نميرة نجم من نيويورك: أوقات صعبة وتحديات كبرى تواجه الهجرة في العالم

تتصدر الرياضة واجهة الحلول العملية لتجاوز تحديات الهجرة و التنقل عالميًا، حيث أكد خبراء دوليون أن هذا المجال لا يقتصر على كونه نشاطًا ترفيهيًا، بل يُمثل أداة إستراتيجية فاعلة لتعزيز الإدماج الإجتماعي وصون الكرامة الإنسانية للمُهاجرين. و قد جاء ذلك خلال إجتماع دولي رفيع المستوى عقد ضمن أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بهدف تسليط الضوء على قُدرة الرياضة في توفير فضاء حقيقي للتماسك الإجتماعي، و تصحيح الصور النمطية السلبية عن المُهاجرين، و تحويل البيانات إلى سياسات هجرة رشيدة و مستدامة، خاصة في القارة الإفريقية. و قد إتفق المشاركون على أن الإستثمار في الرياضة و الهجرة هو إستراتيجية أساسية لبناء مجتمعات أكثر عدلًا و تضامنًا.
أكدت السفيرة د. نميرة نجم، خبيرة القانون الدولي و الهجرة ، و مديرة المرصد الإفريقي للهجرة، ان الهجرة والتنقل في هذه الأوقات المضطربة تواجه تحديات حقيقية على المستوى العالمي ، و أن الرياضة قد تكون إحدى الوسائل العملية لتجاوز بعض هذه التحديات، من خلال توفير فضاء يتيح الإدماج الحقيقي للمهاجرين ، فالرياضة ليست مجرد نشاط بدني أو ترفيهي، بل تشكل أداة استراتيجية قادرة على تعزيز الإدماج الاجتماعي، وصون الكرامة الإنسانية، وربط الهجرة بحوكمة فعالة ومستدامة في إفريقيا ، جاء ذلك خلال مشاركتها في الاجتماع رفيع المستوى حول “توظيف قوة الرياضة كأداة للإدماج الاجتماعي وحوكمة الهجرة”، الذي نظمته وزارة الخارجية المغربية و منظمة الهجرة الدولية IOM ضمن أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة،، أمس بمبني الأمم المتحدة بنيويورك.
وقالت السفيرة نجم إن المرصد الإفريقي للهجرة، الذي تأسس بمبادرة جلالة الملك محمد السادس ملك المغرب ، يركز على توفير بيانات دقيقة ومنسقة عن الهجرة والتنقل من وإلى وداخل إفريقيا، وتحويلها إلى معرفة تحليلية لدعم الدول في تبني سياسات قائمة على الأدلة. وأضافت أن العلاقة بين الرياضة والهجرة تتجلى بوضوح في كأس العالم لكرة القدم ، حيث شهد العالم فرقًا وطنية تضم لاعبين من خلفيات مختلفة يلعبون بتناغم ضمن فريق واحد، وهو المثال الحي على الإدماج الفعلي الذي لا يتحقق إلا من خلال حوكمة هجرة رشيدة وعادلة وفعالة.
وأوضحت السفيرة أن الرياضة والهجرة يرتبطان بثلاثة محاور أساسية :
أولا :تحدي السرديات القائمة حول الهجرة ، و أن الصور النمطية السلبية والوصم الاجتماعي للمهاجرين تمثلان أكبر العقبات أمام التماسك الاجتماعي، وأن المعلومات المضللة تغذي هذه التصورات الخاطئة. ومن هذا المنطلق، تكمن مهمة المرصد في استبدال الصور النمطية بالحقائق من خلال جمع البيانات وتحليلها ونشرها حول اتجاهات الهجرة، لتقديم صورة دقيقة وواقعية عن التنقل الإفريقي، تُظهر المهاجرين كفاعلين في التنمية، وبناة صمود، ومساهمين في إثراء الثقافة.
وأوضحت السفيرة أن حوالي 80% من الهجرة الإفريقية تبقى ضمن القارة نفسها، وهو ما يؤكد أهمية فهم الهجرة الداخلية عند صياغة سياسات فعالة.
و ثانياً: ترجمة القيم الإنسانية إلى سياسات ملموسة عبر البيانات.
أشارت السفيرة نجم إلى أن ممارسة الرياضة حق من حقوق الإنسان، يشمل عدم التمييز وصون الكرامة الإنسانية، وهي قيم جوهرية أيضًا في الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة المعتمد في مراكش.
ولتحويل هذه القيم إلى برامج وسياسات عملية، لا بد من تحويل البيانات إلى معرفة دقيقة، باعتبار المعرفة الجسر الذي يحول المبادئ الإنسانية إلى سياسات قابلة للتطبيق. ومن خلال إنشاء مراكز بيانات إقليمية للهجرة في أنحاء القارة، يمكّن المرصد الدول الأعضاء والمجموعات الاقتصادية الإقليمية من صياغة سياسات مستهدفة وفعالة وشاملة، تتوافق مع احتياجات السكان المهاجرين وقدراتهم ومهاراتهم.
ثالثاً: تعزيز روح الفريق والشراكات.
وأكدت السفيرة أن حوكمة الهجرة، مثل الرياضة، ليست مهمة فردية، بل تحتاج إلى عمل جماعي وتعاون مستمر. وأوضحت أن المرصد يؤسس عمله على مبادئ التعاون، ويعمل يوميًا مع شركائه من المنظمة الدولية للهجرة، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، وكافة التجمعات الاقتصادية الإقليمية الإفريقية لبناء نهج منسق.
وأشارت إلى أن الفعالية الحالية ستسهم في توسيع هذا الفريق وتعزيز الشراكات بين الحكومات والمنظمات الدولية والحركة الرياضية العالمية، وتمكين الاتحادات الرياضية والحركة الأولمبية من توجيه مبادراتها بفعالية، وقياس أثرها، والدعوة إلى سياسات تهيئ بيئة مناسبة للإدماج وتعزيز فرص المشاركة للجميع.
وختمت السفيرة نجم كلمتها بالدعوة إلى دمج الرياضة كركيزة استراتيجية ضمن حوكمة الهجرة، مع الالتزام بالبيانات والأدلة والكرامة الإنسانية، بما يضمن أن يتمكن كل فرد، بغض النظر عن أصله، من اللعب والمساهمة بمواهبه وأن يكون عضوًا فاعلاً ومقدّرًا في المجتمع.
ونوهت السفيرة نجم إن المرصد الإفريقي للهجرة على أتم الاستعداد للقيام بدوره في دعم الرياضة كأداة محورية للإدماج والهجرة، مؤكدًة أن الاستثمار في الرياضة والهجرة هو استراتيجية لبناء مجتمعات أكثر عدلاً وتضامنًا، وعالم يتيح الفرصة للجميع لإبراز مواهبهم والاندماج الكامل.
و قد أكد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في كلمته الافتتاحية للاجتماع الدولي ، أن الرياضة تمثل أداة استراتيجية لتعزيز الإدماج الاجتماعي وفهم الهجرة كفرصة للتنمية، وليست مجرد منافسة أو لعبة.
وأوضح الوزير أن أكثر من 300 مليون شخص يعيشون خارج أوطانهم، محملين بالآمال والمواهب، وأحيانًا المعاناة، لافتًا إلى أن المغرب اختار تنظيم هذا الحدث كمنصة للتبادل وتجسيد نموذج متكامل للحوكمة الإنسانية للهجرة.
وأشار بوريطة إلى أن الرياضة، على اختلاف أشكالها، تمنح المهاجرين مكانة متساوية على أرض الملعب: “المهاجر ليس غريبًا، بل زميل أو خصم أو موهبة، وفي النهاية إنسان”. واعتبر أن الرياضة تسهم في تصحيح الصور النمطية عن الهجرة، وتمثل إطارًا عمليًا وملهمًا لسياسات الإدماج.
وأضاف الوزير أن المغرب، الذي بلغ نصف نهائي كأس العالم 2022، شهد مساهمة كبيرة من أبناء الجالية في هذا الإنجاز، مما يعكس أن الإدماج في بلدان الإقامة يمكن أن يعزز الفخر الوطني في بلدان الأصل. كما أثنى على الدور الحاسم للأمهات في نجاح أبنائهن الرياضيين، مستشهدًا باستقبال جلالة الملك محمد السادس لأعضاء المنتخب الوطني مصحوبين بأمهاتهم، في لحظة جسدت التقدير والامتنان.
وأكد بوريطة أن الجيل القادم من الرياضيين، بما فيهم ثمار الزيجات المختلطة الجنسية، سيجسد الاندماج والانتماء المزدوج، مؤكدًا أن الهجرة يمكن أن تتحول من مصدر ريبة إلى عامل جمع ووحدة مشتركة.
وأشار الوزير إلى أن المغرب، الذي سيستضيف كأس الأمم الإفريقية في ديسمبر المقبل وكأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، سيجعل من هذه التظاهرات فرصة لتعزيز قيم التنوع والضيافة والتسامح، والاحتفاء بكل مكونات المجتمع، بما في ذلك الجالية المغربية والمهاجرون المقيمون.
وأوضح بوريطة أن مقاربة المغرب للهجرة إنسانية ومستندة إلى الأمل، مؤكّدًا أن شغف المغرب بالرياضة استراتيجي، وأن الحكومة تقترح إدماج الرياضة في الحوكمة الدولية للهجرة، واستثمار مساهمة الرياضيين المهاجرين في مراجعة تنفيذ ميثاق مراكش، إضافة إلى إطلاق “مجموعة أصدقاء الرياضة والهجرة” لتبادل البيانات والمبادرات بين الدول والمنظمات والمجتمع المدني.
وختم الوزير بالقول إن المغرب مقتنع بأن الرياضة هي “استعارة حية للهجرة”، داعيًا إلى جعل الميادين الرياضية فضاءً لتجسيد القيم الإنسانية ومختبرًا لمستقبل الهجرة الآمنة والمنظمة.
وقد أكدت آمي بوب رئيسة المنظمة الدولية للهجرة، في كلمتها خلال الاجتماع، أن المغرب يمثل نموذجًا عالميًا في حوكمة الهجرة، من خلال مسارات منظمة، ونماذج إنسانية لإدارة الحدود، واستراتيجيات تصل حتى المستوى المحلي حيث تمس الهجرة حياة الناس اليومية.
وأشادت بدور المغرب الريادي في دعم صندوق المرونة التابع للمنظمة، مشيرة إلى أن هذه المبادرة تضع نموذجًا للعالم بأن المنظمة الدولية للهجرة يجب أن تخدم جميع الدول الأعضاء، لا مجرد الدول المانحة، وأن القيادة المغربية، بقيادة وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، وضعت الهجرة والرياضة في قلب الاهتمام العالمي، باعتبارهما مجالين مترابطين يكرسان الكرامة الإنسانية ويتيحان دمج أكبر عدد ممكن من الناس.
وقالت إن الرياضة تمنح المهاجرين فرصة لتجاوز وصمة “المهاجر”، لتصبح لحظة الانتماء والاعتراف، حيث يمكن للفتاة على مضمار الجري أو الشاب على ملعب كرة القدم أن يجد ثقته بنفسه ويكتشف هويته كلاعب وعضو في المجتمع. وأضافت أن الرياضة تمثل لغة عالمية، وسلاحًا فريدًا لربط البشر عبر الحدود، وخلق شعور بالانتماء والمواطنة.
وتطرقت إلى أحداث الاحتفال بالمغرب في كأس العالم، مشيرة إلى أن الشوارع الممتلئة في لندن كانت مثالًا حيًا على قوة الهجرة في توحيد الناس وخلق لحظات فرح جماعي، حتى دون وعي المشاركين بدور الهجرة في ذلك.
كما استعرضت رئيسة المنظمة قصصًا ملهمة لشباب مهاجرين حول العالم، مثل الشاب المغربي زكي في البوسنة والهرسك، الذي وجد في نادي كرة القدم “الاحترام” مجتمعًا يقيمه ويحوّل معاناته إلى أمل، مؤكدة أن الرياضة تحوّل الاستبعاد إلى انتماء، والمعاناة إلى صمود، وتعيد الدمج الاجتماعي للشباب المهاجرين في مجتمعاتهم المضيفة.
وأضافت أن الرياضة ليست مجرد نشاط بدني، بل منصة لإدماج الثقافات، وغرس قيم التعايش، وإظهار الإمكانات الإنسانية، كما أنها تغني المجتمعات بالمواهب الجديدة، وتفتح مسارات آمنة للتنقل وتطوير المهارات والفرص، خاصة للشباب الأكثر ضعفًا.
وأشارت إلى أن التركيز العالمي على المغرب في كأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم 2030 يمثل فرصة لتعزيز قيم التنوع والضيافة والتسامح، وجعل الرياضة أداة للاندماج الاجتماعي والاعتراف بالكرامة الإنسانية.
واختتمت رئيسة المنظمة كلمتها بالقول إن الرياضة والهجرة مرتبطتان بالإنسانية، وأن الاستثمار في الرياضة ليس ترفًا، بل هو استراتيجية لبناء مجتمعات أقوى وأكثر عدلاً وتضامنًا، مؤكدًة أن كرة القدم وغيرها من الرياضات هي لغة عالمية قادرة على توحيد البشر وتحويل التحديات إلى قصص نجاح وإلهام.
وقال لي جون هوا، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية،، إن الاتفاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمعترف بها يؤكد على أهمية المجتمعات الشاملة وتمكين المهاجرين والمجتمعات لتحقيق الاندماج الكامل والتماسك الاجتماعي.
وأشار إلى أن الرياضة والفنون والمهرجانات والعمل التطوعي تسهم في تعزيز التفاهم بين المهاجرين والمجتمعات المضيفة، مؤكّدًا دور الرياضيين من خلفيات مهاجرة في مواجهة الصور النمطية وإبراز مساهماتهم في المجتمع.
وأضاف أن المشاركة في برامج الرياضة المجتمعية تساعد المهاجرين على بناء الشبكات الاجتماعية، وإيجاد فرص عمل، والاندماج بشكل أفضل، حتى في ظل التحديات القانونية ونقص الموارد.
واختتم بالقول إن توفير الوصول الشامل والميسر للرياضة للجميع، وخاصة الأكثر حاجة، هو مفتاح عدم ترك أي شخص خلف الركب، ويعزز الشراكات لتحقيق اندماج اجتماعي فعال وحكامة هجرة سليمة.
وجمع الاجتماع وزراء، وممثلين رفيعي المستوى عن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومسؤولين كبار من المنظمات الدولية والاتحادات الرياضية، بالإضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني وشخصيات من الأوساط الأكاديمية.
شكل هذا الحدث فرصة لتسليط الضوء على مساهمة الرياضة كوسيلة لتعزيز التماسك الاجتماعي، ومكافحة الوصم، ونشر القيم العالمية للتسامح والتضامن والاحترام.
كما وفّر الاجتماع منصة لاستكشاف شراكات عملية بين الدول والمنظمات الدولية والمؤسسات الرياضية والمجتمع المدني لتعزيز تأثير الرياضة لصالح المهاجرين والمجتمعات المضيفة.
وفي إطار التحضيرات لـ منتدى مراجعة الهجرة الدولي (IMRF) المقرر لعام 2026، تساعد هذه المبادرة في تحديد سبل مبتكرة لتعزيز التعاون الدولي حول الرياضة وحوكمة الهجرة.