جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 01:34 صـ 15 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محمد خليفة يكتب : ”محمد صديق المنشاوى” الصوت البكّآء وآمين القرآن ..يتألم فى قبرهِ بسبب ”البكينى”!

هو أحد أٌمراء القلوب فى زمن غابت فيه الإمارة ، طيّب الله ثرآه و هو حامل كتاب الله فى قلبه، ومن جيل المبدعين القرآء وهو جبلاً من الخشوع الذى أنبت زروعاُ أخرجت سنابل الخير وهو الصوت البكّاء.. إنّهٌ فضيلة الشيخ محمد صديق المنشاوى "أمين القرآن" كما لقبّهٌ الناس ، وهو عنوان كبير في صفحات المبدعين، يحمل تحت اسمه الكثير من الأسرار الخفيّة التي حيّرت العاشقين والمريدين . مرت على وفاته خمسين عاما إلاّ أنّهٌ مازال رغم رحيلهٌ يكشف لنا عن سر جديد من أسرار حياته التى أنقضت... الشيخ محمد صديق المنشاوى أحد مدارس القرآن الكريم فى العالم العربى، تفرّد وحده بإدارتها بل وتدريسها، فالتفتت إليه القلوب واصبح له سيطاً فى العالم الإسلامى، وإلى هؤلاء أهدى لهم قصة هذا القارئ تحت عنوان" آمين القرآن يتألم فى قبرهِ " فهو الأثر الممتد والتاريخ النابض، فتعالوا بنا نعيش معهٌ ونتحدث إليهِ، ولكن بأسلوب الحسرة على ما يحدث فى حقهِ بعد أن قرأت مقال الزميل والصديق الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ محمد درويش مدير تحرير الأخبار،الذى نشر مقالاً تحت عنوان " المنشاوى وإعلان البكيني" حين إرتكبت إحدى القنوات التجارية جريمة بشعة فى حق " آمين القرآن" الشيخ محمد صديق المنشاوى بعد أن دأبت القناة التى تبث سمومها عبر " اليوتيوب" بإعلان عن " المايوهات البكينى" بعد قطع تلاوة المنشاوى المسجلة، والسؤال: أين أجهزة الرقابة على المصنفات الفنية مما يدور؟! لعلها نائمة كما نام قبلها الوزراء فى حكومة مدبولى!
نعود لسيرة شيخنا الجليل رحمه الله وهو أحد فرسان القرآن فى عائلة المنشاوى، تلك العائلة التى يعود تاريخ مجدها الى الشيخ مثبت المنشاوى الذي ذاع صيته في جنوب مصر، فقد كان من أشهر القرّاء فى الصعيد، أنعم الله عليه بصوت عذب وجميل وقراءة خاشعه فى هذا الوقت وعائلة الشيخ مثبت تتوارث حفظ القرآن وتجويده وترتيله جيلاً بعد جيل وذلك منذ قرنين من الزمان ثم تبعه أولاده يسيرون على نهجه وتعاهد الشيخ مثبت تحفيظ ابنه "سيد" القرآن الكريم، وعلّمهٌ أحكام التجويد والترتيل؛ حتى تبوّأ مكانة والده في الشهرة. أما الشيخ صدّيق والد شيخنا محمد صاحب مقالنا، فقد بدأ حفظ القرآن على يد والده ، فأتم حفظه وهو فى التاسعة من عمره، ثم انتقل الشيخ صدّيق إلى القاهرة، وتلقّى علم القراءات على يد الشيخ المسعودى وكان أحد مشاهير المعلمين للقراءات فى مصر في ذلك الوقت، وقد خلع عليه الناس في زمانه لقب "امين القرآن " ورئيس جمهورية التلاوة ، فهو بحق أمين عليه إنّه لم يبخل أن يقدم ثمانية عشرة فردا من أسرته لقراءة القرآن الكريم كان على رأسهم الشيخ محمد صديق المنشاوى الذى كان صيته قد ذاع في أنحاء مصر والوجه القبلي مٌعلّماً وقارئاُ للقرآن ولكنّهٌ رغم هذه الشهره كان لايقرأ إلاّ داخل بلدته رافضا القراءه خارج دائرة وطنه الصغير في محافظته ، وتدور الأيام ليذهب للقراءة في "مأتم" الشيخ محمد رفعت تقديراً منه لهذا المٌقرء الجليل رحمه الله ولما طٌلب منه أمين الأذاعة المصرية في ذلك الوقت تسجيل اي أشرطه بصوته للإذاعة رفض! ومن المواقف المشهوره لهذا الرجل العظيم أنه كان يقرأ في احدى السهرات وقد أحضر صاحب السهرة مبلغا من المال وقدره جنيه ذهب وكان مبلغ كبير في ذلك الوقت لكنه أخطأ ووضع يده في جيبه الأخر وبه بعض الملاليم فأخذ الشيخ المبلغ دون النظر إليه ولمّا اكتشف صاحب المال الخطأ الفادح الذي وقع فيه ذهب مسرعاً الى بيت الشيخ "محمد " وأخبره بما حدث وتأسف له وأراد ان يعطي للشيخ الجنيه الذهب فرفض الشيخ رفضا شديدا وقال في تواضع "قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا " وللمنشاوى أيضاً موقف أخر ، هذا الموقف كان مع الملك فاروق فقد رفض أن يكون قارئاً بالقصر الملكي عندما طلب منه الملك فاروق ذلك حيث أشترط على الملك أن تمتنع المقاهى عن تقديم المشروبات ولعب الطاوله اعتبارا من الثامنه مساء وقت اذاعة القرأن الكريم والذي كانت تنقله الإذاعة المصرية من القصر الملكي قائلا للملك : :أنّ للقرأن جلاله فهو كلام الله ولا يجب أن ينشغل الناس عنه وقت التلاوه بالسؤال عن المشروبات والحديث وللهو ولعب الطاولة " فقال الملك: ذلك يعنى ان نعيّن حارسا على كل مقهى وهذا أمريتعذر علينا فقال الشيخ محمد للملك: كذلك فهذا أمر يتعذر علينا أيضا فما كان من الملك إلاّ أنْ أجلّه ولم يجبره على القراءه بالقصر الملكي.
حرص الشيخ صدّيق المنشاوي "الوالد: على أن يحفظ أبناءه الأربعة القرآن الكريم وهم محمد ومحمود وأحمد وحامد، الأول والثاني أصبحا من مشاهير قراء القرآن في العالم الإسلامي، والثالث توفي صغيراً بعد أن أتم حفظ القرآن، والرابع كان يعمل معلماً بالأزهر وكانت هذه الأسره التي ولد وتربى فيها شيخنا محمد صديق المنشاوي رحمه الله، ممن ينطبق عليهم قول الله تعالى:
إنّ الذين يتلون كتاب الله وأقامو الصلاة وأنفقو مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور" فكانت عائلة المنشاوى لها الفضل بعد الله عزوجل في تعليم وتحفيظ القرأن للمريدين، وكانو يستحقون لقب فرسان القرآن فقد حملوه وطاروا به لأبلاغه للعالم كله فكانو نعم المبّلغ عن الله ورسوله ..
ونعيش الأن مع فارس من هؤلاء الفرسان وهبهٌ الله صوتا خاشعا وطريقة أداء فريدة من نوعها، تسيل لها الدموع تأثراً بصوته الخاشع التقي الورع والزاهد عن زخارف الحياه ..فقد ولد الشيخ محمد صديق المنشاوى

بمحافظة سوهاج في 20 يناير 1920م وأنتقل إلى رحمة الله وهو فى عمر مبكر فى 20 يونيو عام 1969م وكان ميلاده بقرية "المنشأة" التابعة لمحافظة سوهاج احدى محافظات الوجه القبلى المصرية. وهذه القرية كانت تسمى في العصر الفرعوني "منشات" وتجاورها قرية أخميم، وفي الأصل "تخميم"، وهما اسمان فرعونيان معناهما "ولد العم "ثم تم تحريف الأسم إلى "المنشأة" أو أخميم حيث نشأ وعاش طفولته بها وقد أهتم الشيخ صديق رحمه الله بتحفيظ ابنه محمد القرآن بنفسه في بادئ الأمروبعد ذلك ارسله الى قرآء القرية وكان عمره فى ذلك الوقت أربع سنوات ورأى شيخه أبو مسّلم خيرا كثيرفى سرعة حفظه وحلاوة صوته فهو الصوت الخاشع والقلب الضارع فكان يشجّعه ويهتم به فحفظ شيخنا القرآن حفظا جيداً عند الثامنة من عمره على يد الشيخ محمد النمكى ثم أصطحبه والده الشيخ صديق وعمه الشيخ أحمد السيد الى القاهره ليتعلم علم القراءات وعلوم القرأن وعند بلوغه الثانية عشرة من عمره درس علم القراءات على يد الشيخ محمد مسعود الذي أعجب بصوته فأخذ يقدمه للناس في السهرات والليالى وظل الصغير "محمدصديق المنشاوى" على ذلك الحال حتى بلغ الخامسة عشرة من عمره فانفصل عن شيخه و درس أحكام القرأن الكريم على يد الشيخ محمد أبو العلا والشيخ سعودى محمد وكان رحمه الله في صوته عذوبه جعلته يقف بجانب مصاف كبار القراء فى ذلك العصر فقد ذاع صيته بمحافظات الوجه القبلى بصفة عامه ومحافظة سوهاج بوجه خاص . فزادت ثقته بنفسه وكان له عظيم الأثر بعد ذلك في رحلته مع القراءه ..

زواجه من أسره قرأنيه وتربية اسلامية
تزوج الشيخ محمد صديق المنشاوي عام 1938م من ابنة عمه وكان ذلك هو زواجه الأول وأنجب منها أربعة أولاد ولدين وبنتين ثم تزوج الثانيه وكان عمره قد تجاوز الأربعين وكانت من مركز أخميم بسوهاج وأنجب منها تسعة أبناء خمس من الذكور وأربع من الأناث وكانت زوجتاه تعيشان في مسكن واحد يجمعهما الحب والموده وقد توفيت زوجته الثانيه أثناء تأديتها لفريضة الحج وذلك قبل وفاته بعام واحد
اما عن أسماء اولا ده الذكور فهم: "محمد سعودى" ويعمل في التجارة، و"محمد الشافعي" ويعمل مهندساً معماريّاً و"محمد نور" ضابط بالجيش المصرى، والدكتور "عمر ويعمل مدرساً في كلية العلوم بجامعة الأزهر، و"صلاح" ويعمل محاسباً في إحدى الشركات الخاصة، و"طارق" ويعمل مهندساً ، ولست أدرى عن حياتهم الحالية شئ ومن منهم على قيد الحياة ومن منهم من فارقها؟
وكان كل أولاده يحفظون القرآن الكريم ولم يتمتع أحد من أولاده بحلاوة صوته الا ولديه صلاح وعمر فصوتهما من الأصوات العذبِه الجميلة، وقد شهد لهما خبراء علم الأصوات المتخصصين في علوم القرآن .
اما عن تربية الشيخ محمد صديق المنشاوى لأولاده فكثيرا ما كان يصطحبهم الى المساجد خاصة يوم الجمعه وكان حريصاً على أن يؤدى أولاده الفرائض، وكثيراً ما اصطحبهم للمساجد التي يقرأ فيها القرآن، ، كما كان يراقب كل الأبناء وهم يختارون الأصدقاء، ويصر على أن يكونوا من الأخيار خٌلقاً وديناً، وكان المنشاوى يشارك الأبناء في أستذكار دروسهم، ويساعدهم في أداء الواجبات المدرسية، بجانب حرصهِ على حضور مجالس الآباء فى المدارس التي يلتحقون بها ، وخلال الإجازة الصيفية كان يشاركهم في الألعاب الرياضية مثل السباحة والرماية في النهار، وفي الليل يقرأ لهم الكتب الدينية التي تناسب أعمارهم، حتى يعوّدهم على القراءة بعدها يزوّدهم بالكتب ويشجّعهم على قراءة الكثير منها، وقبل هذا وذاك يأتى دورهم فى حفظ القرآن الكريم ..
وإلى لقاء قادم لإستكمال حكايات آمين القرآن الكريم وأيقونة الإذاعة المصرية الشيخ محمد صديق المنشاوى رحمه الله
[email protected]