جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 06:46 صـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

علي جمعة: المسلمون آمنوا بالمطلق والعلمانية اعترفت بالنسبي

علي جمعة
علي جمعة

أكد الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، أن المسلمين آمنوا بالمطلق، حيث آمنوا بالله قبل الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.

وفي الفكر الإسلامي آمن المسلمين بنسبية الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، كما آمنوا بالقيم المطلقة الرحمة والظلم والقسوة، وهذا هو أحد أركان الإسلام، حسبما قال الدكتور على جمعة.

وأشار علي جمعة إلى أن العلمانية تؤمن بالنسبية المطلقة، عكس الفكر الإسلامي، والمعتقد بذلك ينكر الله، وينحيه من التلقي منه سبحانه وتعالى، أو يهميشه من الحياة، ويحول مسألة الإيمان بالله إلى مسألة شخصية جانبية تمثل إيمانًا خاصًا، ولا تمثل قضية للوجود.

وكتب الدكتور على جمعة، عبر صفحته الرسمية بالفيس بوك، في شأن الفكر الإسلامي "إن المتأمل في الفكر الإسلامي يجد أن المسلمين قد آمنوا بالمطلق، واعترفوا بالنسبي، وإيمانهم بالمطلق تمثل في إيمانهم بالله فالله سبحانه وتعالى كان قبل الزمان والمكان والأشخاص والأحوال".

الإيمان بالقيم المطلقة في الفكر الإسلامي

ويقول جمعة إن "الجهات الأربعة التي تحكم الواقع المعيش، والتي ينسب إليها، ولذلك نسمي هذا المتغير بالنسبي، نسبي في الزمان أو نسبي في المكان، أو نسبي في الأشخاص أو نسبي في الأحوال، والله سبحانه وتعالى هو المطلق الفرد الذي لا يحده شيء من ذلك كله".

وعن الإيمان بالقيم المطلقة في الفكر الإسلامي قال علي جمعة "وآمنوا بإطلاقية القيم، فالعدل عدل في كل ذلك– أعني هذه الأربعة- والرحمة رحمة، والظلم ظلم، والقسوة قسوة، ولذلك نرى في القرآن الكريم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة:8]

ويقول ربنا سبحانه وتعالى: (وَأَوْفُوا الكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام:152]

وأضاف جمعة "الإيمان بالمطلق بهذا المعنى أحد أركان الإسلام، والمكون الأساسي للعقل المسلم، فهو من النموذج المعرفي الذي يواجه به المسلم الواقع ويفسره به، ويقومه من خلاله".

النسبية المطلقة في العلمانية تنكر الله

أما عن النسبية المطلقة والعلمانية قال علي جمعة: "قد نستطيع أن نعرف العلمانية، بأنها تؤمن بالنسبية المطلقة، وأن الإيمان بالنسبية المطلقة هو الذي يمثل ما أسماه الدكتور عبد الوهاب المسيري (بالعلمانية الشاملة) وحينئذ فلا بأس عند ذلك المعتقد أن ينكر الله، ولا بأس عنده أن ينحيه من التلقي منه سبحانه وتعالى، أو من تهميشه من الحياة، وتحويل مسألة الإيمان بالله إلى مسألة شخصية جانبية تمثل إيمانا خاصا، ولا تمثل قضية للوجود".

وتابع الدكتور علي جمعة: "هذه النسبية المطلقة تؤثر كثيرا في التفسيرات اللغوية، وتجعل الكون لا حقيقة له في نفسه، بل إنه كما يراه الراصد، وكما يراه كل إنسان على حدة، فليس للأشياء حقيقة ثابتة، وهو ما ينقلنا إلى مذهب السوفسطائية القدماء وإلى مذهب الغنوصية الحلولية، والتي يتصور الإنسان فيها الله جل جلاله داخل الكون، وليس مفارقا له".

وقال جمعة عن مذهب الغنوصية الحلولية "هو التيار الذي شاع في أوساط حركة مع بعد الحداثة، وكاد يتحكم في التيار العام للفكر الغربي في العصر الحديث. وعليه يمكن لنا أن نطبق هذا المدخل على تفصيلات تزيده وضوحا في كيفية التعامل بواسطته مع النصوص الشرعية ومع الواقع المعيش".

أزمة خلق القرآن

وأشار علي جمعة إلى الفرق بين معنى إطلاقية القرآن، وبين تفسيره بصورة واقعية، وبين تفسيره من خلال منظومة النسبية المطلقة، قائلًا: "فإطلاقية القرآن عرفها تاريخ الفكر الإسلامي في صورة القول بأنه غير مخلوق".

وتابع: "كلنا يتذكر محنة الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة، وأحد الأئمة الأربعة المتبوعين إلى يومنا هذا؛ حيث وقف وقفة صلبة في قضية الدعوة لخلق القرآن، والتي تؤدي مباشرة إلى أنه محصور في زمانه، أو مكانه، أو للأشخاص الذين خاطبهم، أو في الحال الذي نزل فيه".

وأوضح عن أزمة خلق القرآن أنه "الأمر الذي رفضه جماهير المسلمين؛ لأنهم يعلمون لازم ذلك المذهب، وهو ما يسميه بعضهم في العصر الحاضر، بتاريخية القرآن، بمعنى أنه نزل لعصر بعينه، وأن العصر قد انقضى بظروفه وأشخاصه ومصالحه".

واختتم علي جمعة حديثه: "إنه لم يبق لنا من القرآن إلا ما يمكن أن نؤمن به، أو نستعمله في عصرنا الحاضر، ويتم بذلك تنحية القرآن عن واقع الناس، وتنحية عن كونه كتاب هداية، وتنحية الإسلام عن عالميته، وعن مفهوم النسق المفتوح الذي جاء به، ولم يفرق فيه بين عربي وأعجمي، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين رجل وامرأة، كما أنه يفتح القول بالنسبية المطلقة التي نراها قد أدت إلى نفي حقائق الأشياء".