جريدة الديار
الثلاثاء 7 مايو 2024 04:27 صـ 28 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محمد عبد الباسط عيد يكتب : من أجل القيمة عيد ميلاد جابر عصفور

 الدكتور جابر عصفور لم يُقرأ بما يكفي، قد تقول إن ذلك يعود إلى تراجع القراءة بشكل عام وسط جموع مشغولة بضرورات الحياة، وقد تقول: إن ذلك يرجع إلى طبيعة الدكتور جابر الذي انشغل بالواقع الثقافي إلى أقصى حد، عبر مناصب قيادية متعددة المواقع، وعبر كتابات كثيرة تشتبك بالأساس مع أسباب التخلف، وعلى رأسها ما يحمله أو يمثله تيار الإسلام السياسي.. وهذا جعل مشروعه كله موضع هجوم، يقوم به غالبًا هذه الجوقة التي تهاجم من مجرد العنوان..!

عرفت الدكتور Gaber Asfour بعيدًا عن كل هذه الصراعات، فلم يشغلني منه هذا الوجه الذي شغل أبناء جيله وانتقل منهم إلى تلاميذهم، وما أشقى هذا الإرث ينتقل من جيل إلى جيل..!!

جابر عصفور أحد علامات النقد العربي المعاصر، بل قل أحد أعمدته، انتقل إليه إرث طه حسين عبر سهير القلماوي فكان نعم التلميذ الذي تلقى المعرفة متصلة غير منفصلة، وحمل همّ النهوض، فكتب وألف وترجم وأرسى قواعد العمل في أهم مؤسسات الترجمة في هذا البلد، وبالتالي كان نعم الأستاذ بكل هذا البناء على هذا الإرث العزيز. 

 للدكتور جابر اجتهادات كثيرة، و(مشاريع) تحتاج أن تنتقل إلى جيل تالٍ، وهذا ما يجب أن نقوله اليوم: هناك مأساة في مفهوم الأستاذ ومأساة أكبر في مفهوم التلمذة، رغم أنني شاهدت بنفسي هذا الرجل وهو يدرس لطلبة الدكتوراه، ثلاث ساعات متصلة، وهو في هذه السن، يقول لهم ويسمع منهم، ويصوِّب لهم، دون كلل أو ملل حتى ينتهي الوقت  ..!!

أعتبر نفسي أحد تلاميذ الدكتور جابر، رغم أنني من مدرسة علمية مغايرة إلا أن أثره عليّ كان أقوى من أي أثر آخر،  ولقد كتبت في هذا المكان وفي غيره أنني مدين بكتابي الأول (النص والخطاب..قراءة في علوم القرآن) لهذه المقدمة المنهجية التي وضعها جابر عصفور في قراءة التراث في تسعينيات القرن الماضي، وقلت: لم يكن لي أن أنتهي من هذا الكتاب قبل أن تتشرب روحي قبل عقلي هذه المقدمة، وقبل أن أناقشها لأبني عليها وأطور فيها.

لم أقابل الدكتور عصفور إلا متأخرا، ولم أقربت منه - إنسانيا - إلا متأخرًا، وما يمكنني الحديث عنه في هذا الجانب قليل، يتعلق بالأساس بطبيعة هذه اللقاءات، من حيث كرمه الكبير، ومحبته للناس، وحدبه على الضعفاء منهم، وترفعه عن الصغائر ... وبيننا موعد قريب، أدير معه حوارًا واسعا حول مشروعه الفكري والنقدي وحياته المباركة ..!!