظر من مقبرة "نب أم عنخ" من الأسرة الخامسة فى سقارة للص يسرق خضراوات من سله ويطلق رجل الشرطة عليه قرد بابونى لتعقبه والأمساك به.. رحم الله شهداءنا من رجال الشرطة الأبرار