جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 03:51 صـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

د . عمر محمد الشريف يكتب : محب باشا

د . عمر محمد الشريف
د . عمر محمد الشريف

محمد محب باشا، من رجال العهد الملكي، تولى منصب محافظ القنال في الفترة من ١٩٠٧م وحتى ١٩٠٩م، ثم انتقل ليصبح محافظاً للغربية وترك بصمات خالدة بها، ثم أصبح وزيراً للزراعة، ثم وزيراً للمالية، وعضو مجلس الشيوخ .

في عهده تم إنشاء دار الكتب بطنطا عام 1913م، وكان مقرها بيت القنصل بشارع الإمام الشافعي، ثم نقلت إلى الدور الأرضي بمبنى مجلس مدينة طنطا وعرفت بمكتبة بلدية طنطا. تم نقلها إلى موقعها الحالي بشارع البحر عام ١٩٦٠م تحت اسم دار الكتب للثقافة والاجتماعات، وتم افتتاحها من جديد بعد عملية التطوير والتجديد لتصل إلى شكلها الحالي عام ١٩٩٩م.

وفي عهده كان شارع سعيد عبارة عن ترعة فأمر بردمها وحولها إلى شارع وأطلق على الشارع اسم محمد سعيد باشا رئيس وزراء مصر حين ذاك.

جمعته علاقة طيبة بالأديب مصطفى صادق الرافعي، وفي عام ١٩١٢م استقبل الباشا الأديب الرافعي ومعه الشاعر حافظ إبراهيم في بيته بطنطا لتناول العشاء وذلك خلال زيارة حافظ لطنطا، ووصفه الرافعي بأنه "داهية ذكياً وظريفاً لبقاً".

تقدم محب باشا بطلب للخديوي عباس حلمي عام 1910م من أجل إنشاء مدرسة النسيج المصري بالمحلة الكبرى، واستغرق بناء المدرسة 4 سنوات حيث افتتحت في عام 1914م بحضور الخديوي عباس. في 24 نوفمبر عام 1910م، تجمع طلبة المدرسة الإبتدائية والتحضيرية والثانوية ومدرسة الأقباط بطنطا، في محطة القطار للاشتراك في استقبال الخديوي عباس حلمي العائد من الأسكندرية إلى القاهرة مستقلاً القطار، فما أن وقف قطار الخديوي حتى صاح الطلبة جميعاً: ليحيا الخديوي ليحيا الدستور لتحيا مصر. كان الهتاف للدستور في ذلك العهد يعد عملاً عدائياً، فظهر الاستياء على وجه الخديوي، فانزعج محب باشا مدير الغربية، فأمر بإخراج طلبة المدارس من المحطة وقبض على كثير منهم، بحجة انهم محرضون على مظاهرة، وكانت أول قضية حوكم فيها طلبة من أجل الهتاف للدستور. نظرت القضية التي عرفت بقضية طنطا أمام محكمة جنح طنطا، برئاسة محمود بك علي سرور، وتولى الدفاع عن الطلبة عدد من المحامين هم: أحمد بك لطفي، إسماعيل بك شيمي، والشيخ حسن عبدالقادر، والأساتذة: أحمد وجدي، علي كمال حبيشة، وعبدالفتاح رجائي، وقضت المحكمة بتاريخ 11 يناير 1911م بتغريم ستة من الطلبة غرامات يسيرة وبراءة الباقين. تولى محمد محب بك وزارة الزراعة عام 1913م، وعندما افتتحت مصر أول محطة لتوليد الطاقة الشمسية في العالم عام ١٩١٣، بطاقة إنتاجية تصل إلى ستة آلاف جالون من المياة في الدقيقة الواحدة، قرر محب باشا خوض المغامرة واستخدام المحطة لري حقول القطن، فكانت بورصة مينا البصل في الأسكندرية هي الأولى عالمياً في إنتاج القطن. كما تولى محب باشا وزارة المالية عام ١٩٢٣م، وفي الانتخابات البرلمانية عام ١٩٢٤م طُلب من مدير الورش الحكومية أمين بك بهجت صناعة ٣ آلاف صندوق انتخابي خشبي في ١٠ أيام نصفها عطلات رسمية وبمبلغ ٣٠ ألف جنيه.

فكان رد أيمن بك صعوبة تنفيذ المهمة، فقام مستر جرينود "مراقب المشتريات الإنجليزي في وزارة المالية" بالاتصال بكبار التجار والصناع ومنهم إبراهيم لمعي بك أحد كبار تجار القاهرة في جيل العشرينيات، وطالبهم بتسليم هذا العدد من الصناديق في الموعد المحدد.

طلب إبراهيم لمعي ضمانات لهذا الاتفاق فأعطى لهم مراقب المشتريات الإنجليزي وعداً بأن وزارة المالية ستلتزم بدفع المبلغ وفي حال حدوث أي تقصير فهو مكلف بدفع الـ ٣٠ ألف جنيه بدلاً عنها. علم رجل الأعمال الأشهر وقتها أحمد عبود باشا تفاصيل اتفاق مستر جرينود مع إبراهيم لمعي وشركاه، فاتجه إلى وزارة المالية والتقى محمد محب باشا وقال له: هؤلاء الناس الذين اقتسموا معي عطاء الصناديق لا يملكون في الواقع ورش نجارة، وورشتي في بولاق هي التي تقوم بالصناعة وبالتالي فإن الإنصاف هو أن آخذ العطاء كله. اقتنع محب باشا برأي إبراهيم عبود، وبلغ مستر جرينود، وطلب منه إلغاء الاتفاق، فاستنكر جرينود هذا الطلب قائلاً: أنا مراقب مشتريات الحكومة وهذا من اختصاصي وليس اختصاصك. فعقد محب باشا صفقة مع أحمد عبود باشا قال له فيها: إن مدير المشتريات رفض إلغاء العطاء، وأنت تقوم بصناعة صناديق الانتخابات كلها، في الموعد المحدد امتنع عن تسليمها وعندئذ تضطر الحكومة إلى مفاوضتك ولك أن تشترط ما تشاء.

بعد أيام علم إبراهيم لمعي بالصفقة التي تمت، واتجه إلى مستر جرينود ليخبره بها، فتواصل الأخير مع اللورد اللنبي المعتمد البريطاني والذي قرر أن يقوم رجال البوليس بأخذ صناديق الانتخابات بالقوة من أحمد عبود في حال تنفيذه لكلام محمد محب باشا. وأبلغ اللورد اللنبي رئيس الوزراء إبراهيم يحيى باشا بالتطورات، فقام باستبعاد محمد محب باشا من منصبه كوزير للمالية.

لم يكن خروج محب باشا من الوزارة الصدمة الوحيدة له، ففي عام ١٩٢٨م وتحديداً في مدينة فيينا عاصمة النمسا حيث كانت وجيهة هانم بنت محب باشا تقضي إجازة الصيف، تعرضت لإطلاق نار أثناء تواجدها في إحدى الحفلات الموسيقية على يد ضابط نمساوي سابق يدعى البارون فيلز جانتر، وعُرف فيما بعد أن الدافع وراء القتل هو ان الضابط النمساوي كان يريد الزواج منها فعلم برغبتها في العودة إلى مصر والزواج من شخص آخر. أطلق اسم محب باشا على أحد شوارع مدينة طنطا، وشارع آخر بمدينة المحلة الكبرى.