جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 08:21 مـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

د. محمد لبيب سالم يكتب .. « العالم الخفي من الإنسان »

د.محمد لبيب سالم
د.محمد لبيب سالم

تبدأ المرحلة الاولي من حياة الانسان الحقيقية عند التقاء الحيوان المنوي المهاجر من الزوج مع البويضة في الزوجة والتي تبدأ في النمو رويدا رويدا في الرحم حتى عمر الثلاث أشهر من عمر الجنين.

ثم تبدأ المرحلة الثانية من عمر الانسان عندما ينفخ الله الروح في الجنين وهي اللحظة الفاصلة التي يتحول فيها الانسان من مجرد كتلة حية إلى نفس حيث تسكن الروح الجسد الذي يكون قد تميز تماما لأعضائه وأجهزته المختلفة عند هذا العمر.

ويستمر الانسان في رحم أمه كنفس حتى يتم الميلاد بعد ستة أشهر أخري عندما تكون جميع اجهزته قد وصلت إلى الحجم الذي يمكنها من بدأ حياتها على الأرض بعيدا عن رحم الأم. ثم تبدأ المرحلة الثالثة من عمر الانسان على الأرض بعد الولادة.

ويستمر نمو الانسان رويدا رويدا بين اهله وعشيرته وأصحابه حتى يصل إلى سن الرشد وهي المرحلة التي يكون العقل ناضجا تمام النضج وقادرا على الادراك والتفكير والتحليل المنطقي واتخاذ القرارات بالتنسيق التام مع المخ وهنا تبدأ المرحلة الرابعة من حياة الانسان. وهكذا نري أن مراحل حياة الانسان هي أربع منها مرحلتين في الجنين وهما ما قبل وبعد نفخ الروح في الجسد وتحويله الي نفس لها حرمتها.

ثم مرحلتان بعد الولادة وهي مرحلة ما قبل الرشد وما بعدها عندما يتحول الانسان إلي نفس مستقلة عن قرارات الاخرين قادرة على التعامل مع الناس بحكمة العقل.

ولكن عندما يكون الإنسان في الناس، تلتحفه العزة بالنفس والتي قد تتعاظم وتصل إلى سقف الكبرياء ثم الكبر والتكبر حتى تنعكس في سلوكه فيسعد الشيطان بذلك أيما سعادة. ومن الغباء الإنساني أن يتمادي الإنسان في تعظيم ذلك الشعور حتى يصل إلى رتبة اتباع الشيطان نفسه.

ولذلك، فعلي الإنسان عندما يكون في الناس أن يحصين نفسه من وساوس نفسه والشيطان بذكر الله والعوذ به من الشيطان الرجيم حتى لا يستدرج إلى الدرك الأسفل بلا رجعة. وان لم يفعل تقع الوقيعة بينه وبين الناس فينساق ورائها فيكون ما يكون من خلافات وتشققات في العلاقات الانسانية.

وعندما يخلو الإنسان إلى نفسه ويغير من هندامه وردائه ويصبح بين أولاده وأهله بعيدا عن الناس حوله، يهبط كبرياء عقله درجة أو درجات إلى مستوي فكره وتهدأ وساوس نفسه لبعده عن الناس. ولكن تظل وساوس نفسه تطارده محاولة أن تحول بينه وبين أهله حتى تقع الوقيعة فينساق ورائها فيكون ما يكون من خلافات وتشققات في العلاقات الأسرية.

وعندما يخلوا الإنسان إلى ذاته ليجد نفسه حبيسة بين أربعة جدران بعيدا عن أهله، يزداد هبوط كبرياء عقله درجات ودرجات حتى يصل إلى مستوي تتضاءل أمامه عِظم الأشياء.

حينئذ، يهبط سقف نفسه حتى يتعجب من حاله الضعيف ويتعجب أكثر كيف يتحول هذا الحال من الضعف إلى القوة الكاذبة عندما يكون بين الناس.

حينئذ يسافر عقله إلى أثير العالم المرئي حتى تقع عيناه على بقايا الأحداث التي وقعت بينه وبين الناس أو بينه وبين أهله.

حينئذ يجد الانسان عقله قادرا على تفسير الكثير من هذه الأحداث وتحليلها ليأخذ منها العظة والخبرة أو يستنكر ما شاء منها حتى لا يعاود فعلها أو مشاهدتها سواء كانت من فعلته أو كانت من فعل الآخر وهو شاهد عليه.

وعندما يخلوا الإنسان إلي ذاته، تقع علي عقله أيضا بعض الأحداث التي لا يقدر علي فهمها علي الإطلاق فيبتسم ويتركها بلا تعقيب فيعزوها لقدرة الله سبحانه وتعالي التي هي فوق كل الأسباب.

ثم يغفوا الإنسان ويستسلم لنوم ثبات، فتنطلق روحه إلي عنان السماء لتتركه مع عقل تملكه إجهاد النهار وتسربت على جدرانه بقايا أحداث تفاعلات اليوم مع نفسه وأهله والناس. ويحاول العقل جاهدا أن يستريح في نومته ويهدأ حتى يستطيع معاودة نشاطه عند اليقظة. وأثناء هدوء العقل في نومته يري في أحلامه العجائب من الأشياء.

يري نفسه تفعل من الأمور التي لو رآها في يقظته لوقع في جمجمته صريعا من هول الأحداث التي لا يقوي على إدراكها. فالإنسان في الحلم عقل آخر، عقل أزيحت عنه الأسباب والمسببات وسقف الأمور، وأصبح قادرا على فعل المعجزات بلا نهاية توقفه.

ففي حلمه يستطيع المشي في السماء متبخترا ويستطيع ملامسة الشمس واحتساء ضياء القمر ويأكل من ضحك الناس.

و يصبح العقل في حلمه قادرا علي التحدث بكل اللغات وعلي تبوأ المناصب الكبري وعلي معاشرة النساء وعلي جمع الأموال.

ففي الحلم يصبح العقل عالما بلا حدود ليعلمنا درسا عمليا عن اللانهائية للعقل في الحلم ولكن قيدها الله في اليقظة حتى لا نتحمل مالا يمكن إدراكه وحتى لا يصيبها الجنون. ولذلك شبه الرسول موت الإنسان بالنوم "والذي نفسي بيده لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ألا وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا".

ولأن بصر الإنسان بعد الموت يصبح حديد أي مبصرا لأشياء وأمور لم يكن يبصرها أبدا في حياة الدنيا.

وبالقياس قد يكون البصر أيضا حديد عند النوم الذي نعتبره موتة صغري.

وسيظل هناك دوما العالم الخفي في عقل الإنسان سواء في النوم أو الصحيان الذي لن نفهمه أو ندركه مهما تعاظمت معلوماتنا ليل نهار. حقا، الإنسان مخلوق رائع، كرمه الله بالروح والعقل ليميزه عن باقي مخلوقات الله من جماد ونبات وحيوان

. وسيظل العقل واحة الإنسان في يقظته وفي حلمه.

تحياتي

د. محمد لبيب سالم