جريدة الديار
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:28 مـ 15 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

قريتي زهرة والمدنية ...بقلم: مصطفى علي مراد عمار

(قريتي زهرة والمدنية) أين أنتِ أيتها القرية وأين جمالك الطبيعي؟! أتذكرك في صباي زهرة بيضاء وغصونها خضراء يحوطها من كل جانب الخضرة والمياه العذبة الجارية. كانت هناك أرض واسعة الخضرة... في الصباح حركة ونشاط من جميع الكائنات، والبشر... الكل ذاهب إلى عمله في الحقل أو متوجهٌ إلى المدينة ماشيًا على الأقدام ومبتهجًا يعدو كي يلحق بالأوتوبيس أو بالقطار، وجوّ القرية المليء بأصوات العصافير واليمام، ومن عند النيل تعلو أصوات الغناء من جمال النهر ومراكب الصيد... كانت أشجار النخيل متشعبة على وجه الطرقات الزراعية وأمام المنازل، من تحتها براءة الطفولة وهى تجمع ما خلفه هواء المساء من رطب، وثمر السد ر المرتفعة أشجاره المتشعبة في كل الشوارع. أين اختفت؟ هل أزالتها المدنية الزائفة؟! إن هناك شجرة يتيمة من السد ر لا زالت باقية. ولكن هل ستبقى مكانها أم تلحق أخواتها لأنها لا تلائم البيئة الحديثة التي ترغب في شجر الزينة.. . قد تحرك الزحف البنائي على الأرض الخصبة، وأصبحت تحمل حجارة وحديدًا بعد ما كانت تحمل زهورًا وثمارًا وسنابل... وما الداعي؟ هل ادعاء المدنية؟ فهل يصل إلى هذا الحد؟ هل المدنية اقتلاع وخراب؟ فكل من يبني بيتًا هل لضيق المنزل عليه؟ بل العجيب أنّ كل من يبني لضيق مسكنه قلة قليلة، وإذا حدث وبنى فيكون على قدر حاجته. والباقون يبنون وعندهم مسكن واثنان بل وثلاثة، ويبني الرابع حجة منه للأبناء فيما بعد... فتظل الأرض بورًا ومغتصبة بالحجارة، ربما لأعوام كثيرة حتى يكبر الأبناء ويتخذونها مسكنًا. فهل لو بقيت الأرض بخضرتها حتى يأتي دور الأبناء، ولهم حق التصرف ربما حينها إذا شاهدوا الأرض بطبيعتها اعتزوا بها وتركوها خضراء وتوجهوا لاستصلاح الصحراء وتعميرها. وان كان لا بد من البناء فلكل محتاج ليس له دار... إنما صاحب الدار لماذا الدار الثانية؟ وإذا بنى هل يضيق الشوارع كما تشاهد العين؟ فاغتصبوا الأرض وضيقوا الطرقات وبخلوا في المساهمة بالتنظيم والمظهر العام. هل المدنية بخل وأنانية؟! الحدائق الكثيرة الكثيفة بنخيلها وكرومها وموالحها ابتلعتها البيوت، وحل محلها أشجار الزينة واختفت معالم القرية. حتى المقابر التي تجمع رفات الأموات.. كانت في الزمان القريب بعيدة عن القرية موحشة. كنا نخشى الاقتراب منها، وإن كان في الظهيرة فكانت لها رهبة توحي بالخوف من هذا المكان، مما يجعل الناس يستعدون ويعملون لهذا اليوم الذي يرقدون فيه على التراب بجوار السابقين... الآن وصل الزحف إليها حتى التحمت المباني بها ويبدو أنها ستحوطها... وربما استكثر الناس على أصحابها الأرض، وأخرجوهم منها ليقيموا عليها البناء. ألا تدرك هذه العقول معنى الانتهاك؟ انتهاك الطبيعة؟ انتهاك حقوق الأجيال القادمة؟ فعلى العكس من هذا هناك (بالعزبة المجاورة التي تحولت بفضل أبنائها الواعين إلى قرية ريفية متحضرة (أبو حنس) تتعجب النفس من رؤية العين ويحيي القلب سكانها على نهج عيشهم الريفي المتحضر... فمساحات البناء يبدو كأنها منذ القدم وإن زادت بشيء بسيط. فيقوم صاحب المنزل بالعمل بالزراعة، والمثابرة بتربية المواشي والطيور، ويدخر ثم يقوم بإزالة منزله القديم، ليبني به طوابق عالية لتكفي أبناءه فيما بعد. والشيء الغريب عن القرى المجاورة بهذه القرية هو (فرن) لصناعة الخبز... فمن النادر أن يشتروا منه ويعتمدوا في غذائهم على الخبز المخبوز بأيديهم مما تخرجه الأرض... ويصنعونه بأيديهم في منازلهم... والأغرب أنهم لا يمتلكون أراضٍ زراعية ولكنهم يستأجرون أراضي من القرى المجاورة... فهل الفكر المحرك لديهم أنهم لا يملكون من الأرض الكثير وزراعتهم أغلبها بالإيجار؟ أم لأن لديهم معرفة كافية بكنوز الأرض وما تحوي؟ أو لديهم بصيرة جعلتهم يدركون أنهم في مجتمع ريفي ولا بد من الاحتفاظ به؟ّ حفاظًا على الهوية وليس ادعاء للمدينة الزائفة. فالمدنية الحقيقة هي العلم لاستخدام أساليب المعيشة بطريقة صحيحة، والمحافظة على الموارد الطبيعية المؤدية لرفاهية العيش، بل العمل على تنميتها. مصطفىp>