جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 09:43 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مدحت عبد الجواد يكتب: فراولة سوداء الطعم

مدحت عبد الجواد
مدحت عبد الجواد

ترتكز السرديات مهما اختلفت أنواعها على ثلاثة أركان (الراوي والمروي والمروي له)، وقد تركز البحث حول المروري له في الآونة الأخيرة، ودار حول إشباع رغباته وإرضاء شهواته مما دفع بالراوي أن ينحدر ويتدلى من عرش الأمجاد التليدة؛ ليقدم مرويات لاترقى إلى منزلة ما صنعه الأجداد، ولايكاد يقترب من عروشهم أو يدانيهم، وبمرور الوقت بات يقدم المهزول الضعيف من الروي، ويسعد بالمدح والإطراء من حفنة تصدروا ساحات الإعلام بغير حق مستحق، وتشدقوا بعبارات الزيف التي طمست أعين الرواة، وحجبت الرؤية عن العامة، وصدرت أعمالا تشبه فرث الجزوري، وغط الصادقون في نوم وسبات عميق أضعف قدراتهم النقدية التي تعطلت عن الابتكار لسنوات؛ خشية الظهور فلم نعد نطالع استكشافا عميقا للنقاد إلا لمما ونتفا، وبات الناقد متفرجا ومصفقا وافتقر إلى الانفتاح على العلوم الإنسانية، والتفاعل معها مع شدة الحاجة إليها؛ لتغذية السردية في إضاءة مرجعيات النصوص، وهذا يحفز القدرة على التأويل للدلالات وربطها بسباق المعرفة المتدفق بالجديد في كل لحظة، وقد أساء الكثير من النقاد حينما تجاهلوا الانطباعات الشخصية، وهاجموا كل ابتكار، وتحولوا إلى قوالب سردية ذات تصانيف محددة، وفق مناهج ثابتة فحرموا النقد والأدب سبحات الخيال الناقد، ووقعت الكثير من السرديات في كهوف الغموض أو حلت كأصنام جاهزة في ساحات العبادة نتيجة للتطبيق المقلد للعبارات المقولبة والمفاهيم المعدة،

وبات العصر الذي نحياه في أغلبه نتاجا فاسدا يصدره الكثير دون وعي بفساد الرسالة، ونتاجها علينا وعلى أدبنا وأوطاننا وأبنائنا في مستقبل نرجو فيه الإصلاح من حيث يفسدون.

إننا جيل مازال يحصد نتاج جيل بين جيلين، جيل تشكل على سرديات جسدها الإعلام في أعمال قدمت لنا كل صور العهر، ولوثت صور الفضيلة، وجيل غيب الوعى واستهان بالقيم وتصدر مشهد الفساد.

وعندما نقف الآن عند مفترق الطرق؛ لنندب حظنا العاثر، ونتباكى على ما صار إليه أبناؤنا من سلوكات.

لم نرتدع وتركنا أقدامنا تنزلق تارة أخرى، ولم نستوعب الدرس الذي تلقيناه صفعة حطمت كبرياء وعزة كنا نتغنى بها عن مجد الأوطان.

نتسابق من جديد في تقديم نفس النماذج التي جعلت ضعاف النفوس والإرادة لايرون ضيرا في الفساد، وينظرون إلى صاحب الخلق كأنه يجسد البلاهة والعته.

طالعتم قصص الحب، وشاهدتم أفلاما ومسرحيات تغيب العلم، وتزدري العلماء، وتحقر العقل، وإعلاما يتصدره في الأغلب من يضلل العقول، ويبث في كل لحظة بين وجدان الشعوب سمومه، أو يشغل أبناء الوطن بما لاينفعهم فيفسد عليهم أوقاتهم، ويهدر طاقتهم، ويصرف هممهم إلى توافه الأمور.

وإنني أتعجب من تشتت المفكرين، وتنازلهم عن دورهم في بناء العقول، وتنازل العلماء عن عروشهم، وانخداعهم بما شغلهم عن شرف قضيتهم، إذا تأخر إمام المسجد عن الصلاة فلن تلغى الصلاة، ولكن سيتصدر من لايحسن الصلاة، فهل يتأخر ويتكاسل ثم يجلس معاتبا ومتلاوما؟!

فإذا بعدت النصوص السردية عن الإطار الأخلاقي، والخلفيات العربية وبدلت المصداقية، وباتت تبث السموم والأفكار المستعارة فالأحرى بنا أن نتصدى لها، ونهدمها ونلقي بها بين النفايات.

باتت النصوص تخدم أصحاب المصالح، وترسخ فكر الجهال، وتفسد الوعى والذوق، وإننا الخاسر الوحيد، وأهم خسائرنا ( هم أبناؤنا في الجيل القادم).