جريدة الديار
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:54 مـ 15 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

هدى حجاجي احمد تكتب : امرأة من الجنوب ...

"لن يفهمك، فأنت تتحدث عن أمر قطعت فيه آلاف الأميال تفكيرًا ولم يمشِ فيه خطوة واحدة. لن يشعر بك، فأنت تشرح شعورًا جال في قلبك كل ليلة ملايين المرات ولم يطرق قلبه ليلة. ليس ذنبه، بل هي المسافة الهائلة بين التجربة والكلمات." الكلمات لا تسعف التجربة.

كانت الشمس قد ملأت الغرفة عندما أستيقظت ..شعرت انها قد نامت لساعات طويلة وأطفالها قد ذهبوا للمدرسة بدون ان يثيروااي ضجة ,,فتحت عينيها على صوت زوجها وقد أتى لها بفنجان الشاي باللبن وبعض القراقيش لتغير طعم ريقها بعد الأعياء الذي أصابها بالأمس من جراء نزيف حاد كانت جائعة عندما خرج من حجرتها ليأتي بأخته لتلازمها بضعة أيام حتى تستعيد عافيتها , بقيت هي تفكر ولم تستطع على الاقل أن تجرب أعظم ارتياح من أنها قد خرجت من هذا الكابوس المرعب وقد تألمت بشدة لما اصابها من فقد الجنين وأنها تبدو بشكل محزن كثيرا شديدة الكدر , لكن الأمور لا تجري حسبما يشتهي البعض ولا ما يفكر فيها . لكن حسبما تسير هي ولم تكن تريد طفلا آخر يزيد من أعباء الحياة ومن عبئها هي كانت قد تفوقت على نفسها هذه المرة ...امرأة في الخامسة والاربعين من عمرها ومعها البنين والبنات ماذا ستصنع بهم وزوج عاطل معظم شهور السنة ..المهم الا يكون أثر فيها وحرك عواطفها .. وأخذت تبكي بلا عزاء لفترة طويلة ظلت مستغرقة مرة في بكائها ومرات في النوم وفي ايام قليلة عاد كل شيء الى طبيعته وقامت بواجباتها في تأمين و خدمة البيت بكل متطلباته ..كما كانت تقوم بها دائما مراعية الا تجهد نفسها أكثر من اللازم وان تستمع الى ارشادات طبيب الوحدة الصحية في قريتها الفقيرة البائسة التى لا تعرف غير القحط والجوع والجهل والحاجة ... تذكرت نفسها منذ اكثر من عشرين كيف كانت وكيف صارت الآن وصوت أبنتها الكبري يرن في أذنيها ماذا جرى لكي يا ماما كنتي مثل الوردة المتفتحة والتب ذبلت قبل الآوان كانت جالسة وقد خبأت وجهها براحتيها جالسة هناك في مواجهة التسريحة وحيث كانت تهييء نفسها للخروج لحضور فرح ابنة جارتها التى دعتها منذ الامس وطلبت منها الا تتأخر عن الحضور ,,وغيرت ملابسها وهي مثقلة بمشاعر الأحباط ارتدت فستانها وضبطته على جسمها واضح أنه ليس من الممكن الإحساس بالرضا والفرح أو النشاط عندما تزداد الأعباء اكثر من اللازم وتعرف الواحدة أنها ليست بالفعل امرأة بل شبحا . وشبحا سوف يقضى عليه وحدة وحدة بشكل بطيء ..والآن عليها أن تغلق فمها بالمنديل لتخنق انفجارها في الانتحاب والبكاء الذي لا يخلف خلفه سوى السخط والندم على زواجها من رجل مهمل وأناني لا يرى سوى نفسه فقط وكأن العالم كله قد تلاشى من حوله ..أصبحت في الفترة الأخيرة تشعر بأنها حساسة أكثر من اللازم وحزينة وما أسهل أن تنهار باكية جراء اي كلمة . وقد حدث لها نفس الحالة منذ عدة أشهر كانت هى تقوم بمسؤولية البيت كاملة فهي تمتلك حجرة صغيرة على سطح المنزل فقامت بتربية بعض الطيور لبيعها بالسوق شديدة الاهتمام بهم مثل أولادها لبيعها ,, وتعود من السوق لتعول بيتها كنس ومسح وطبخ كانت حالتها تسوء يوم بعد يوم وكانت تصاب بنوبات دوار شديد والعرق يتصبب منها بغزارة وتشعر بأن أثاث البيت كله يتحرك وهي تلف وتدور حول نفسها وفي حالات عديدة تهاجمها طوال اليوم .. فقدت شهيتها للطعام ولم تعد تشتهي شيئا وكل طعام أصبحت تعافه .. عاشت على كوب الشاى لفترات طويلة وبعض الاحيان كوب العصير الذى تقسم عليها ابنتها بشرابه ,,كانت تمضي أيامها تعمل في البيت مثل الخادمة بلا اجر حتى غطى العمر كله هذا العمر الذى صارت كل النساء خائفة كثيرا منه والتي على وجه الخصوص ترى أنها بلغت نهايته .جدب شيخوخة ...سكوت موت ... الأيام تمر وتوعك صحتها زاد الى الحد الذى جعلها تقرر الذهاب الى القبر لا محال ربما كانوا سكان القبور في راحة تامة ..فر زوجها هاربا من المسؤولية تاركا لها ستة من الاولاد أي حمل هذا الذي يقسم الوسط ..مرت الاعوام ولاادري كيف مرت وها هو يعود ثانية متحجاجا بحجج فارغة وبلهاء يعود من أجل أن يكون هناك طفل آخر بعد ان فقدت الام النضارة النشاط والبهاء ونطفئ بريقها عينيها رجل طموحه الوحيد هو الأنجاب كل همه أن يملأ البيت بالعيال ولا يعبأ من أين نطعمهم اقصى طموحاته والشيء الوحيد الذي يفعله, ..نعم طفل أخر وكسب نقود أزيد من صاحب الفرن أو المخبز الذى يعمل فيه ليل نهار والمهمة جدا بالنسبة لها أن تظل تعمل طوال النهار والتي تحتاج الى معجزات في تدبير إنفاقها على كل هذا الكم من الابناء وأن تسد الافواه المفتوحة وتملأ البطون الخاوية ولا يبالى كم الأجهاد الذى تبذله لدرجة السقوط أو الموت في تلك الليلة الشاتية قررت ابلغه بالخبر انها حامل .. كان الاطفال قد ناموا وهو في الغرفة المجاورة يشاهد التليفزيون مثل كل الليالي بعد تناول العشاء وقدهيأت نفسي لأخباره بالخبراستمع لي ولم يبالي ولم أعرف ما كان ينوي عليه ...وما كان منه إلا أنه أعد نفسه للهروب مع طلوع الفجر كان البيت كله في سبات عميق . وهكذا في الظلام تهرب كل الأشياء ولم يبقي سوى امرأة تبحث عن معيل .تبدو بشكل محزن كثيرا . شديدة الكبر صورتها هي صورة امرأة ناضجة .سمينة بوجه مرهق , ذابل حيث بدأت تلاحظ التجاعيد وقلة العناية أم من الأفضل أن نقول عدم العناية بكل ما يخص شخصيتها . الشعر الأبيض الأشيب .فستانها المستهلك وموضته القديمة .اختفاء ذلك البريق اللامع في عينيها كل شئ أصبح ينذر بالنهاية ..نهاية امرأة من الجنوب .