تحالف غير متوقع في أعماق المحيط.. الدلافين وحيتان الأوركا تربكان العلماء
في اكتشاف علمي لافت يعيد صياغة فهم العلاقات داخل النظم البيئية البحرية، كشفت دراسة حديثة عن تعاون غير مسبوق بين الدلافين ذات الجوانب البيضاء وحيتان الأوركا خلال عمليات الصيد في المحيط الهادئ، في سلوك يتناقض مع الصورة التقليدية التي تضع الطرفين في خانة الخصومة داخل السلسلة الغذائية.
الدراسة، التي نشرت في مجلة Scientific Reports ونقلت تفاصيلها شبكة “سي إن إن”، وثقت لأول مرة هذا النوع من الشراكة بين الدلافين ونوع محدد من الحيتان القاتلة يعرف باسم “الأوركا المقيمة الشمالية”، وهي مجموعة تعتمد في غذائها أساساً على سمك السلمون، بخلاف مجموعات أوركا أخرى تُعرف بافتراس الثدييات البحرية، بما فيها الدلافين.
عدسات تلتقط ما لم يري من قبل
والرصد هذا السلوك النادر، لجأ الباحثون إلى استخدام طائرات مسيرة (درون)، إضافة إلى أجهزة تتبع مزودة بكاميرات وميكروفونات جرى تثبيتها على أجسام الحيتان القاتلة.
وأظهرت التسجيلات أن الأوركا كانت تتجه عمداً نحو أسراب الدلافين، وتتحرك معها على سطح المياه، قبل أن تتبعها في غطسات عميقة تصل إلى نحو 60 متراً.
وخلال هذه الغطسات، التقطت الكاميرات مشاهد واضحة للحيتان وهي تصطاد سمك السلمون، بينما سجلت الميكروفونات أصوات “القرمشة” المميزة أثناء الافتراس، إلى جانب ظهور سحب من الدم في المياه، ما أكد نجاح عمليات الصيد المشتركة.
الدلافين عيون وآذان إضافية
وقالت الباحثة الرئيسية في الدراسة، سارة فورتشن من جامعة دالهوزي الكندية، إن هذا التعاون قد يكون قائماً على تبادل القدرات، موضحة أن الأوركا ربما تستفيد من الدلافين بوصفها “كشّافة صوتية” فكل من النوعين يمتلك قدرة عالية على تحديد المواقع بالصدى، والتعاون بينهما يوسع نطاق الرصد الصوتي في الأعماق، ما يزيد فرص اكتشاف أسراب السلمون الهاربة.
وأضافت أن هذا الأسلوب قد يساهم أيضاً في تقليل استهلاك الطاقة لدى الحيتان القاتلة، خاصة أن السلمون غالباً ما يلجأ إلى الأعماق لتفادي المفترسات.
مكاسب محدودة وحماية أكبر
في المقابل، لا يبدو أن الدلافين تحقق مكاسب غذائية كبيرة من هذا التعاون، إذ لا يُعد السلمون عنصراً رئيسياً في نظامها الغذائي إلا أن المقاطع المصورة أظهرتها وهي تلتقط بقايا الأسماك بعد انتهاء الأوركا من الأكل.
ويرجح الباحثون أن الفائدة الأهم للدلافين تكمن في عامل الحماية، فالتواجد قرب الأوركا “المقيمة الشمالية” المسالمة نسبياً قد يوفر لها درعاً طبيعياً ضد مجموعات أوركا أخرى، مثل “الأوركا العابرة”، المعروفة بافتراس الدلافين.
جدل علمي حول طبيعة العلاقة
ورغم قوة الأدلة، أبدى بعض العلماء تحفظهم على وصف ما يحدث بـ”التعاون الكامل” فقد رأت بريتاني فيسونا-كيلي من منظمة “أوشن وايز” الكندية أن الدلافين قد تكون المستفيد الأكبر، وأن الأوركا ربما تتسامح معها أكثر مما تشاركها الصيد فعلياً.
لكن فريق الدراسة رد على هذه الانتقادات بالإشارة إلى اللقطات تحت الماء، التي أظهرت بوضوح أن الدلافين تبذل جهداً حقيقياً في الغوص والمطاردة، وليس مجرد انتظار بقايا الطعام.
تحالف نادر بين مفترسات
ويُعد التعاون بين أنواع مختلفة من الثدييات المفترسة ظاهرة نادرة في عالم الحيوان، وإن كانت الطبيعة تسجل بعض الاستثناءات، مثل تعاون القيوط مع الغرير في الصيد.
وفي هذا السياق، قالت عالمة الأحياء التطورية جوديث برونستاين من جامعة أريزونا إن مثل هذه الشراكات تظهر عندما “تفوق الفوائد المتبادلة كلفة المخاطر”، مؤكدة أن اختلاف القدرات بين الأنواع قد يخلق تحالفات غير متوقعة.
ويخلص الباحثون إلى أن هذا الاكتشاف لا يكشف فقط جانباً جديداً من سلوك الدلافين والأوركا، بل يفتح الباب أمام فهم أعمق لتعقيد العلاقات داخل المحيطات، ويؤكد أن التعاون، حتى بين أقوى المفترسات، قد يكون مفتاحاً للبقاء في عالم بحري سريع التغير.





