حصاد وزارة البيئة 2025.. مصر تكرس ريادتها الدولية و تطلق ”ثورة خضراء” مستدامة
ننشر حصاد وزارة البيئة 2025 .. لم يكن عام 2025 مجرد حلقة إضافية في سجل العمل البيئي المصري، بل مثّل 'نقطة تحول استراتيجية' استطاعت خلالها وزارة البيئة صياغة معادلة دقيقة توازن بين تكريس الحضور الدولي الطاغي لمصر ودفع عجلة الاستثمار الأخضر محلياً بوصفه محركاً اقتصادياً مستداماً. وقد اتسم حصاد هذا العام بالعبور من ضفاف التخطيط والسياسات إلى آفاق التنفيذ الفعلي على أرض الواقع، حيث تجلت هذه القفزة في تدشين مشروعات الاقتصاد الأزرق، واستعادة التوازن البيئي للموارد الطبيعية، وإحداث ثورة في البنية التحتية لمنظومة المُخلّفات؛ لتؤكد الدولة المصرية التزامها الراسخ بتحويل التحديات المناخية إلى فرص تنموية تضمن جودة الحياة للأجيال الحالية والقادمة.
دبلوماسية البيئة: ريادة دولية ومنصات عالمية لصناعة القرار
توجت مصر جهودها الدولية خلال عام 2025 بترؤسها لأول مرة مؤتمر الأطراف المتعاقدة لاتفاقية حماية بيئة البحر المتوسط من التلوث (اتفاقية برشلونة) في دورتها الرابعة والعشرين (COP24). هذا الحدث الذي شهد مشاركة 21 دولة من حوض المتوسط ومنظمات دولية كبرى، عُقد تحت شعار "الاقتصاد الأزرق المستدام من أجل بحر متوسط مرن وصحي"، ليؤكد دور القاهرة المحوري في حماية البيئة البحرية إقليمياً وعالمياً.
و على صعيد المفاوضات المناخية، سجلت الدولة المصرية حضوراً فاعلاً في أعمال الدورة الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP30) بمدينة بليم البرازيلية، حيث شاركت الدكتورة منال عوض، وزيرة البيئة، نيابة عن رئيس الجمهورية، لتعزيز الموقف المصري والأفريقي في قضايا التمويل والتكيف. كما استعرضت مصر تجربتها الرائدة في "المنتدى العالمي صفر مخلفات" بإسطنبول، مبرزة ريادتها في تبني أنماط الإنتاج والاستهلاك المستدامة، وشاركت بقوة في مفاوضات وضع صك قانوني عالمي ملزم للحد من التلوث البلاستيكي.
الاقتصاد الأزرق وحماية المحميات: إنجازات رقمية و عودة الحياة للطبيعة
تبنت مصر نهجاً متكاملاً لمواكبة التوجهات العالمية عبر دمج الاقتصاد الأخضر والدائري والأزرق في بنية الاقتصاد الوطني. ومن أبرز الخطوات التنفيذية في هذا الصدد، صدور قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 4419 لسنة 2025 بإعلان المنطقة الكاملة للحيد المرجاني العظيم بالبحر الأحمر محمية طبيعية بحرية، وهي خطوة تاريخية لحماية التنوع البيولوجي الذي تنفرد به مصر.
و في إطار تسريع وتيرة التحول الرقمي، أطلقت الوزارة منظومة التصاريح والتذاكر الإلكترونية وتطبيق "Eco Monitor" لتعزيز الرصد التشاركي للتنوع البيولوجي بالتعاون مع القطاع الخاص، وهو ما انعكس إيجاباً على المسارين الاقتصادي والبيئي؛ حيث قفزت إيرادات المحميات بنسبة 30.4%، واستعاد النظام البيئي في بحيرة قارون توازنه بوصول نسبة إنجاز برنامج تأهيله إلى 73% وعودة أسراب "الفلامنجو" إليها. كما شملت النجاحات توظيف التقنيات الحديثة عبر تركيب 9 أجهزة تتبع بالأقمار الصناعية على أسماك القرش ودراسة الشعاب المرجانية، توازياً مع تعزيز النمو الأخضر بإدراج شرم الشيخ كأول مدينة خضراء عالمياً واستكمال مشروع الغردقة المستدامة، مدعوماً باستثمارات خضراء بمليارات اليورو لتعزيز التمويلات المناخية والصناعية.
كما تمكنت وزارة البيئة من تحقيق طفرة في حشد الزخم التمويلي الدولي لدعم استراتيجية المناخ 2050، تجسدت في جمع 688 مليون يورو عبر مبادرة السندات الخضراء العالمية (GGBI) بالتعاون مع شركاء دوليين لخفض 10 ملايين طن من الانبعاثات، إلى جانب تخصيص 50 مليون دولار من صندوق المناخ الأخضر لتمويل برنامج "نوفاستار" لدعم الشركات الناشئة في تكنولوجيا المناخ، بالإضافة إلى إطلاق برنامج الصناعات الخضراء المستدامة (GSI) بتمويل قدره 271 مليون يورو لتحويل المصانع المصرية نحو الإنتاج النظيف بحلول عام 2030.
وعلى المستوى المؤسسي، انتهت الوزارة من المسودة النهائية للتحديث الثالث لخطة المساهمات الوطنية المحددة (NDC 3.0)، والتي ترفع سقف الطموح المصري في خفض الانبعاثات، مع استمرار إطلاق برامج "قادة المناخ" لتمكين الشباب من ابتكار حلول واقعية.
الإدارة المتكاملة للمخلفات: طفرة في البنية التحتية والمسؤولية الممتدة
شهد عام 2025 قيادة إصلاحات تنظيمية هيكلية لتطوير منظومة المُخلّفات، حيث تم تسليم 42 مدفناً صحياً (منها 7 مدافن خلال العام الحالي فقط) و39 محطة جمع ثابتة ومتحركة. كما تم توقيع اتفاقية المرحلة الثالثة للبرنامج الوطني لإدارة المُخلّفات الصلبة بمحافظتي الغربية وقنا باستثمارات 20 مليون يورو.
و في خطوة تاريخية لمواجهة التلوث، صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 662 لسنة 2025 بتطبيق "المسؤولية الممتدة للمنتج" على أكياس التسوق البلاستيكية، بالتزامن مع إطلاق حملة التوعية القومية "قللها". كما توسعت مؤسسة الطاقة الحيوية التابعة للوزارة في إنشاء وحدات الغاز الحيوي، لينتج عنها 2.2 مليون متر مكعب غاز سنوياً (ما يعادل 87 ألف أسطوانة بوتاجاز) ومعالجة 54.3 طن مخلفات حيوية، مما يعزز مفهوم الاقتصاد الدوار.
تحسين جودة الهواء والبيئة الصناعية: مواجهة "السحابة السوداء" رقمياً
استطاعت الوزارة من خلال التنسيق مع الوزارات المعنية تجنب انبعاثات قدرت بـ 43,580 طناً خلال موسم نوبات تلوث الهواء الحادة (السحابة السوداء) لعام 2025. ونفذت أجهزة الوزارة أكثر من 1100 حملة لفحص عوادم المركبات على الطرق، شملت فحص ما يقرب من 15.4 ألف مركبة. كما تم الانتهاء من إجراء أكثر من 7700 دراسة تقييم أثر بيئي للمشروعات الاستثمارية، مع تفعيل منظومة الربط الإلكتروني لتسريع الموافقات البيئية لدعم الاستثمار.
الاستدامة المجتمعية والاستثمار البيئي: الإنسان في قلب التحول
لم يغفل حصاد 2025 البعد الاجتماعي والثقافي، حيث تم إعداد المتحف المصري الكبير ليصبح نموذجاً عالمياً للمتاحف الخضراء المحايدة كربونياً. كما تم إطلاق برنامج "بدايتك من البيئة" لتمكين ذوي الهمم في ريادة الأعمال الخضراء، ورعاية مهرجان الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة لترسيخ الوعي البيئي عبر الفنون.
ولدعم القطاع الخاص، أطلقت الوزارة "دليل التحول الأخضر للشركات الصغيرة والمتوسطة"، وطرحت فرصاً استثمارية واعدة في إنتاج الأعلاف غير التقليدية من المُخلّفات الزراعية، مع إعادة تنظيم لائحة صندوق حماية البيئة لضمان كفاءة الإنفاق على المشروعات ذات الأثر المباشر على المواطن.
رؤية 2026: أولويات المرحلة القادمة
و تستشرف وزارة البيئة العام المقبل بأجندة عمل مكثفة تضع على رأس أولوياتها استكمال رئاسة مصر لاتفاقية برشلونة، بالتوازي مع تعزيز ملفات الاقتصاد الدائري والأزرق عبر إنجاز الاستراتيجيات الوطنية الداعمة للوظائف الخضراء في المناطق الساحلية، مع المضي قدماً في رقمنة المحميات من خلال تعميم التذاكر الإلكترونية وتطوير بنية محميات جنوب سيناء والبحر الأحمر؛ كما تركز الوزارة على تطوير منظومة المُخلّفات بتقنين أوضاع القطاع غير الرسمي وإدارة مخلفات المجازر والزيوت المستعملة، وصولاً إلى استكمال أهداف استراتيجية المناخ 2050 لترسيخ مكانة مصر كوجهة عالمية رائدة للاستثمار الأخضر والمستدام.
بهذا الحصاد الشامل، تؤكد مصر أنها لا تكتفي بمواجهة التحديات البيئية، بل تحولها إلى فرص اقتصادية وتنموية تضعها في مصاف الدول الرائدة في العمل المناخي والبيئي العالمي.





