جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 04:32 مـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

كيف وصل هؤلاء الفاسدون إلى مناصبهم؟

الز نَط: مصر فى العقود الثلاثة الأخيرة تحولت من فساد الإدارة إلى إدارة الفساد فأصبح تراكمى يسكن فى مفاصل الدولة

لا يزال مسلسل الفساد مستمراً طالما أن هناك أبطال يعشون قصصاً في الخفاء تحت ستار أهل الثقة ممن ضعفت نفوسهم واستغلوا مناصبهم لتحقيق ثروات من نهب موارد الدولة مستحلين المال الحرام على حساب المواطن الغلبان، فمنذ سنوات طويلة كان الموظف الصغير هو بطل القصة أما في الفترة الأخيرة ظهر الفساد في مصر بشكل غير عادي مع مسئولين كبار من محافظ ورئيس مصلحة ورئيس هيئة، مما أثار الدهشة للجميع فبين الحين والآخر تخرج عليها قضية فساد جديدة تقوم هيئة الرقابة الإدارية بضبط أبطالها فهم ليسوا مجرد موظفين سولت لهم أنفسهم سرقة المال العام بل هم من المسئولين الكبار الذين استمروا في عملهم لسنوات وتم تقيمهم بالتقارير، الأمر الذي يقتضي إعادة النظر في تدعيم القيم الأخلاقية والشفافية في آليات المحاسبة لهؤلاء.

الفساد تراكمي

يقول د. سعد الزَنط ـ أستاذ العلوم السياسية ورئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية والمستشار السياسي للإتحاد الدولي للعدالة ـ إن مصر في العقود الثلاثة الأخيرة تحولت من فساد الإدارة إلى إدارة الفساد لأن الفساد تراكمي وله جذور تسكن في مفاصل الدولة، ويستلزم رؤية وسياسة طويلة الأجل وقصيرة الأجل للقضاء عليه لأن القانون لا يحقق الردع طالما لا يوجد ثقافة جودة أخلاقية، مقترحاً إنشاء آلية لترشيح واختيار وتأهيل القيادات تابعة للرئاسة وأن يقتصر دور المؤسسات الأمنية والرقابية على تقديم المعلومات والرأي، وإنشاء جهاز فعلى لمكافحة الفساد يضم رؤساء الأجهزة ذات الصلة بالتنسيق على رؤية واحدة، وإنشاء معهد متخصص للمكافحة لتدريب وتأهيل منسوبي الأجهزة.

الأزمة أخلاقية

ويتابع الزَنط، قائلاً: يجب إعادة النظر في ترشيح واختيار عناصر الأجهزة المسئولة واستحداث وحدات للمكافحة بكل مؤسسات الدولة تكون تبعيتها لرئاسة المجلس الأعلى للمكافحة، وضرورة الاهتمام بغرس منظومة القيم الأخلاقية التي تؤدى لنشر ثقافة جودة أخلاقية قيمية إنسانية ومهنية ووطنية في مؤسسات التعليم والإعلام والثقافة وغيرها لصناعة الإنسان القويم، لافتاً إلى أن تأثير تكرار ضبط الفاسدين له وجه إيجابي ينعكس على إرادة القيادة السياسية بإنهاء ملف الفساد أما الوجه الآخر غالباً ما يكون سلبي نظراً للظروف الاقتصادية الحالية لأن فكرة الردع لم تعد مُجدية، حيث أن الأزمة أخلاقية قبل أن تكون ردع وعدم احترام للقانون.

قانون الأقدمية

يؤكد د. إبراهيم البيومي غانم ـ أستاذ العلوم السياسية ومستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية وعضو الجمعية العربية للعلوم السياسية ـ أن هؤلاء وصلوا إلى مواقع المسئولية وليس السُلطة السياسية عن طريق الروتين الحكومي البطيء طويل النفس، لافتاً إلى أن الفساد يعشش في البيروقراطيات الحكومية لأن الموظف الحكومي لديه صلاحيات في تأويل وتفسير القوانين الحكومية التي يطبقها بالنِمَكّية فمن خلال الثغرات يتغلل الفساد في صور كثيرة كالرشوة والمحاباة والمحسوبية وتأخير إنجاز معاملات المواطنين وفجأة يجد الموظف نفسه على رأس المسئولية يعتلي مناصب بقانون الأقدمية القاتل فيستفحل الأمر ويصبح أمام سُلطة كبيرة جداً مع قرب نهاية خدمته على الرغم من أن قاعدة الاختيار تكون على أساس "الكفاءة والإنجاز والابتكار".

يتصدرون المشهد

يرى مؤمن الفرماوي ـ رئيس اللجنة النوعية والتعليم بحزب الوفد ـ أن الفساد موجود منذ الأنظمة السابقة وأعوانه كُثر يشجعهم حملة المباخر ليرقصون حول الكرسي فهم يتصدرون ويتسلقون المشهد السياسي للصعود على الكراسي وبعضهم ليلبس ثوب الورع ليخدع بعض المسئولين بعض الوقت ولكن لا يستطيع أن يخدعهم كل الوقت، وبالتالي عندما يبحثون عن المناصب فيُلمِع بعضهم البعض لخدمة مصالحهم وتُسَلط عليهم الأضواء قبل أن يتولوا هذه المناصب، مُرجعاً سبب تفشي الفساد إلى إحجام أصحاب الكفاءات والخبرات عن التقدم للمشهد ووجود بعض المتسلقين لتولي المناصب، مطالباً أن يحاسب المتسبب المباشر في الفساد عندما يقال أي مسئول من منصبه، مضيفاً أن ضبط الفاسدين يؤثر على المجتمع بالإيجاب حيث أن العقلاء يستبشرون خيراً بأنه سيتم استئصال الفساد من الدولة ما يدفع الأمل على العمل كما يؤثر بالسلب على المتشائمين فيتكاسلون عن العمل.

الشفافية والمحاسبة

يتعجب د. أيمن الدهشان ـ خبير التنمية الإدارية والبشرية ومحاضر بالأكاديمية البحرية وعضو الهيئة العليا للتقييم والمتابعة بحزب مستقبل وطن ـ من أن الفساد ظهر في مصر بشكل غير عادي في الفترة الأخيرة مع قيادات مثل محافظ ورئيس مصلحة ورئيس هيئة، متسائلاً: كيف تم اختيار وتقييم هؤلاء خلال السنوات السابقة؟، ومَنْ الذي ساعدهم للحصول على تقييم امتياز في فترة عملهم؟ ومَنْ الذي قام بترقيتهم؟ وكيف تم تعيينهم في هذه المناصب؟ وما هي آليات محاسبتهم؟، مشيراً إلى محاربة الفساد يجب أن تكون بالشفافية في آليات المحاسبة إلى جانب الإعلان عن الجزاءات والعقوبات، كما يجب أن يكون لدينا تقييم أداء حقيقي لكشف الفساد وذلك بتفعيل دور إدارة الموارد البشرية، منوهاً على أهمية ثقافة المجتمع فكلما زادت ثقافة ووعي المجتمع للمشكلة يستطيع أن يساعد في القضاء على الفساد.

الأكفاء أولى

ويطالب الدهشان، من الحكومة سرعة إظهار قادة أكفاء حقيقيين حتى يقتدي الموظفين بهم، وأن تكون المحاسبة بحسم وصرامة حتى يكون الفاسد عبرة لغيره، كما ينبغي علينا لكي نبني الإنسان أن نتعامل بوضوح في العيوب والأخطاء لبناء إدارة نموذجية ومحاربة الفساد بشفافية ومحاسبة كل من له علاقة بمساعدة هؤلاء الفاسدون، مؤكداً أن سلوك المسئول الفاسد سينعكس بالسلب على الموظفين بالإحباط والتراخي وضعف الأداء وزيادة الرشوة والمحسوبية، لذا يجب ووضع معايير وشروط في اختيار المسئولين والبحث عن الكفاءات المتخصصة والبُعد عن أهل الثقة وضرورة الإقتداء بقصص النجاح من العلماء والمفكرين، كما أن تفعيل التدريب والجودة لأصحاب المناصب أمر ضروري وكذلك تحسين عمل الإدارة بالأهداف وتحقيقها بالنتائج لنرتقي بالتنافسية أمام بلاد العالم، مضيفاً أن تأثير الفساد على المجتمع بتكرر ضبط الفاسدين سيؤدي إلى التقاعس عن العمل وضعف الإنتاج والانحراف بأعمال البلطجة واستقطابه من الإرهاب.

تجفيف منابع الفساد

بينما يرى د. رضا حجاج ـ أستاذ تخطيط البيئة والبنية الأساسية بكلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة ـ أن المشكلة في صناعة القرار بعدم اختيار القوي علمياً والأمين أخلاقياً، كما أن التفاوت في الدخول ما بين المصريين يثير الأحقاد ويشجع الموظفين على أخذ الرشوة، علاوة على انهيار الطبقة المتوسطة التي تُعد قائمة الميزان في المجتمع فنجد الفقير يزداد فقراً والغني يزداد عناً، بالإضافة إلى انهيار المستوى الثقافي في المجتمع مما يتبعه انهيار المستوى الأخلاقي فلابد من تدعيم القيم الأخلاقية حتى لا ينزلق فئات أكثر في المجتمع إلى السرقة والفساد فكل ذلك يعمل على تجفيف منابع الفساد، مقترحاً إتباع الأسلوب العلمي واستبدال العنصر البشري بالإلكتروني في معاملات المواطنين من خلال الإنترنت حتى يغلق باب الرشوة والفساد.