جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 05:19 مـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

قصة قصيرة I لعبة مراوغة الموت

أرشيفية
أرشيفية

لاح كنقطة سوداء كثيفة السواد ؛ وسط السواد الذي بددته أنوار العربة التي كانت تنطلق في سرعة علي الطريق الخالي إلا من العربات التي تمرق في ميلاد لحظة مرورها في المكان في سرعة علي الطريق المفتوح .

لاح ذلك الكلب الذي اختلط فيه الأسود بالأبيض ؛ وكان في حالة المتردد في عبور الطريق ؛ ثم شرع في عبور الطريق فجأة بعد أن اتخذ قراره بالعبور ؛ لا مباليا بحركة العربات المسرعة .

لما بدا لي أن في المدي القريب شيئا متحركا ؛ ثم تبينت أنه كلب حائر في تردده المتأني بثقل التردد ؛ وقد بدا لي حتما أني صادمه ؛ قلت له : " يا أيها الكلب العابر أمامي في لا مبالاة بالموت ؛ أنا مسرع وأنت بطئ وكأنك تبحث عن الموت وسط هذا الظلام الكثيف الذي يملأ أجواء الطريق " .

تباطئ الكلب البطئ ؛ في عدوه ؛ بعدما إنحرفت بعربتي ؛ حتي أساعده علي النجاة ؛ ولكنه مضي في تأنيه في العبور وتباطئ في عدوه حتي صدمته العربة التي كانت توازي عربتي ؛ وقد وجد سائقها " الكلب الأسود في أبيض " في مواجهته وقد فشل في مفاداته ؛ فأرداه "قتيلا " بعد أن دفعته الصدمة إلي أقصي يسار الطريق ؛ حيث تكوم ميتا ولكنه غير مدهوسا ولا مقطعا قطعا ؛ ولولا هذه الصدمة المبعدة للكلب عن نهر الطريق لتوالي موته بتكرار دهسه بالعربات الأخري القادمة في سرعة .

لقد بدا لي أن موت الكلب كان إنتحارا ؛ وفق قرار لحظي إتخذه بعد أن أفلت من الموت في سهولة بعد أن ضاعف من سرعته البطيئة ؛ أثناء مروره في مواجهة عربتي أنا ؛ ثم أتخذ قراره بعد أن أصبحت الحياة نفسها تتحقق له بمضاعفة خطواته في الجري فقط .

بدا لي حزينا قبل موته وبدا لي أشد حزنا في قسماته بعد أن مات ؛ فكأن الموت قد ضاعف له الحزن ولم ينهيه . بدا لي الكلب حزينا حتي أن قلبي إنكوي بحزنه ؛ وحتي أني قد سيطرت علي فكرة إنتحاره ، بعد أن تأملته كثيرا وهو مطروح ميتا حزينا وقد خطر لي : هل إزهاق الحياة بالإنتحار ؛ سلوك موجود في كل الكائنات ؛ أم أنه مقصور فقط علي الإنسان ؟!. لم أغادر مكان الإصطدام ثم بدا لي بعد أن توقفت بعربتي علي جانب الطريق وتأملت جثة الكلب ؛ الذي مات لتوه ودون أن تتوقف العربة التي قتلته أن أقوم بدفن جثة الكلب أو أن أزحزها بعيدا عن الطريق وقد حاولت أن أستوقف أي عربة تساعدني دون جدوي ؛ فاعتمدت علي نفسي في تنفيذ ما بدا لي ؛ وحين شرعت في سحب جثة الكلب بعيدا عن الطريق : بدا لي أن الكلب ربما يكون أخطر شأنا ؛ مما قدرت ؛ وأنه لم يكن يجري عملية إنتحار ؛ أو تباطئ عابث في المرور من الطريق الخطر : بدا لي أن هذا الكلب الذي فقد حياته لتوه ؛ ربما كان يمارس " لعبة مع الموت " فبعد أن جرب النجاة من عربتي ؛ فقد تباطئ في عدوه متحديا الموت نفسه بتباطئه أمام العربة الأخري المسرعة وأصبح يجرب مراوغة الموت عن شجاعة وعن قدرة واستهانة بالحياة ولم يتملكه الخوف والفزع ؛ ولم يفرح بالنجاة السهلة التي حصل عليها من تجنبي صدمه وقتله ؛ بل شرع هو في صنع محاولة نجاته من العربة الأخري المسرعة والتي لم يتحقق نجاحها وقد خاب أمله ؛ فيما كان يروم من نجاة بغير أن يصاب بالهلع ؛ ويحصل علي نجاة كريمة .

وقد تأكد لدي يقيني أنه مارس ذات الكيفية التي عبر بها الطريق في ثقة قبل ذلك ؛ وأنها ربما تكون هذه تسليته في الحصول علي لذة كبري وأنه كان يأمل أن يعود سالما مثلما عاد في المرات السابقة التي تحدي فيها الموت وأنه في هذه المرة كان يكرر تجاربه السابقة ؛ فلربما حظي بالنجاة هذه المرة أيضا ؛ في لعبته الشخصية مع مراوغة الموت .

محمد الصباغ