جريدة الديار
الخميس 28 مارس 2024 09:02 مـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

بدوي الدقادوسي يكتب :مصر فوق الجميع

بدوي الدقادوسي
بدوي الدقادوسي

هل إذا انتقد أحد ثورة يوليو يتهم بحب الملكية ؟
قامت ثورة يوليو لمعالجة أخطاء الملكية فهل عالجتها؟
وهل صارت مصر للأفضل اقتصاديا وصحيا واجتماعيا ؟ وقامت ثورة يناير لمعالجة خطايا مبارك التي وصلت لذروتها في العقد الأخير من حكمه بعد زواج المال بالسلطة ؟ فهل عالجتها وحققت شعارها (عيش حرية عدالةاجتماعية )؟
شائك جدا الحديث عن خطايا الضباط الأحرار حين جعلوا من أحلام البسطاء مطية للوصول لشعبية جارفة .
لماذا ألغى جمال الأحزاب ؟ وإن كانت جريمتها كما ادعى وكما علمومنا بالمدارس أن الأحزاب أفسدت الحياة السياسية فهل الحل هو إلغائها أم إصلاحها ؟
نحن لا نحتاج في مناقشة قضايانا إلا لأحرار تجردوا من أهوائهم ومصالحهم وأعلوا من قيمة والوطن ورفعوا شعار ( مصر فوق الجميع ) .
لو بنى الضباط الأحرار على بناء من سبقوهم ورمموا مصر لكانت مصر اليوم في وضع آخر ولكنهم هدموها ليبدأوا من جديد وللأسف لم يتقدموا بها بل عادت للوراء كثيرا .
فهل بدأ الهدم بحريق القاهرة ؟
لقد قرأت كتبا عديدة أرخت لتلك الحقبة ولكن للأسف لم يستطع كاتب أن يشير بأصابع الاتهام لأحد وقيدت القضية ضد مجهول.
حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 يمثل المشهد الافتتاحى فى مسرحية حمراء تتابعت فصولها حتى اشتعلت الحرائق فى كل مكان ، اذ أنه بعد ستة أشهر من اندلاع الحريق .. سقطت الدولة المصرية بكاملها فى 26 يوليو 1952 ... ودخلت مصر الناهضة كهف عميق أو سرداب طويل ..

ومكثت فى الكهف سنين وسنين . حيث تم تجريدها من كافة منجزاتها الحضارية ، سياسية واقتصادية واجتماعية وفنية .. تلك المنجزات التى حققتها فى كل المجالات بعد ثورة الشعب عام 1919 ... وكما فى أى جريمة ، لابد وأن نبحث دون خوف أو تردد عن المستفيد من وقوع تلك الجريمة .. لقد كانت مصر أكبر الخاسرين .. فمن هم الرابحون؟

وحيث أن أجيال مصر قد أسقطت من ذاكرتهم وقائع الأحداث أو زيفت الأمور بحيث يمرون عليها مرور الكرام فلا تعنى لهم تلك الوقائع الكثير.

ماذا حدث ؟
فى 8 أكتوبر عام 1951 ، أعلن مصطفى النحاس باشا رئيس وزراء مصر وزعيم الأمة الغاء اتفاقية عام 1936 مع بريطانيا من جانب واحد ، وكذلك اتفاقيتى السودان اللتين أبرمتا عام 1899 وقد جاء ذلك ردا على مماطلة بريطانيا ازاء المطالب المصرية المشروعة ، والتى كانت تتلخص فى الجلاء .. جلاء القوات البريطانية عن وادى النيل، ووحدة مصر والسودان تحت التاج المصرى .. كانت حكومة الوفد المنتخبه ديمقراطيا تتمتع بتأييد كاسح حين يكون الأمر متعلقا بالمسألة الوطنية المصرية .. وكان أخطر ما فى قرارات الحكومة المصرية قراران ... القرار الأول يتعلق بسحب العمال والفنيين المصريين الذين يعملون فى المعسكرات والقواعد البريطانية فى منطقة قناة السويس .. والقرار الثانى يتعلق باطلاق الكفاح المسلح ضد القوات البريطانية حيث تشكلت كتائب من الفدائين المصريين من طلاب الجامعات وغيرهم .. لم يطلق مصطفى النحاس باشا الجيش .. لكنه أطلق الشعب ..

فى 15 /10 /1951 أقر البرلمان المصرى القوانين الخاصة بالغاء المعاهدة وبدأت طلائع العمال المصريين فى الانسحاب من المعسكرات البريطانية .. كانت الاستجابة لزعيم الأمة المصرية كاملة .. فقد كان يعمل بتلك المعسكرات 073 ,81 فنى وعامل . وقامت مصلحة العمل التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية بتسجيل أسماءهم وتشغيلهم ، وبلغ من تم تعيينهم بالوزارات المصرية المختلفة اجمالى 030 ,81 فنى وعامل .. طبقا لتقرير وزارة الشئون الاجتماعية فى 4 فبراير 1952 ...وروعى فى تعينهم صرف أجورهم منذ تركهم المعسكرات البريطانية وحتى استلامهم أعمالهم الجديدة ..
بل وقامت الحكومة بنقلهم مجانا بالسكك الحديدية ومنحهم سلف نقدية حتى يتسلموا أجورهم من وظائفهم الجديدة ... هذه الحقائق تثبت أن الدولة المصرية كانت مستعدة لتأمين هؤلاء العمال وعائلاتهم وتكشف عن الوجه الانسانى للحكومة المصرية القائمة فى مصر آنذاك ... وكان أن أصيبت القواعد البريطانية بالشلل التام ومنعت الحكومة المصرية تزويد القوات البريطانية بالمواد الغذائية مما تسبب فى ارباك تلك القوات ...

من ناحية أخرى . اشتدت حركة الفدائيين المصريين فى منطقة قناة السويس ، وفى تقارير مراسل الاذاعة البريطانية السيد باتريك سميث الى اذاعة B . B . C مايدل على مدى شدة الكفاح المسلح المصرى حيث أورد بتاريخ أول يناير 1952 ما يلى :
" بعد مطلع اليوم الأول من السنة الجديدة بدقائق ، أطلق الارهابيون النار على مراكز الحراس البريطانيين وعلى حاملة بنادق مدرعة أثناء قيامها بدوريتها بالاسماعلية مستخدمين فى ذلك بنادق وأسلحة أوتوماتيكية واستمر اطلاق النار لمدة ثلاث ساعات دون توقف "
وبتاريخ 12 يناير 1952 : أعلن البلاغ البريطانى الليلة أن النشاط الارهابى فى منطقة القنال قد ازداد لدرجة كبيرة هذا الصباح وذلك عندما وقعت ثلاث قوافل بريطانية فى كمين فى نقط ثلاث مختلفة على طول الطريق بين التل الكبير والاسماعيلية وتنضوى تحت هذا البلاغ الرسمى لحوادث اليوم قصة أعنف هجوم قام به الارهابيون ضد القوافل البريطانية حتى الآن ... هذه نماذج اشتعال ثورة الغضب ضد بريطانيا، وكيف استجاب الشعب المصرى لملحمة الجهاد ضد القوات البريطانية وكيف كان الشعب يافعا وقويا ومستنفرا لبذل الدماء فى سبيل القضية الوطنية المصرية ... ..

أصبحت بريطانيا فى موقف صعب ولاحظ الليتنانت "جنرال أرسكين" أن الحالة البريطانية تنزلق الى حافة خطره ... ورجا المصريين فترة هدوء بين الجانبين، ورد المصريون بعد بضع ساعات على اقتراح الجنرال أرسكين بأن أوقعوا دورية من البوليس الحربى البريطانى فى الاسماعيلية فى كمين وتسببوا فى قتل ضابط وجرح ثلاثة جنود ... وقد استمر خلال الاسبوع القاء القنابل واطلاق الرصاص من القناصة على القطارات الحربية والدوريات والمنشآت مما أضطره الى اعلان حظر التجول بمنطقة الاسماعيلية من غروب الشمس الى شروقها ... ثم ماذا حدث ... ؟ .. فى 4 يناير 1952

أقدم بلطجى يعمل بالمعسكرات البريطانية على احراق كنيسة السويس وبالتحقيق تبين أن هذا البلطجى من أصحاب السوابق الاجرامية .. وكان وراء هذه الجريمة احداث فتنة طائفية داخل المجتمع المصرى ومحاولة يائسة من جانب بريطانيا لاحداث شرخ داخل الحركة الوطنية المصرية وطالب بعض الاقباط المصريين صاحب المعالى ابراهيم باشا فرج وزير الشئون القروية والبلديات الاستقالة من حكومة الوفد .. لكنه أمكن وأد الفتنة وكتب الاستاذ تادرس شنوده فى جريدة النيل بتاريخ 14 ينلير 1952 . مقالا قال فيه :
" فاننا نرى أن الاصبع الانجليزى قد بدأ يلعب فعلا ولسنا ندرى ان كان بعد هذه الحالة أو من قبلها فالله وحد أعلم "
ثم يقول :
" نعم ان الانجليز يهمهم جدا أن يروا عنصرى الأمة وقد افترقا فيسهل تمزيق الجميع وبذلك يطمئنون على أنهم باقون بدعوى حماية الأقليات .. ولكن أين الأقليات .. ولماذا يسمون الأقباط بأقليات .. ان الاقباط والمسلمين فى وادى النيل مصريون أخوه فى وطن واحد "
. لم يستقل ابراهيم فرج من الوزارة الوفدية المصرية وفشلت الفتنة .. وفشلت بريطانيا .. هذا الحادث له دلالة عميقة على ما يأتى من أحداث ... اللجوء الى الارهاب لتحقيق أهداف سياسية .. ولو كان ثمن ذلك احراق كنيسة قبطية .. ثم ماذا حدث .. ؟ يروى الاستاذ أحمد عطية الله فى " حوليات العالم المعاصر ..

أحداث وخفايا وأسرار عام 1952 ما يلى :

فى 25 يناير عام 1952 . تحركت عند الفجر قوات بريطانية ضخمة من معسكراتها فى منطقة القناه واتجهت عند الفجر قوات بريطانية ضخمة من جنود المظلات تؤيدهم دبابات سنتوريون الثقيلة والمصفحات والجراررات ، وبعد الفجر.. احكمت حصار سكنات بلوك النظام ودار المحافظة واحتلت سطوح المنازل المرتفعة المطلة على الطرق الرئيسية ، وفى الساعة السادسة صباحا أرسل الجنرال أرسكين انذارا الى وكيل المحافظة ( على حلمى ) وقائد البوليس ( لواء أحمد رائف ) طالبا أن تسلم قوات النظام ( البالغ عددهم 800) أسلحتها على أن ترحل من المدينة فى قطار أعدته القوات البريطانية لهذا الغرض ، ورفض المسؤلون المصريون هذا الانذار بناء على تعليمات وزير الداخلية ( محمد فؤاد سراج الدين باشا ) وهى تقضى بمقابلة القوة بالقوة ، وتكرر الانذار باستخدام الميكروفونات

وعلى ذلك نشبت معركة دامية بدأت باطلاق احدى الدبابات قذائفها من عيار 22 رطلا وقاوم جنود النظام حتى نفذت ذخيرتهم بعد 6 ساعات ، فأعلنوا الاستسلام وقد أستشهد منهم فى المعركة 64 ضابطا وجنديا ( وفى الرواية الانجليزية 36 ) وأسرت بقية القوة ، وفى الوقت نفسه قامت القوات المعتدية بهدم واحراق مبنى المحافظة كما سلبوا خزائنها وفتحوا أبواب السجن للمحبوسين فيه . وقرر أيضا أنه : "عقد اجتماع مفاجئ لمجلس الوزراء برياسة مصطفى النحاس باشا بعد أن تلقى وزير الداخلية أنباء الانذار وأصدر أوامره بمقابلة القوة بالقوة، واستمر الاجتماع 5 ساعات عرضت خلاله آراء مختلفة لمواجهة الموقف، واعتبرت الجلسة مستمرة الى الغد .. واعلنت حالة الطوارئ فى القاهرة ..

كذلك صدرت الأوامر الى وحدات من الاسطول البريطانى المرابط بجزيرة مالطا بالتحرك الى شرق البحر الأبيض وشملت هذه الوحدات : طرادان و7 مدمرات وسفينة بث الغام كما نقل لواء المظلات من قبرص الى منطقة القناة وفى الساعة السابعة مساء أخذت جماعات من الشباب بالقاهرة تطالب بالقيام بمظاهرة كبرى ضد الانجليز والانتقام لمجزرة الاسماعيلية ... ..

هكذا ترى أن بريطانيا قد تصرفت كالأسد الجريح ، اذ حشدت فى مواجهة قوات بوليس مدنية مسلحة بالبنادق . دبابات سنتوريون وطلبت منهم الاستسلام والرحيل .. ماذا أرادت بريطانيا بهذه الحملة العسكرية .. ؟ أرادت كسر شوكة المقاومة المصرية والارادة المصرية فى تحديها لبريطانيا .. أراد جنرال أرسكين أن يستعيد هيبة الجيش الانجليزى بعد أن أمطرته المقاومة بالرصاص .. ورغم أن المعركة كانت غير متكافئة .. قوات شرطة فى مواجهة جيش عسكرى نظامى .. الا أن وزير الداخلية المصرى . محمد فؤاد سراج الدين باشا ، أمر قوات البوليس بالمقاومة .. لآخر شهيد أو آخر رصاصة ..

ولم تنكسر الارادة المصرية ولم ترحل القوات تحت التهديد .. لقد كانت المعركة صراع ارادات وأثبتت الارادة الثورية المصرية أنها صلبة بما فيه الكفاية وقبلت التحدى .. وفشلت بريطانيا فى كسر الارادة المصرية كما فشلت فى احداث شرخ طائفى فى الحركة الوطنية ..
- هذه العملية البريطانية جاءت بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية حيث أبلغ السيد أنتونى ايدن ، وزير خارجية بريطانيا السيد هولمز الوزير الأمريكى المفوض فى 24 يناير 1952 بنية بريطانيا نزع سلاح قوات البوليس المصرى فى الاسماعيلية فى 25 يناير 1952 وتحريكها لقطع الاسطول البريطانى لمواجهة رد فعل حكومة الوفد المصرية بما قد يعرض حياة الأجانب للخطر .

.كذلك أبلغ سفير بريطانيا فى مصر سير رالف ستيفنسون ضرورة تحذير الملك فاروق من اتخاذ اجراءات قد تعرض حياة الأجانب للخطر .. وطلب السيد ايدن دعم أمريكا للخطوه البريطانية .. وخفضت القوات البريطانية الوقت اللازم لتنفيذ الخطة Rodeo اللازمة لاعادة احتلال القاهرة والاسكندرية من 72 ساعة الى 48 ساعة فقط ..
اذن .. علمت الولايات المتحدة الأمريكية بالخطة البريطانية قبل تنفيذها
.. وسكتت عليها حيث كان هدفا مشتركا لكليهما الاطاحة بحكومة الوفد المصرية .. وقد استحقت حكومة الوفد المصرية غضب الولايات المتحدة الامريكية لموقفين اتخذتهما حكومة مصر تأكيدا على استقلالية القرار السياسى المصرى فى مواجهة الطلبات الامبراطورية الامريكية . الموقف الأول حدث خلال حرب كوريا ..
ففى 25 يونيو 1950 .. نشبت الحرب الكورية وأرادت أمريكا شن الحرب ضد كوريا الشمالية تحت غطاء الأمم المتحدة ( كما تفعل الآن ) وكان الموقف المصرى صارما فى رفض مشاركة قوات مصرية فى حرب لم تكن لمصر فيها ناقة ولا جمل ...

أما الموقف الآخر الذى لم تغفره أمريكا وبريطانيا لحكومة مصر فكان رفضها القاطع أيضا المشاركة فى فى مشروع الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط الذى أعدته أمريكا وبريطانيا وفرنسا وتركيا ..كان هذا المشروع فى مواجهة الاتحاد السوفيتى ولم تقبل مصر دخول حلبة الصراع بين القوى العظمى حينذاك ... لهذه الاسباب، كانت الحكومة المصرية تتمتع بكراهية الحكومة البريطانية والادارة الأمريكية والتى دأبت على وصفها بالمتطرفة ... وحيث أن الحكومة الاسرائيلية حليفة استراتيجية لأمريكا فقد كان الوفد هدفا مشتركا لكل الأطراف الثلاث ... ثم ماذا حدث ... ؟

كان الملك فاروق قد دعى كبار ضباط القوات المسلحة والبوليس لمأدبة غداء تقام بقصر عابدين يوم 26 يناير 1952 ابتهاجا بمولد ولى العهد، الأمير أحمد فؤاد ، وهو الحفل الذى وجه فيه فاروق الأول خطابا جاء فيه :
" .. ان البلاد تجتاز مرحلة دقيقة، وقد تمر بها مرحلة أشد وأقسى ، فليذكر كل فرد منكم هذه الحقيقة ليكون مستعدا لأداء واجبه عندما يدعى له ... "
كانت الدعوة لهذه المأدبة الملكية معلومة للجميع، ومعلوم بالضرورة تاريخ انعقادها وتوقيت تناول الغداء .. هذا ماتقضى به قواعد البرتوكول الملكى المصرى ...

هذه نقطة أعود اليها لاحقا فى مجال البحث عمن حرق القاهرة فى 26 يناير1952 لكننى أترك وصف ماجرى للأستاذ أحمد عطية الله فى حولياته عن عام 1952 ، اذ كتب يصف الأحداث وتوقيت حدوثها بدقة...
" الساعة 7 صباحا : تحركت قوات من بلوك النظام بالعباسية تضم 300 جنديا واتجهت الى قلب المدينة وانتهت الى جامعة فؤاد الأول بالجيزة حيث كانت هناك تجمعات للطلبة وغيرهم تقدر بنحو ألفى متظاهر .. الساعة 8 صباحا : سارت مظاهرة تضم الطلبة وجنود بلوك النظام وغيرهم من الجيزة الى مبنى رئاسة مجلس الوزراء الواقع أمام البرلمان وهى تهتف مطالبة بالسلاح للانتقام لمجزرة الاسماعيلية وعلى شرفة المجلس ظهر وزير الشئون الاجتماعية ، عبد الفتاح حسن باشا ، نيابة عن مصطفى النحاس باشا ألقى خطابا طويلا كما أجرى مناقشة مع المتظاهرين . وتلا ذلك قيام مظاهرات أخرى سارت الى ميدان لاظوغلى وميدان عابدين وانتهت الى ميدان الأوبرا .

الساعة 30 ,11 صباحا : هاجم جمهور ثائر ملهى بديعة بميدان الأوبرا . الساعة 45, 11 صباحا : اشتعلت النار بملهى بديعة ، وعلى الفور ظهر رجال المطافى ولكنهم عجزوا عن انقاذ المبنى ، كما ظهر عدد من رجال البوليس ولكنه لم يتدخل . الساعة 30, 12 ظهرا : قامت قوات من البوليس بمطاردة المتجمهرين وأطلقت النار بقصد الارهاب .. ثم توالت الأحداث على النحو التالى : اشتعال النار بسينما ريفولى ، واشتعال النار بعدد من متاجر شارع فؤاد ( شارع 26 يوليو حاليا) من بينها مبنى شيكوريل . اشتعال النار بسنيما مترو ، ثم فى النادى الانجليزى " الترف كلوب" بشارع عبد الخالق ثروت حيث لقى عدد من الموجودين حتفهم . اشتعال النار فى عدد من المقاهى والكباريهات والبارات بشارع ألفى وميدان التوفيقية ، ثم امتدت النار الى شارع الملكة فريدة ( العتبة ) وسليمان باشا وميدان سليمان باشا ( طلعت حرب حاليا ) حيث احترق محل جروبى ، ثم امتدت النيران الى شارع قصر النيل حيث احترق بنك باركليز ومحل روبرت هيوز وغيره . الساعة 30, 2 ظهرا : احترق فندق شبرد . الساعة 45, 2 بعد الظهر : القائد العام ، حيدر باشا ، يخطر رئيس الأركان ( عثمان المهدى باشا ) بالموافقة على تدخل الجيش ... 3,00 : قطعت قوات من البوليس جميع الطرق المؤدية الى مبنى السفارة البريطانية بقصر الدوبارة ومنعت وصول المتظاهرين اليها ، وتوالت حوادث الحريق . 5,00 مساء
بدأ ظهور أولى وحدات من الجيش للتجمع فى حديقة الأزبكية قادمة من معسكراتها وتوالى نزولها ، وفى الوقت نفسه منع البوليس مظاهرة من عبور كبرى بولاق فى طريقها الى السفارة السوفيتية. 00, 6 مساء : ما زال مجلس الوزراء منعقدا بينما أستمرت عمليات الحريق والتخريب وماصحبها من سلب ونهب الى نحو الساعة 11 مساء . 00 11مساء : بدأ الجيش يسيطر على الموقف أعلنت الأحكام العرفية فى جميع أنحاء البلاد ، وعين النحاس باشا حاكما عسكريا ومنع التجول فى القاهرة وضواحيها والجيزة من الساعة 6 مساء الى 6 صباحا . كما صدر قرار بتعطيل الدراسة فى الجامعات والمعاهد والمدارس الى أجل غير مسمى . وجه النحاس باشا نداء الى الشعب يطالبه بالتزام الهدوء .

27 يناير 1952 : * صدر أمر ملكى باعفاء وزارة النحاس باشا جاء فيه " .. ولقد أسفنا أشد الأسف لما أصيبت به العاصمة من اضطرابات نتجت عنها خسائر فى الأرواح والأموال . وسارت الأمور سيرا يدل على أن جهد الوزارة التى ترأسوها قد قصر عن حفظ الأمن والنظام ، لذلك رأينا اعفاءكم من منصبكم وأصدرنا أمرنا هذا لمقامكم الرفيع شاكرين لكم ولحضرات زملائكم ما قمتم به مدة اضطلاعكم بأعباء الحكم " * صدر أمر ملكى بتكليف حضره صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا بتشكيل الوزارة الجديدة ... * سارت مظاهرات كبيرة فى بغداد ودمشق وبيروت احتجاجا على جرائم الانجليز فى الاسماعيلية. * قدرت خسائر 26 يناير فى القاهرة بما قيمته 23 مليون جنيه مصرى وقد جرى احتراق 400 مبنى كما فقد نحو 12 ألفا مصادر أرزاقهم . ولقى نحو 60 حتفهم من بينهم 9 من البريطانيين ( هذا التقرير تم فى تاريخ متأخر ) . انتهى كلام الاستاذ أحمد عطية الله فى حولياته " والآن دعونا نمعن النظر فى تلك الأحداث لعلنا نمسك بتلابيب المتآمرين ..

1- ثابت من هذا الوصف التفصيلى للأحداث أن مظاهرات الطلبة وعساكر البوليس فى مسيرتها من الجيزة الى رئاسة مجلس الوزراء كانت بعيدة تماما عن بؤرة الأحداث التى تركزت بصفة رئيسية بمنطقة وسط القاهرة، ومن ثم يمكننا استبعاد مشاركة هؤلاء فى احداث هذه الحرائق .. لقد كان عساكر البوليس ثائرين لما حل بزملائهم بالاسماعيلية، وكذلك كان الطلاب وغيرهم من الغيورين المطالبين بالثأر من بريطانيا .. وانتهت مسيرتهم الى رئاسة مجلس الوزراء حيث خطب فيهم عبد الفتاح حسن باشا وهكذا فقدت هذه المظاهرة الغاضبة ما كان يعتمل بنفوس أفرادها من بخار .. ولم يسبق للحركة الطلابية المصرية فى مسيرتها المناهضة للاحتلال البريطانى أن مارست التخريب واشعال الحرائق كما حدث فى ذلك اليوم .

2- من ناحية أخرى، وفى ضوء التقرير الذى أعد بواسطة الحكومة المصرية ، فقد تم احتراق 400 مبنى ولقى نحو 60 حتفهم من بينهم 9 من البريطانيين المدنيين غالبا ممن كانوا بالترف كلوب ... ألا يعنى هذا أن الذين قاموا باحراق القاهرة كونوا فريقا منظما ومجهزا بالمواد اللازمة لاشعال الحرائق على هذا النحو الواسع ..

وسواء كانت المواد التى استخدمت لاستعمال الحرائق سائله أم صلبة ، فان قدرا هائلا ولابد وأن يكون فى حيازة الفاعلين من هذه المواد وتم تجهيزهم بها بوقت كاف وتم تخزينها بأماكن سرية استعدادا للهجوم فى الوقت المناسب ... ثم لابد وأن يكون فى حيازة الفاعلين كذلك وسائل مواصلات لنقل هذه المواد القابلة للاشتعال من مخابئها السرية الى الأهداف المنتقاه بحذر شديد وبدقة متناهية .. وكلها معطيات منطقية ان دلت على شيئ فانما تدل على أن المتآمرين أعدوا لهذا اليوم عدته وقرروا التنفيذ فى وقت مناسب وفى فترة زمنية محدودة حتى تتحقق أهدافهم ..