جريدة الديار
الخميس 28 مارس 2024 10:55 مـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

عمرو حلمي يكتب عن بنت الشاطئ

دكتور عمرو حلمي
دكتور عمرو حلمي

قال الدكتور عمرو حلمي إمام وخطيب بوزارة الأوقاف أن أول امرأة تحمل لواء الدفاع عن الإسلام في التاريخ الحديث والمعاصر بنت الشاطئ(18نوفمبر 1913م- 5 ديسمبر1998م) العلّامة الكبرى: المُحدَّثة المُؤرخة المفسرة اللغوية الأديبة الشاعرة الناقدة الكاتبة الصحفية أم الخير عائشة عبد الرحمن المشهورة بـ بنت الشاطئ رائدة الدراسات الإسلامية والعربية والبحث العلمي في العصر الحديث.

اسمها : عائشة محمد عبد الرحمن. كنيتها: أم الخير. لقبها: بنت الشاطئ وبه اشتهرت. نشأتها: ولدت بدمياط في 18نوفمبر 1913م. والدها: محمد علي عبد الرحمن والاذي ينتهي نسبه إلى الإمام الحسين والد الزهراء , وهو من أبناء قرية شبرا بِخُوم مركز شبين الكوم من ريف المنوفية, وهو من علماء الأزهر الشريف, والذي كان يعمل مدرساً بمدرسة دمياط الابتدائية الأميرية للبنين, ثم مدرسا بالمعهد الديني في منطقة جامع البحر بدمياط. أمها: من دمياط , والدها الشيخ محمد الدمهوجي حفيد الإمام الأكبر أحمد بن علي الدمهوجي الشافعي الشيخ الخامس عشر للجامع الأزهر الشريف, والذي ولي المشيخة عام 1829م, والدمهوجي نسبة إلى قرية الدمهوج بالمنوفية.

وهبها والدها للعلم الشرعي, فكانت تصحبه في مجلسه بالبيت, أو في مكتبه بجامع البحر. حفظت بنت الشاطئ القرآن الكريم وجودته في كتاب القرية , كما حفظت متون التجويد والقراءات, واللغة والأصول, والفقه والعقيدة, حفظت هذا كله وهي دون العاشرة من عمرها,حيث تتلمذت على يد أبيها الذي كان يصحبها معه إلى المعهد الديني, وتلقت أمهات كتب الحديث والتفسير على يد أبيها كذلك, كما تلقت أمهات كتب اللغة والبلاغة على الشيخ / دشوقي جوهري. هكذا نشأت بنت الشاطئ نشأة إسلامية فهي سليلة آل بيت النبوة , وحفيدة شيخ الأزهر الدمهوجي الكبير, الذي ترك كنزاً كبيراً من نفائس المخطوطات الإسلامية والعربية , والتي ورثتها حفيدته بنت الشاطئ.

بدايتها مع الصحافة في بيت جدها بدأت تتعرف على الصحافة والحياة العامة عن طريق قراءة الصحف لجدها القعيد، وكتابة العرائض التي كان يمليها عليها جدها للصحف، وعلى مدى ثلاث سنوات كان هذا هو علمها المنزلي، فرقَّ لها القلم وتحسنت كتابتها، واطلعت عن قرب على مشكلات الواقع.

رأت في نومها أن ملاكا مجنح يعطيها لفافة خضراء فلما فتحتها وجدت فيها مصحفا شريفا , فلما استيقظت من نومها أدركت عن يقين أن حياتها كلها مرتبطة بهذا المصحف. التحقت بمدرسة اللوزي الأميرية للبنات سنة 1918م , وكان عمرها خمس سنوات, فكانت أولى الناجحات على المدرسة. وأبي والدها أن تكمل دراستها المدرسية بعد ذلك مما دفعها أن تكمل دراستها من المنزل فأدت امتحان شهادة الكفاءة للمعلمات أمام لجنة مدرسة طنطا سنة 1929م, وكانت الوحيدة التي تقدمت للامتحان من المنزل ورغم كل ذلك فكانت الأولى على القطر المصري.

عملها بالتدريس عملت عائشة بمدرسة البنات بالمنصورة وأثناء هذه الفترة التي قضتها في المنصورة طالعت الكتب المعاصرة بمكتبة المنصورة فقرأت لأعلام عصرها أمثال : المنفلوطي, وجورجي زيدان, طه حسين , وغيرهم. مشوارها الصحفي في بداية الثلاثينيات عملت عائشة في وظيفة "كاتبة" بكلية البنات بالجيزة، وبدأت تكتب في الصحف، وأرسلت إحدى قصائدها "الحنين إلى دمياط" إلى مجلة النهضة النسائية، والتقت بصاحبة المجلة السيدة "لبيبة أحمد" التي ألحقتها بالعمل معها، وكانت تراسل بعض الصحف باسم مستعار هو "بنت الشاطئ".

وفي تلك الفترة كانت تمارس هواية الكتابة، وتحمل عبء العمل في كلية البنات، وعبء تحرير مجلة النهضة النسائية، وإدارتها، وتتابع تحصيل المواد المقررة على طلاب البكالوريا (الثانوية العامة) حتى وصلت بعد سبع سنين إلى الباب الموصد؛ ألا وهو باب الجامعة، بعد أن حصلت على البكالوريا سنة 1934م.

وكانت علاقتها بالصحافة قد توطدت منذ أن نشرت "الأهرام" مقالاتها عن الريف المصري وقضية الفلاح سنة 1935م في صفحتها الأولى، وضمتها إلى أسرة تحرير الجريدة. الجامعـــة في حياة بنت الشاطئ وصفت عائشة الجامعة بأنه الباب الموصد الذي وقفت أمامه طويلاً لكي يُفتح، حتى استطاعت أن تَلِج منه سنة 1935م، وتقول عن حياتها الجامعية: "ولم يحدث قط أن فُتِنتُ عن قديمي بالجديد الذي تعلمته من كتب العلوم العصرية في مراحل الطريق إلى الجامعة، بل كنت كلما تقدمت خطوةً على الطريق ازددت إدراكًا لقيمة الرصيد الثمين الذي يمنحني سمة أصالة وتفرد بين بنات جيلي".

فالتحقَتْ بكلية الآداب لتتخرج فيها في قسم اللغة العربية سنة 1939م، والتقت في الجامعة بقمم مصر الفكرية والأدبية، وعلى رأسهم الأستاذ "أمين الخولي" صاحب الصالون الفكري والأدبي الشهير "مدرسة الأمناء"، وصاحب المنهج البياني في تفسير القرآن الكريم، والذي تزوجته فيما بعد فكان أستاذها وزوجها. بنت الشاطئ والبحث العلمي الأكاديمي حصلت عائشة على شهادة "الدكتوراه" عام 1950م، وناقشها د.طه حسين، وكانت في تحقيق "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعرِّي، وكان يوم المناقشة يومًا مشهودًا في الحياة الأدبية في المجتمع القاهري، أما رسالتها في "الماجستير" فكانت عن "الحياة الإنسانية عند أبي العلاء المعرِّي".

وقد أرادت عائشة أن يكون اهتمامها الأول مجال الدراسات الإسلامية في بداية حياتها العلمية الأكاديمية، وقد أشار عليها أستاذها وزوجها الخولي أن تبدأ بدراسة الأدب وتهضم اللغة التي نزل بها القرآن الكريم إذا أرادت أن تشتغل بتفسيره، فاستجابت للنصيحة الغالية المنهجية وبدأت بالدراسات الأدبية وقضت فيها نحو عشرين عامًا، ثم عادت بعد هذه الرحلة الطويلة إلى الدراسات القرآنية والإسلامية.

الدرجات العلمية والمناصب التي شغلتها بنت الشاطئ تدرجت بنت الشاطئ في المناصب الجامعية من معيدة بقسم اللغة العربية في آداب القاهرة، حتى أصبحت أستاذةً للتفسير والدراسات العليا في جامعة القرويين بالمغرب، مرورًا برئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة عين شمس في الفترة من 1962م حتى 1972م، وعملت كأستاذ زائر بجامعات أم درمان والخرطوم والجزائر وبيروت والإمارات، وكلية التربية في الرياض، وقامت بالتدريس بجامعة القرويين قرابة العشرين عامًا.

عناية بنت الشاطئ بالدراسات الإسلامية والعربية والبحث العلمي تعد بنت الشاطئ أول من قام سيرة السيدة آمنة بنت وهب في كتابها أم النبي ﷺ والذي قدمت فيه الني ابناً ثم بدا لها أن تكتب عن نساء النبي , وبناته , وحفيداته, فقدمت النبي ﷺ ابنا, وزوجاً, وأباً, وجداً, وطبع ذلك في موسوعة تراجم سيدات بيت النبوة, والذي ترجم لأكثر من 20 لغة آخرها اللغة اليابانية, وترجع أهمية هذا الكتاب إلى أنه صحح الفكرة عن المرأة العربية في الجاهلية, فكانت بذلك بنت الشاطئ سليلة آل بيت النبوة خير من يكتب عن آل بيت النبوة.

والتي تركت تراثًا علميًّا كبيرًا زاد على الأربعين كتابًا في الدراسات الفقهية والقرآنية واللغوية والأدبية والتاريخية. ففي الدراسات القرآنية والإسلامية كان لها كتب منها : التفسير البياني للقرآن الكريم، والقرآن وقضايا الإنسان،وغيرها.

وفي الدراسات اللغوية والأدبية كُتُب منها: الخنساء الشاعرة العربية الأولى، والإسرائيليات في الغزو الفكري، وصور من حياتهن، والقرآن وقضية الحرية الشخصية،كما سجلت جزءًا من مذكراتها في كتابها الفريد "على الجسر"، وكذلك في كتابها:"سر الشاطئ" بنت الشاطئ أول امرأة تحمل لواء الدفاع عن الإسلام في التاريخ الحديث والمعاصر تجلي هذا واضحا في مواقفها العديدة منها: أولا: دفاعها عن القرآن الكريم في مواقف عديدة منها: تناولها لقضية الإعجاز ودفع شبهات المنكرين له, كان ذلك من خلال ندوة أسبوع القرآن والتي أقامتها جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان فبراير 1968م, ومنها: دفاعها عن الشعر الجاهلي باعتباره من مصادر تفسير القرآن, وتصحيحها لتصور د/ طه حسين عن الشعر الجاهلي فدرست عليه رسالة أبي العلاء بنقيض ما رأى, جاء ذلك في تحقيقها لكتاب رسالة الغفران لأبي العلاء المعري في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه الخاصة بها والتي ناقشها فيها د/ طه حسين, ومنها: مآخذها على د/ مصطفى محمود في تفسيره للقرآن تفسيرا علميا دون امتلاكه أدوات التفسير من علوم اللغة والشرع التي تؤهله لذلك. ثانيا: واجهت التيارات الفكرية الإلحادية المعاصرة كالشيوعية,والبهائية,وغيرها, والتي هدفها تشكيك المسلم في الثوابت الدينية.

تجلى ذلك واضحا في كتابها"قراءة في وثائق البهائية", والذي بينت فيه علاقة البهائية بالصهيوماسونية العالمية , كما حذرت فيه من خطر البهائية على المجتمع الإنساني ككل. ثالثا: دفاعها عن التراث العربي والإسلامي في الحضارة الإسلامية وذلك من خلال كتابها "تراثنا بين الماضي والحاضر" والتي دعت فيه إلى إنشاء مركزا لإحياء التراث وحمايته. الجوائز التي حصدتها حصلت بنت الشاطئ على جوائز وأوسمة متعددة منها:

جائزتان من مَجْمَع اللغة العربية؛ الأولى في تحقيق النصوص عام 1950م، والثانية في القصة القصيرة عام 1953م، كما حصلت على الجائزة الأولى في الدراسات الاجتماعية والريف المصري عام 1956م، وعلى وسام الكفاءة الفكرية من ملك المغرب عام 1967م، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1973م، وجائزة الدولة التقديرية 1978م، وجائزة الآداب من الكويت عام 1988م، وجائزة الملك فيصل عام 1994م. معاركها الفكرية بنت الشاطئ وقضايا المرأة ساهمت عائشة في عدد من القضايا الساخنة المثارة في مجتمعها

ومن أهم هذه القضايا: قضية المرأة وتحررها ومكانتها في الإسلام، وما دار من جدل صاخب بينها وبين العقاد في هذه القضية، حيث ارتفعت حرارة الحوار بين الاثنين ارتفاعًا كبيرًا مما أثرى ساحة الحوار الفكري والإنساني. فقد كتب العقاد كتابًا بعنوان "المرأة في القرآن"، وأورد في كتابه فقرات فيها انتقاص للمرأة، فأورد أن النظافة ليست من خصائص الأنوثة، واعتبر أنه من الضلال في الفهم أن يخطر على بال أحد أن الحياء صفة أنثوية، أو أن النساء أشد حياءً من الرجال، وعلى هذا المنوال أخذ العقاد يكيل الاتهامات للمرأة.

ودُفِعَت مقولات العقاد هذه إلى عائشة لكي ترد بمقالات صحفية، وتقابل العاصفة بالعاصفة، وترجمت مشاعرها الغاضبة في مقال بعنوان "اللهم إني صائمة" وأتبعت هذا المقال بآخرَيْنِ في الرد على العقاد. فما كان من العقاد إلا أن وجه سهام نقده اللاذع إلى بنت الشاطئ، معتبرًا أنها المثال الوحيد الماثل أمامه على تناقض المرأة، وواصفًا إياها بأنها "السِّت مفسرة القرآن".

امتازت بنت الشاطئ عن نساء عصرها بعدة ميزات 1- أول امرأة تحاضر في الجامع الأزهر الشريف. 2- أول امرأة تحصل على عضوية مجمع البحوث الإسلامية. 3- أول امرأة تحصل على جائزة الملك فيصل في الأدب. كما وصفها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بأنها "الوجه الإسلامي لمصر".

وفاتهـــا عاشت الدكتورة بنت الشاطئ وحيدةً بعد وفاة زوجها أمين الخولي في الستينيات، ووفاة ابنها وابنتها، وهجرة ابنتها الثالثة مع زوجها، فوهبت بقية عمرها للعلم؛ تسلي به وَحدتها، وتنفع به أمتها، فلم يتوقف عطاؤها العلمي، وكان آخر مقال كتبته يوم 26/11/1998م بالأهرام أي قبل وفاتها بأربعة أيام، حيث توفيت في أول ديسمبر 1998م، وأعلنت وزارة الأوقاف المغربية إقامة سرادق عزاء لها، وصلى عليها شيخ الجامع الأزهر بنفسه في جنازة مهيبة لفقدان إحدى أعلام العِلم المضيئة في العصر الحديث.

كما اختتم دكتور عمرو حلمي مقاله بتوصية نناشد معالي وزير الثقافة بطباعة المجموعة الكاملة لمؤلفات بنت الشاطئ حتى تتاح للجمهور لينهل الجميع من فيض علمها الغزير وأدبها الجم. وكذل إقامة ندوات بجميع مقرات الهيئة العامة لقصور الثقافة على مستوى الجمهورية للتعريف بهذه الشخصية العظيمة التي قلما يجود التاريخ والإنسانية بمثلها. كما أطالب بتسليط الضوء إعلاميا وثقافيا على الجهود الكبيرة التي بذلتها بنت الشاطئ في إثراء المكتبة العربية والإسلامية, وكذلك تسليط الضوء إعلاميا وثقافيا على جهودها الكبيرة في النهوض بالمرأة بصفة عامة, والمرأة العربية والمسلمة بصفة خاصة.