جريدة الديار
الثلاثاء 23 أبريل 2024 08:23 مـ 14 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
ضبط عاطل حاول إدخال كمية من المواد المخدرة لأحد أقاربه أثناء محاكمته في الفيوم أوركسترا النور والأمل على مسرح أوبرا دمنهور حماية المستهلك يضبط مركزين طبيين أحدهما لحاصل علي الثانوية بالبخيرة ” صور ” ختام عروض مهرجان بؤرة المسرحي وغدا حفل الختام وإعلان الفائزين وكيل الوزارة يستقبل مشرف الوزارة للمراجعة الداخلية لأعمال الحمى والطفح الجلدي برلماني: خطوة جبارة ستدعم قطاع النفط بمصر .. ”أول منطقة حرة لتخزين النفط ومشتقاته” حلم القطار السريع يصل الشرق بالغرب.. الخط الثالث خطوة هائلة نحو ربط صعيد مصر بالبحر الأحمر توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية ”صور ” الأهلي كابيتال القابضة تستحوذ على 51% من أسهم رأس المال في شركة إيزيليس محافظ الشرقية يترأس اجتماع المجلس الاقتصادي جامعة طنطا تطلق الملتقى الافتراضي الخامس للتواصل مع أصحاب الأعمال تفاصيل زيارة السيسي للنصب التذكارى للجندى المجهول” صور ”

أية فايد تكتب: لمسة ألم .. الكورونا وأكذوبة الحياة

اية فايد
اية فايد

اختطفتني لحظات تأمل لتبحر في بحر أمنيات الطفولة والشواطئ التي اتخذت منها يابسة لمصفوفة خبرات حياتي بعد كل مرة أصارع تلك الأمواج العاتية التي تعصف بعقلي وقلبي .. تذكرت تلك الأيام التي كنت أتخذ فيها من تلك البلكونة ملاذا لي لأناجي الله عز وجل بطموحي وآلامي وأنا أنظر للسماء الصافية وتلامس أشعة الشمس وجهي وأنا ألهو بينما أمي تعد ألذ الوجبات وأبي في ديوان العمل .. تذكرت ذلك اليوم الذي كنت أفكر فيه كيف ستكون نهاية حياتي .. أتذكر تلك الأيام حيث لا حروب ولا وباء ولا شئ سوي التعمير .. نعم التعمير ما بعد نصر أكتوبر ٧٣ وبدء مرحلة الرخاء بالنسبة للأجيال تلك التي عانت الأمرين من الحروب الشرسة بين مصر واسرائيل ، إنما أنا وجيلي .. فقط لا نعرف سوي الاستقرار والأمان حيث لا خنادق ولا غارات ولا شئ سوي وظائف متوفرة في كل الوزارات والمنازل التي جددت من آثار الحروب وأسواق المنطقة الحرة التي فُتحت علي مصرعيها بموطني وعشقي .. بورسعيد الباسلة ، ليعم الرخاء. لم أر نهايتي سوي عجوز دافئة في سريري محاطة بأولادي وأحفادي .. ولم أر تلك النهاية إلا لكل من أحب وبخاصة أمي وأبي ، لم أكن أعلم أن المستقبل يُخبئ لي أعاصير حُففت بها حتي إلتهم إعصارا قويا قلبي وروحي وسلب مني الحياة وأنا لا زلت أتنفس .. لم أكن مستعدة أبدا لتلك الأقدار التي أراد الله أن تعصف بنا ،ابتلاءا كان أو دين أراد القدر رده في الدنيا. أتذكر ذلك اليوم المشئوم في إحدي ليالي صيف ٢٠٠٤ حيث كنت أستمتع بمشاهده التلفاز مع أسرتي حتي رن جرس الهاتف لأجد شخصا يخبرنا أن والدي يحتاج سيارة إسعاف. أتذكر بكاء أمي وصدمتها ونظرتها لنا وهي تقول "أبوكوا مات .. أبوكوا لو عيان مش هيخضني ويخلي حد يتصل كده وهيتماسك علشانا .. أبوكوا مات" مر كل شئ سريعا ولم أكن بالعمر الكافي لإستيعاب مصيبة الموت ، لم أري سوي وجه أبي الباسم الضاحك وكأنه ملاك نائم .. وبعدها كل هؤلاء ممن يتشحوا بالأسود. مرت الأعوام وتذوقت مرارة اليتم وفقدان الأب تدريجيا ، ولكن لم أكن أُدرك معناه الحقيقي إلا بعد أن اقتنصت الكورونا بالموجة الثانية أمي بعد ستة عشر عاما من فقدان أبي، حينها فقط أدركت أنني لم أفقد فقط أمي .. وإنما فقدت أبي أيضاً. فبالرغم من كل تلك العواصف والأزمات التي مررت بها في حياتي والتي تركت بصمة قوية بقلبي وروحي وشخصيتي ، إلا أنني لم أشعر بقوة تلك العواصف وآلامها الحقيقية إلا بفقدان أمي ، بل أنني وجدت بصيص الأمل في كل أزمة مررت بها بأعينها ، كنت قوية بها. وباء لعين ، أذاقني مرارة العجز وقلة الحيلة ، وأنا أري أمي زهرة تذبل يوماً بعد يوم وأنا التي عُرف عني القوة والتحمل وأن من الصعب هدمي وكسري ، بل وأصبحت في يومٍ قدوة لغيري ومثالا يُضرب في القوة والتحدي. تعلمت معني انتظار الموت ومواجهته للمرة الأولي بحياتي وأنا أري نفسي أذبل يوما بعد يوم وحيدة .. وحيدة معزولة روحي فقط بين يدي الله بينما أمي في المستشفي ، تلك المستشفي حيث أوصلتها بنفسي ، لم أكن أعلم أنه سيكون اليوم الأخير لي معها ، وأتحمل واتماسك لأذهب يوميا لأسأل عن حالها ، هناك حيث لا تراها عيني بحكم الوباء ، لا أستطيع زيارتها فقط تقف كل تلك الجدران الإسمنتية وهؤلاء من أبطال الجيش الأبيض ليقفوا حائلا ووسيطا بيني وبينها ، لم يكن عقلي قادرا علي الاستيعاب ، كيف تركت قطعة من روحي وقلبي تصارع أخطر أمراض القرن وحيدة حيث لا تجد حولها سوي غرباء لا تعرفهم ولا يعرفوا طباعها وما تحب وتكره، ولن يكون أبدا بداخلهم هذا الحب الذي بداخلي لها ، لن يستطيعوا أن يفهموا صمتها كما أفعل ولا أن يدركوا احتياجاتها التي لا تستطيع أن تنطق بها كما أفعل ، كيف لهذا الوباء اللعين أن يتركها وحيدة بين الغرباء تصارعه ، كيف إستطاع هذا الفيروس الذي لا يُري بالعين المجردة أن يُسلبها وداع الأحبة قبل أن يقضي عليها، كيف استطاع ان ينتصر علي قوة الروابط بين الإبن وذويه ويفرق بينهم ويترك كلا منهم يتذوق مرارة الفراق ، كيف إستطاع أن يسجن ضحاياه منفردين في زنزانة لا يوجد فيها سوي أمثالهم ممن استطاع ان يقبض عليهم ، من أين له بهذا الجبروت المتناهي ، وكيف استطاع اخضاع العالم لدستوره المقيت؟! وأنا .. لماذا تركني، لماذا كان رحيما معي أم أنه أشد قسوة بي؟! ، لماذا حكم علي أن أعيش الموت أكثر من مرة، وأواجه موتي أكثر من مرة ثم تركني لينفذ في حكم الإعدام كل يوم وأنا علي قيد الحياة ، لماذا ترك جسدي وترك لي قلبا ينبض بالموت والحسرة ؟ ، كيف أستطاع أن يقضي علي قوتي لأقف أمام احكامه عاجزة مستسلمة لقوانينه المسمومة ، كيف استطاع أن يسلبني إصراري علي النهوض مجدداً والمثابرة ، كيف تفوق علي صبري بهذا الجبروت؟! كنت مثلكم ، لا اتخذ احتياطاتي منه بالقدر الكافي ، كنت أظن أنني بمنأي عنه ، وكيف لا أشعر بذلك وهو وليد تلك البقعة من الأرض التي تبعد عني بآلاف الكيلومترات !! كنت أظن أنني آمنة وكذلك أحبتي ، وأنه (شوية برد) لم أكن أعرف أن قوته ليس في حربه المادية علي أجسادنا ، وإنما جبروته في قدرته الخفية علي تمزيق أرواحنا وتعذيبها بكل ما لذ وطاب له من أساليب بلا حول منا ولا قوة كالسرطان بل أشد قسوة وجبروت. أكذوبة الموت تلك التي نراها بالإحصائيات الرسمية ، فلم تعدد تلك الاحصائيات أرواحنا التي مزقت آلاف المرات ونحن نصارع جبروت هذا المرض اللعين منفردين ، لم تسجل كم المرات التي نموت فيها يوميا حسرة علي أحبائنا ممن لا يمثلوا سوي رقم بتلك الإحصائية، لم تسجل تلك الإحصائيات الأسر التي مزقها الوباء ولا آلام اليتم وفقدان السند والأمان ، لم تسجل أوجاع أهالي المرضي وشهداء هذا المرض اللعين ، لم تسجل بين سطوره ما حدث مع هؤلاء ممن فقدوا حياتهم داخل جدران مستشفيات العزل وما مات معهم من حكايات وشكاوي ، لم تسجل تلك الإحصائيات مرارة العزل وصعوبته علي قلوب المرضي وذويهم ، لم تسجل التجارب المريرة لمريض كورونا في عنايات العزل وحجراته نفسيا وصحيا ، لم تسجل شكاوي تقصير او تجاوزات من مات ضميرهم من التمريض.

او دكاترة (فلم يخلقنا الله جميعا أتقياء) ... ذهبت أرواحهم ، حاملة معهم روايات وحكايات تركت خلفها قلوبا تنبض .. بالموت. إهداء لروح أمي وفاء عبد الرازق الصعيدي ، تركتيني ولكن لم أترك ذكراك