جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 04:10 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

”صلاح منصور” .. فنان المسرح و السينما و رحلته الفنية من البـداية للـنهاية

ولد صلاح منصور في 17 مارس عام 1923 بشبين القناطر في محافظة القليوبية، كانت البداية الحقيقية لصلاح منصور في الفن من خلال المسرح المدرسي، الذي كان أحد مؤسسيه مع الفنان زكي طليمات، وقدم من خلاله مسرحيات عديدة، كما عمل أيضا صحفيًا بمجلة روزاليوسف، وكان عمره لا يتعدى 17 عامًا، وكان أول حوار أجراه مع الفنانة أسمهان.

لم يكتف صلاح منصور بموهبته، فعمل على صقلها بالدراسة المتخصصة، والتحق بمعهد الفنون المسرحية، وكان أحد خريجي الدفعة الأولى مع المعهد إلى جانب فريد شوقي، وشكري سرحان، وحمدي غيث وعبدالرحيم الزرقاني.

المسرح الحر :

كون صلاح منصور عقب تخرجه مع زملاء الدفعة فرقة المسرح الحر، والذي كان أول مسرح خاص يقدم أعمالا جادة، وقدم العديد من الأعمال المسرحية منها "زقاق المدق"، و"بين القصرين"، كما قدم لـنعمان عاشور "المغماطيس" و"الناس اللي تحت"، ومن الأعمال المتميزة الآخرى "شىء في صدري" لحمدي غيث، و"الزلزال" لـجلال الشرقاوي، و"يا طالع الشجرة" لـسعد أردش، ومن المسرح العالمي قدم "الجريمة والعقاب"، و"زيارة السيدة العجوز"، و"رومولوس العظيم"، وغيرها من الأعمال التي أثبت فيها موهبته المتفردة، حتى قال عنه أستاذه زكي طليمات أنه ضمير المسرح وصحوته، وعلى الرغم من تقديمه أعظم المسرحيات، إلا أنه لم ينس المسرح المدرسي الذي كان أحد رواده، فعمل حتى وفاته مستشارًا لوزارة التربية والتعليم للتربية المسرحية، وكان يؤمن أن حجر الزاوية في النهوض بالمسرح لا تأتي إلا من المدرسة وتعليم الصغار فن التمثيل، لهذا ظل طوال عمره يطالب بأن يكون للتربية المسرحية دور أكبر في الوزارة.

وللاذاعة نصيب من موهبته :

لم تقتصر موهبة صلاح منصور على المسرح فقط، إذ كان للإذاعة نصيب كبير من إبداع هذا الفنان فكان أحد نجومها البارزين ومن أدواره التي لا تنسى "ضبوش العكر" في مسلسل عوف الأصيل، و"محمد الخياط" في مسلسل قسم، و"الأمير زياد" في رابعة شهيدة الحب الآلهي، وقد حقق صلاح منصور في هذه الأدوار نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، حتى أنه حصل لأكثر من مرة على جائزة أحسن ممثل إذاعي في المسابقة التي كانت تجريها إذاعة صوت العرب.

بدايته السينمائية :

كانت البداية وهو لايزال طالبًا في معهد السينما، حيث شارك في فيلم زهرة مع بهيجة حافظ، وبعد التخرج عاود الظهور في بعض الأدوار الصغيرة في بعض الأفلام، منها فيلم المليونير، حيث ظهر في استعرض المجانين مع إسماعيل يس، كما أدى دور صاحب التياترو في فيلم في الهوا سوا، ودور الشرير أمام ليلى مراد في فيلم شاطىء الغرام، وعلى الرغم من أن دوره في تلك الأفلام لم يتجاوز دقائق، إلا أنه أثبت فيها موهبته الفنية، مما رشحه بعد ذلك لأن يلعب الأدوار الثانية في العديد من الأعمال.

وقد شهدت مرحلة الستينات تقديمه لأهم أدواره السينمائية، التي أثبت فيها موهبته ومن أهم تلك الأدوار دوره في فيلم لن أعترف أمام فاتن حمامة وأحمد مظهر، وإخراج كمال الشيخ الذي قدم معه أيضا فيلم الشيطان الصغير أمام حسن يوسف وكمال الشناوي، وقد حصل في هذان الفيلمان على جائزة التمثيل نتيجة لتميزه في أداء أدوار الشر، كما قدم دور الأحدب في فيلم مع الذكريات للمخرج سعد عرفة بتميز شديد، حتى أن الممثل البريطاني الشهير تشارلز لوتون صفق له عندما عرض هذا الفيلم في لندن عام 1962، وقام بعد نهاية الفيلم وصافح صلاح منصور مهنئا وقال "لو أن هذا الممثل الموهوب موجود عالميًا لكنت أسلمت له الشعلة من بعدي".

ومن أدواره العظيمة الآخرى، دوره في فيلم البوسطجي و المستحيل للمخرج حسين كمال و دور المجذوب فى فيلم قنديل ام هاشم و دور الزوج الفظ فى فيلم حكاية بنت اسمها مرمر و المدير الانتهازى فى فيلم شئ فى صدرى و غيرها .

صلاح أبو سيف :

إذا كان الفنان صلاح منصور عمل مع العديد من المخرجين الذين استطاعوا أن يبرزوا موهبته وقدراته الفنية، إلا أن المخرج الكبير صلاح أبو سيف استطاع أن يقدم صلاح منصور في أفضل صورة من خلال العديد من الأفلام، وكانت بداية التعاون معه في فيلم بداية ونهاية عام 1960، حيث قدم دور "سليمان البقال" الذي يخدع "نفيسة" الفتاة العانس التي جسدتها ببراعة سناء جميل ليكرر التعاون مرة ثانية من خلال فيلم الزوجة الثانية، حيث قدم صلاح منصور دور "العمدة عتمان" المزواج الذي يطمع في زوجة الفلاح البسيط و استمر التعاون بين صلاح منصور وصلاح أبو سيف من خلال فيلم القضية 68، حيث قدم دور الرجل الطيب الذي يرى أن حل المشكلات يجب أن يكون بالمصالحة.

ثورة اليمن :

في فيلم ثورة اليمن مع ماجدة وعماد حمدي وحسن يوسف، وإخراج عاطف سالم تناول الفيلم كفاح شعب اليمن وثورته على نظام الحكم الإمامي وجسد صلاح منصور دور "الإمام أحمد" الطاغية الوحشي بطريقة بارعة، ومن المواقف الطريفة التي حدثت أثناء التصوير أن صلاح منصور كان يصور أحد المشاهد بملابس الإمام في شوارع بمدينة تعز اليمنية، مما دفع بالبسطاء نحوه يريدون قتله وهم يهتفون الامام عاد من جديد ، " اقتلوه اقتلوه" ولم ينقذه من بين أيديهم سوى رجال الأمن المرافقين له أثناء التصوير، وقد سُئل صلاح منصور في حوار قديم عن سر قبوله هذه الشخصية الوحشية فقال "كراهيتي للشخصية دفعتني إلى تجسيدها، وكان لابد أن نعرف مأساة اليمن في ظل حكم الآئمة، وإشراقة الثورة التي أطاحت بهذا النظام، فمن خلال وجودي في اليمن أثناء التحضير وتصوير الفيلم، عرفت عن قرب بشاعة الحياة التي فرضتها فترة حكم الآئمة مئات السنين".

الجوائز :

نال صلاح منصور العديد من الجوائز والتكريمات منذ بداياته، ففاز بجائزة السينما عن دوره في فيلم لن أعترف، وفي عام 1964 حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ثم جائزة الدولة التقديرية عام 1978 في الاحتفال بعيد العلم .

رحلة ألم مع هشام :

عاش الفنان صلاح منصور قصة ألم حقيقية بسبب ابنه الأصغر هشام، الذي أصيب بضمور في أعضائه، وكان يطير معه كل عام لعلاج الصمم والتخلف، وبعد عشر سنوات من رحلة المرض توفى الابن بعد إجرائه عملية جراحية في لندن، فأصيب صلاح منصور بصدمة عصبية جراء فقده لابنه، وبدأت تداهمه الأمراض، فعانى من سرطان في الرئة وتليف في الكبد، ومع ذلك، لم يعرف أحد من الفنانين أو الجمهور بحقيقة مرضه، وقدم عدة أعمال خلال تلك الفترة التي استمرت ثلاث سنوات، وحاول التغلب على مرضه وأحزانه بالتمثيل.

الاعتذار الاول و الاخير :

استمر صلاح منصور في تقديم أعمال فنية متنوعة سواء مسرحية أو سينمائية أو تليفزيونية، وكان يستعد لبطولة مسرحية بكالوريوس فى حكم الشعوب أمام نور الشريف، وبالفعل أجرى بروفات لمدة شهرين، ثم شعر أن صحته لن تجعله يعطي الدور حقه من الإجادة والإتقان، كما اعتاد طوال عمره، فاعتذر عن تقديم الدور، وكانت تلك المرة الأولى التي يعتذر فيها عن أداء دور بعد الموافقة عليه وإجراء البروفات، وكانت تسبقه دموعه وهو يتكلم، ثم رشح الفنان الشاب حينها - يحيى الفخراني- لأداء دوره.

النهاية :

لم يستطع صلاح منصور أن يخفي الآمه طويلا، فاضطر أن يدخل المستشفى بسبب معاناته من المرض، وكانت معه زوجته وابنه الأكبر مجدي، وكانت أخر كلماته التي قالها لهم "لا تبكوا، فقد عشت عمري وأنا أكره أن ارى الدمع في عيونكم، ولن أحبها بعد موتي"، وفي يوم 19 يناير عام 1979 رحل صلاح منصور عن عمر يناهز 56 عامًا، ولأنه لم يترك لأسرته الصغيرة سوى المجد الفني، فقد تقدمت أرملة الفنان الراحل بطلب للرئيس السادات لصرف معاش استثنائي، لمعاونتها على مواجهة أعباء الحياة، ووافق السادات على طلبها تقديرًا لما قدمه صلاح منصور للفن المصري.