جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 07:38 صـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

د. محمد لبيب يكتب .. الذات الحائرة بين الشهوات واللذات

د. محمد لبيب
د. محمد لبيب

"وهل النفس إلا إناء شهوة ، ماءه لذة معصية وسكره استغفار" لماذا خلق الله الحيوانات الضارة بجانب الحيوانات النافعة ، ولماذا خلق الحيوانات التي نهانا عن أكل لحومها بجانب التي نأكل لحومها ، ولماذا خلق الخمر بجانب الماء واللبن والمسك.

ولماذا علم الله عقل الإنسان طريق الشر والفسق والفجور بجانب طريق الخير. ولماذا أعطي القدرة لعقل الإنسان ليعرف يكذب وكيف يغتاب وكيف ينافق. ولماذا غرس الله في الإنسان أدوات الشهوات من حب الجنس والمال والجاه والسلطان والطعام.

لماذا لم يرد الله أن ينتزع كل هذه الخصال السيئة والشهوات المقلقه للنفس عند خلقه الأول للإنسان حتي ترتاح النفس وتنعم بالحياة.

ولماذا لم يبرمج الله الإنسان كما برمج الكائنات الأخري علي أعمال بعينها حتي لا تقع النفس كما هو الحال عند باقي المخلوقات في حيرة من أمرها بين الأمل في دخول الجنة والخوف من ورود النار ، ولماذا وضع الله الإنسان ليمر بكل هذه الإختبارات حتي يوم الدين. هل الله ظالم لعباده ، وهل خلق الله عباده ليعذبهم.

بالطبع لا ، فالله محب لعباده وأحن وأعدل عليهم من أنفسهم ولكنه خص الإنسان وميزه بالعقل وأعطاه القدرة علي الإدراك والتفكر والتدبر وأخذ القرار يمنة أو يسارا.

العقل الذي وصفه الله بالأمانة - التي لم نعرف حتي الآن بالرغم من كل ما آتيناه من علم ومعرفة - كيف يعمل وكيف يدرك ويتعامل تلقائيا مع آلاف الآشياء في وقت واحد. إنه الإعجاز العلمي بل الخيال العلمي الذي خصه الله للإنسان.

ومن منا يستطيع العيش بدون أدوات الشهوات بأشكالها المتعددة. بل يهرع الإنسان إلي الطبيب فورا إذا شعر بوجود عطب ما في شهوة ما علي أمل أن يستعيد صحته ورونقه وحبه للحياة.

وقد ينفق الناس ما يمتلكون من ثروات أمامهم وورائهم فقط لكي يستعيدوا أسباب شهوة واحدة وقد لا يستطيعون.

بل قد يتهم الآخرون الإنسان بالمرض النفسي أو العضوي إذا ما وجدوه لا يخطيء أو لا يزل أبدا ، أو يمشي بجانب الحائط أبدا ، بل قد يصل الأمر أيضا بنصيحته أن يزور طبيبه النفسي حتي يتعافي .

وماذا كانت تعني الحياة لو كان الإنسان مبرمج كما قي الكائنات لفعل الأشياء وليس له اختيار بين يمين وشمال .

ماذا لو كنا خلقنا بدون شهوات أو دون أن نقترف أي ذنب أو معصية. بالطبع لن يستطيع أي مخلوق آخر أن يجيب علي هذا السؤال سوي الإنسان نفسه ، فهو المخلوق الوحيد الذي يعلم الفارق بين تعطيل الشهوات وعملها.

أما المخلوقات الأخري وحتي الملاكئة والتي لا تدري عن الشهوات شيئا ، أو الحيوانات التي لا تدري عن الذنوب والمعاصي شيئا ولا تعرف إلا الشهوات ، أو الشياطين التي لا تعرف إلا المعصية والوسوسة للذات ، فهي لا تستطيع الإجابة السليمة طالم تعلم جانبا دون الآخر .

فمن هي تلك الخلائق الأخري غير الإنسان التي تستطيع أن تخبرنا عن حلاوة الحياة وقيمتها بدون شهوات أو معاصي أو ذنوب أو دون إختبار كل لحظة واحدة في الحياة.

ولو خير الله الإنسان في طبيعة خلقه ، فهل يختار أن يكون في صورة إنسان مبرمجا خاليا من قدرة الإختيار أو الإبتلاء والإمتحان أم يختار مادة خلقه التي أرادها الله في صورة النفس التي نعرفها الآن.

بالطبع لن يختار أي منا أن يُخلق بدون شهوات فهي أساس اللذات للذات. وقد يختار الإنسان أن يكون بشهوات ولكن بدون عصيان أو ذنوب أو ذلات ولكن بالطبع هيهات هيهات فالذنوب ضريبة الشهوات واللذات.

ولذلك خلقنا الله كما نحن ننعم بالحياة ونخطأ ونتوب ونسير في الأرض تحت رحمته بين الأرض والسماوات.