جريدة الديار
الخميس 9 مايو 2024 09:23 مـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محيي الدين: مبادرة المشروعات الخضراء الذكية كنموذج لتوطين الاستثمارات والتنمية

تكررت الإشارة للإستثمارات الذكية الخضراء في برامج الإصلاح الإقتصادي، وكذلك في جهود التصدي لتداعيات الجائحة الصحية والسعي لإستعادة وتيرة التنمية والتقدم سواء في دول متقدمة أو في البلدان النامية والأسواق الناشئة، ويقصد بالإستثمارات الذكية الخضراء تلك التي تتبنى التحول الرقمي وتحقيق أهداف الإستدامة وفي هذا الشأن إعتباران، الإعتبار الأول، يتعلق بالمُكون الذكي لبرامج النمو والتنمية بما يتطلب الإستثمار في نظم البيانات وشبكات المعلومات وأمنها، كما يستدعي تطوير رأس المال البشري تعليماً وتدريباً، خاصة في المجالات المُستجدة المرتبطة بما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة، بما في ذلك إستخدامات الذكاء الإصطناعي والتعامل مع قواعد البيانات الكبرى، والإعتبار الثاني، يتعلق بنهج الإستدامة، فبالرغم من خطورة تغير المُناخ فإن من الخطأ البالغ أن تختزل قضية الإستدامة فيها وحدها دون غيرها، أو أن يتم تحبيذ إجراءات بعينها ظنًا بأنها وحدها القادرة على التعامل مع تدهور أوضاع المناخ وتدني نوعية الحياة على الأرض. فقد جعل التوافق الدولي الذي تم في عام 2015، بالإعلان عن أهداف التنمية المُستدامة، والتصدي لتغير المُناخ من ضمن أهداف التنمية المُستدامة السبعة عشر، ويشكل هذا الهدف ورقمه 13 مع الهدف 14 عن الحياة تحت الماء، والهدف 15 عن الحياة في البر مجموعة متكاملة للأبعاد البيئية والحفاظ على تنوعها والعمل المناخي بمقتضى إلتزامات إتفاق باريس للمناخ 2015

ولكن ما جرى من إختزال للإستدامة في هدف واحد مع إفتراض أن مقتضاه أن الإستثمار في التصدي لتغير المناخ ستصاحبه منافع مشتركة بما يحقق التنمية المنشودة يهدد بترسيخ التنافر بإيجاد مسلكين متباعدين، مسلك سريع توجه إليه الإستثمارات وسُبل التمويل وترتاده دول متقدمة من أنصار المفهوم الضيق للإستدامة بقصرها على ما يتعلق بتغير المُناخ، ومسلك بطيء شحيح الموارد تصارع فيه الدول النامية ترتيب أولوياتها لتحقيق باقي أهداف التنمية المُستدامة، والتي لن تتحقق تلقائيًا بفضلات المنافع المشتركة الموعودة لإستثمارات العمل المناخي.

وقد سنحت الفرصة للبلدان النامية في شرم الشيخ، لإستعراض هذا المنهج الشامل للإستدامة وتحديد متطلبات نجاحه، وعزز من ذلك إختيار الرئاسة المصرية لمؤتمر أطراف إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المُناخ (COP27)، شعار "معًا من أجل التنفيذ" لعقد المؤتمر، وهو ما عكس وجود قناعة بحتمية المضي قدمًا على نحو سريع وفي إطار منهجية شاملة نحو التنفيذ العملي للإلتزامات والتعهدات ذات الصلة بالتصدي لأزمة تغير المُناخ، وقد حرصت مصر في إطار جهودها لرئاسة وإستضافة مؤتمر (COP27)، وكذا في إطار جهودها الرامية إلى تنفيذ رؤية مصر 2030، والإستراتيجية الوطنية لتغير المُناخ 2050، على تقديم نموذج تطبيقي رائد في مجال التنمية المُستدامة والتحول الرقمي والتعامل مع آثار التغير المُناخي. فلقد قامت اللجنة العليا المعنية بالتحضير لإستضافة مصر لمؤتمر (COP27)، برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء في 23 يونيو 2022، بإطلاق المُبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية بمحافظات الجمهورية. وتؤكد هذه المُبادرة على جدية الدولة المصرية في التعامل مع البُعد البيئي والتحول الرقمي في إطار جهودها لتحقيق أهداف التنمية المُستدامة من خلال وضع خريطة على مستوى المحافظات للمشروعات الخضراء الذكية وربطها بجهات التمويل وجذب الإستثمارات اللازمة لها.

وتقوم المُبادرة على إيجاد إطار تنافسي بين كافة محافظات الجمهورية لتقديم مشروعات خضراء ذكية في سياق مسابقة وطنية سنوية، وتنقسم تلك المشروعات إلى الفئات الست التالية المشروعات كبيرة الحجم، والمشروعات المتوسطة والمشروعات الصغيرة (خاصة المرتبطة بمُبادرة حياة كريمة والمشروعات المقدمة من الشركات الناشئة والمشروعات التنموية المتعلقة بالمرأة وتغير المناخ والإستدامة والمُبادرات والمشاركات المجتمعية غير الهادفة للربح، وقد قدم في خلال فترة وجيزة منذ تفعيل المبادرة 6281، مشروعًا من كافة المحافظات في مختلف الفئات الست المشار إليها من خلال منصة إلكترونية موحدة تم إنشاؤها خصوصًا للمُبادرة.

وأعلنت اللجان التنفيذية للمُبادرة بكافة المحافظات برئاسة السادة المحافظين عن 162 مشروعًا تم إختيارها للتصفية النهائية، ثم قامت لجنة تحكيم وطنية برئاسة رائد المناخ للرئاسة المصرية لمؤتمر (COP27) ، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل أجندة 2030 للتنمية المُستدامة، والتي تضم خبرات فنية متخصصة، بالإعلان عن 18 مشروعًا فائزًا على مستوى الجمهورية بواقع ثلاثة مشروعات من كل فئة من الفئات الست، فضلًا عن مشروع ممثل للمحافظة يتم إختياره وفقًا لمعايير وأولويات محددة من قبل السيد المحافظ، وأعقب هذه الخطوات عقد مؤتمر وطني في شهر نوفمبر 2022، تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية وبحضور السيد رئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنيين وممثلي الوزارات المختصة بما في ذلك وزارات التخطيط والتنمية الإقتصادية والتنمية المحلية والبيئة والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات لعرض المشروعات الفائزة بحضور ممثلي جهات وطنية ودولية مختلفة، ثم تم عرض تلك المشروعات خلال مؤتمر (COP27)، بتنسيق مع وزارة الخارجية ورئاسة المؤتمر بحضور متميز من المؤسسات الدولية والقطاع الخاص والبنوك والجامعات ومراكز البحث ومنظمات المجتمع المدني.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن إستطلاع رأي أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) لقياس مدى معرفة المصريين بقضايا تغير المُناخ أجري قبل قمة شرم الشيخ في شهري أغسطس وأكتوبر 2022، قد أوضح أن 69% من المصريين لم يسمعوا عن تعبير " التغير المناخي من قبل، فبجانب ما تقدمه مُبادرة المشروعات الخضراء والذكية من حلول عملية تُسهم في توفير فرص العمل وزيادة الإستثمارات والنمو، فإن إجراءها بشكل سنوي سيسهم بشكل كبير في نشر الوعي للتصدي للآثار السلبية لتغير المُناخ، وتمكين كافة فئات المجتمع على المستويات المحلية بما في ذلك الشباب والمرأة للقيام بدور فعال في هذا الصدد، فالمبادرة تنطوي على تنظيم برامج تدريبية للتعريف بماهية الإستدامة وتغير المُناخ والتحول الرقمي وعلاقة ذلك بالمشروعات المنفذة في المحافظات.

وفي إطار الإعداد لعقد النسخة الثانية من المبادرة خلال عام 2023، يسير العمل للبناء على نجاح هذه المُبادرة بالتعاون مع المؤسسات التنموية الدولية والبنوك والقطاع الخاص وحشد الجهود الوطنية اللازمة لتطوير المُبادرة وزيادة التعريف بها وتقديم الدعم الفني للمتقدمين للمشروعات في إطارها، والعمل على حشد التمويل من مصادر مختلفة سواء لمساندة وتطوير المشروعات القائمة بالفعل أو للإسهام في بداية عمل مشروعات جديدة كنماذج متميزة لتوطين التنمية المستدامة.

"نُشِر المقال بمجلة (آفاق المناخ) الصادرة عن مركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء"