جريدة الديار
الخميس 5 يونيو 2025 06:27 مـ 9 ذو الحجة 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

غرينبيس الشرق الأوسط و شمال إفريقيا توصي بتعزيز الإستثمارات الخضراء العادلة

كشف تقرير حديث صادر عن منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) بالشراكة مع الحركة النسوية للعدالة الاقتصادية والإيكولوجية والتنمية في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا (مينافيم)، عن تزايد مكانة مصر كلاعب إقليمي رئيسي في تحول قطاع الطاقة العالمي، نظرًا لإجتذابها إستثمارات دولية كبيرة في الطاقة المُتجددة و الهيدروجين الأخضر. ومع ذلك، يُثير التقرير تساؤلات مهمة حول مدى إنعكاس هذه الإستثمارات الضخمة على التنمية المُستدامة و العدالة الإجتماعية و البيئية للمجتمعات المحلية في مصر و المغرب، داعيًا إلى تبني منهج أكثر شمولية و عدالة في هذا التحول.

و أوضحت المُنظمة في بيان صادر عنها اليوم، أن التقرير أثار العديد من الأسئلة حول طبيعة هذه الإستثمارات و تأثيرها، حيث تطرق التقرير للإستثمارات الأوروبية في قطاعات الطاقة و الزراعة في كل من مصر و المغرب، بما في ذلك إستثمارات البترول و الغاز الطبيعي، و الطاقة المُتجددة، و الهيدروجين الأخضر، و الزراعة للأغراض الصناعية، داعيًا البلدين لتبني منهجًا أكثر شمولية و عدالة فيما يتعلق بالإستثمارات في الطاقة الخضراء و الصديقة للبيئة، مُؤكدًا أن هذه الإستثمارات في مجموعها تتيح العديد من الفرص الواعدة، إلا أن الإهتمام الرئيسي للتقرير ينصب على تأثير هذه الإستثمارات على المستويات الإجتماعية و الإقتصادية والبيئية، لا سيما في المجتمعات المحلية للدولتين.

و أشار التقرير، إلى أن مصر عبّرت في أكثر من محفل و مناسبة دولية عن رغبتها في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة و دولة قائدة للتنمية المُستدامة، وقد أعلنت البلاد عن عدد كبير من مشاريع الطاقة المُتجددة و الهيدروجين الأخضر تتجاوز قيمتها 40 مليار دولار، بما في ذلك مشاريع ضخمة مثل محطة بنبان للطاقة الشمسية في أسوان و مزرعة جبل الزيت لطاقة الرياح و غيرها، إلا أنه لا بد من ربط هذه المشروعات بتنمية المجتمعات المحلية و هو الأمر المُتبقي إنفاذه في ظل هذا الزخم في إستثمارات الطاقة المُتجددة الذي شهدته مصر خلال السنوات الأخيرة، فالتقرير يطرح تساؤلات مُهمة حول مدى إنعكاس هذه المشاريع و المُبادرات واسعة النطاق على تنمية المجتمعات المحلية، وهل هي فعلًا مفيدة للبشر؟ أم أنها تُمثل نموذجًا مُكررًا من المشاريع الإستخراجية للطاقة و نماذج التنمية المُوجهة للتصدير؟، دون تحقيق العدالة البيئية و الإجتماعية المنشودة.

و تعليقًا على ذلك، قالت غوى نكت، المديرة التنفيذية لمُنظمة غرينبيس الشرق الأوسط و شمال إفريقيا؛ "تلتزم غرينبيس الشرق الأوسط و شمال إفريقيا بالعمل المُشترك و التعاون مع الجهات المعنية في مصر، من أجل تطوير سياسات و مُبادرات تتوافق مع معطيات و حقائق واقعنا الإقليمي، بما يضمن أن تعود مُبادرات التحول الأخضر لقطاع الطاقة في مصر بالفوائد على التنمية الإقتصادية الوطنية و المجتمعات المحلية، مع خفض التأثيرات السلبية على المناخ."

ومن أجل تشكيل مستقبل أكثر عدالة في مجال الطاقة، دعا التقرير لضرورة إعادة النظر بشكل جَذري في نماذج الإستثمار الحالية، مع أهمية التحول لحلول لا مركزية للطاقة المُتجددة تقودها المجتمعات المحلية، مع منح الأولوية للإحتياجات الوطنية بدلاً من نموذج النمو الإقتصادي القائم على التصدير.

كما دعا التقرير إلى تطبيق سياسات أقوى للتخلص التدريجي من بدائل الوقود التقليدي كالنفط و الغاز، و توسيع ملكية المجتمعات المحلية لمشاريع الطاقة المُتجددة، و زيادة الإستثمار في الزراعة المُستدامة.

و كأمثلة على هذا التصور البديل، أكد التقرير وجود نماذج ناجحة قائمة في مصر، مثل مُبادرة "سيناوية" في جنوب سيناء، و نموذج الزراعة الحيوية لشركة "سيكم"، و الذي سَلط الضوء عليها من خلال قيامه بتوثيق عمل "سيناوية" ضمن فيلم و ثائقي سيتم بثه قريبًا، مُشيرًا إلى أن هذه الجهود المجتمعية تُمثل نماذج عملية للإكتفاء الذاتي الغذائي، و إستعادة النظم البيئية، و تمكين المجتمعات المحلية، و هي في مجموعها تمثل بدائل متكاملة قوية للمنهج القائم على المشاريع الضخمة على المستوى الوطني.

و قالت شيرين طلعت، مديرة الحركة النسوية للعدالة الإقتصادية و الايكولوجية و التنمية في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا (مينافيم): "لا يمكن للإستثمارات الأجنبية المباشرة وحدها ضمان العدالة أو تحقيق الإستدامة، إنّ مجتمعاتنا ليست مُجرد قوة عاملة أو أراضٍ يتم إستصلاحها أو إستخراج ثرواتها من أجل إزدهار الأسواق العالمية، إنّ المجتمعات المحلية هم أصحاب الأرض الفعليين و لهم خبرة لا تقارن بأراضيهم و ثرواتهم و كيفية حل مشاكلهم، كما أنهم يشكلون العامل الرئيسي لبناء إقتصاد أخضر عادل و مرن"، مُضيفة " إننا بحاجة لأنظمة طاقة تُمكّن المواطنين بدلاً من إستنزاف مواردهم، بحيث تصبح أنظمة قائمة على الحقوق و الملكية و الكرامة."

وشددت حنين كسكاس، مسئولة الحملات في غرينبيس الشرق الأوسط و شمال إفريقيا: " يجب أن تكون الإستدامة شاملة و عادلة، بحيث يكون الإنسان و البيئة لهما الأولوية القصوى عند إتخاذ القرارات الإقتصادية. لذلك علينا الدفاع عن إنتقال عادل لقطاع الطاقة يمنح الأولوية للمجتمعات المُتأثرة و يضمن قدرتها على الصمود البيئي و الإقتصادي على المدى الطويل."

في الختام، دعا التقرير إلى تبني نظرة مختلفة للإستثمارات الأجنبية في مصر بحيث تكون قائمة على شراكات حقيقية تعزز حق المجتمعات المحلية في تقرير المَصير بدلاً من زيادة و تعزيز التبعية، و يؤكد التقرير أن على مصر أن تلعب دورًا أكثر فاعلية في رسم ملامح قطاعات الطاقة المُتجددة و الهيدروجين و الزراعة، بحيث تتماشى مع المصالح الوطنية، مع وضع رفاهية الشعب و مصالحه على قمة هرم الأولويات.

وأضافت أن تحقيق ذلك لن يكون مُمكنًا إلا من خلال إصلاح النظام المالي العالمي الحالي الذي يمكن مصر و الدول المُماثلة لظروفها من التخلص من دوامة الديون و النماذج الإقتصادية القائمة على إستخراج الثروات الطبيعية، كما أنه و في الوقت الذي تقف فيه مصر على مُفترق الطرق في تحولها نحو الإقتصاد الأخضر، أصبح من الضروري أن تتحول الإستدامة لأولوية إجتماعية أكثر شمولًا و عدالة، مع مراعاة الجانب البيئي.