جريدة الديار
الأربعاء 8 مايو 2024 06:36 مـ 29 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

شهر شوال ميزات وأحداث

د. عبدالباسط الغرابلي
د. عبدالباسط الغرابلي

كتب الدكتور عبدالباسط الغرابلي أحد علماء وزارة الأوقاف:

ذهب عنا شهر كريم وضيف عزيز، عشنا أيامه ولياليه، منا المحسن ومنا المسئ، رحل عنا شاهدا لنا أو علينا، إنه شهر رمضان الكريم، الذي ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، وأقبل شهر شوال على الأمة الإسلامية، وله ميزات وأحداث عظيمة، نسأل الله تعالى أن يجعله شهر خير وبركة ووحدة وقوة وسعادة للإنسانية جمعاء، ولنا وقفات نستمد منها القوة  ومواصلة الطاعة ومحبة العبادة وهي كما يلي:-
أولاً : يوم العيد...     
وهو يوم سعيد ، ويوم فرحة وسرور بفضل الله سبحانه وتعالى الذي أعاننا فصمنا وقمنا، إنه يوم فرحة بتمام العبادة، قال الله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون". 
وأحوالنا في يوم العيد على هذا النحو..                

أ: نستقبل شهر شوال من كل عام بيوم العيد.

 وشهر شوال من الأشهر العربية، وهو الشهر العاشر من الأشهر الهجرية، ويأتي عقب شهر رمضان المبارك، وهو أول أشهر الحج، ويوم عيد الفطر هو أول يوم فيه، جاء في الأثر أن يوم عيد الفطر يسمي يوم الجوائز للصائمين القائمين، حيث غفران الذنوب، وستر العيوب، وأخذ الأجور، والفوز برضوان الله علام الغيوب، وهو يوم فرحة وسعادة، ولذلك يحرم صومه، عن سعد بن أوس الأنصاري عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صل الله عليه وسلم - : " إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق، فنادوا، اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادي مناد : ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة ، ويسمي ذلك اليوم في السمآء، يوم الجائزة ". أخرجه الإمام أحمد في مسنده. 

 ب: صلة الأرحام من مظاهر العيد.                  
حيث تتواصل الأسر والأقرباء ويتزاورون، ويلتقون، ويفرح بعضهم برؤية بعض، ويحققون قول الله تعالى: " واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " سورة النسآء من الآية1.  
وإن كانت صلة الأرحام  دائمة في حياة الأتقياء، لهي أحري في يوم العيد والمناسبات السعيدة، فواصل الرحم موصول من الله تعالى، وقاطعها مقطوع من رحمة الله، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صل الله عليه وسلم - قال ة: " إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت بلي يارب، قال: فهو لك" متفق عليه. ويكفي أن نعلم أن الله تعالى قرن بين قطيعة الرحم والإفساد في الأرض،  لأن البعد يولد الجفاء والكره، ويجلب الطرد من رحمة الله عز وجل، ويكون صاحبه أعمي البصيرة، قال الله تعالى: "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم" سورة محمد الآية 22 و23.
فليكن كل مسلم واصلا للرحم مطيعا لله تعالى، آملا في زيادة رزقه، طامعا في بركة عمره ..

ج: العفو والتسامح ..

 في العيد يتحتم إزالة الخلافات بين الناس، ولابد  أن يعترف المخطئ  بخطئه ويبادر  بالإعتذار، وإذا حدث هذا، وجب على صاحب الحق أن يقبل الإعتذار وأن يعفو ويصفح ، يقول الله تعالى: " فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره "  سورة البقرة من الآية 109.
 ويقول عز وجل: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله " سورة الشورى من الآية 40 .  وقال رسول الله - صل الله عليه وسلم - :"وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه". رواه مسلم،  وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - :" كل الناس مني في حل ". 
فيوم عيد الفطر هو يوم صفح وعفو وتسامح ويوم قرب من الأهل والأحباب والجيران.

ثانيا: التقرب إلى الله تعالى بالطاعة .. 
في يوم الجائزة يلبس  الإنسان أحسن ما عنده ،  شاكراً فضل ربه عليه، فرحا بلذة العبادة لله تعالى ، وإن كان في المال قل ، نقول له لا تحزن فالفرح  بطاعة الله ، ولذلك يذكر أن  بعض الزهاد خرج في يوم عيد وليس عليه ثوب جديد ، فقيل له لم تخرج في مثل هذا اليوم في مثل هذه الهيئة ، والناس يتزينون فقال : ما تزين لله تعالى بمثل طاعته "  والإنسان في العيد يلبس أحسن ما عنده ولعل هذا أحسن ما عند هذا الرجل ولذلك أرشدنا إلى زينة الطاعة . ولهذا على المسلم أن يحافظ على الطاعة فهي بالنسبة له كالماء للسمك ، والهواء للإنسان ، فلا حياة في غياب الإيمان والعمل الصالح قال الله تعالى : " أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون " سورة الأنعام الآية 122 . بل إن الصحابة كانوا في حزن حينما أرجعهم النبي - صل الله عليه وسلم - عن غزوة تبوك ، فرجعوا وهم يبكون ، فالمسلم الحق إذا حيل بينه وبين طاعة الله يحزن ، ويكون حاله كما قال الله تعالى : " ولا على اللسان إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون " سورة التوبة الآية 92 .

وقد عاش المسلمون شهرا ملائكيا على طاعة الله في جميع الأحوال من صيام وصلاة وذكر واستغفار وصدقة وبر وصلة للأرحام وصفح وعفو وقراءة لكتاب الله الخالد القرآن الكريم وعليه ينبغي المداومة على هذه الطاعات فخير الأمور أدومها وإن قل.  
           
 ثالثاً: الصيام بعد رمضان .
 الصيام المفروض هو شهر رمضان الكريم وقد صامه المسلمون ، ومر على خير وجاء العيد المبارك في شهر شوال الذي يسن فيه صيام ستة أيام ، ومثل هذه الطاعات تجعل صاحبها أرق قلبا ، وأكثر صلاحا ، وبصومها يقف الإنسان على أعتاب طاعة أخرى ولذلك يقول - صل الله عليه وسلم - : " من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر " رواه مسلم . ومن يصوم هذه الست بعد رمضان دليل على شكره لربه وحرصه على المداومة على الطاعة ، ولذلك قيل  لبشر الحافي - رحمه الله تعالى - : " إن قوما  يتعبدون ويجتهدون في رمضان ، فقال :  بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقا إلا في شهر رمضان ، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها " .               

رابعا: من أحداث شهر شوال .. 
 هذا الشهر فيه أحداث كثيرة ميزته وعظمته بين الشهور منها:
 أ- هو أول أشهر الحج حيث كان الناس قديما يتحركون للحج في شهر شوال ومعه شهري ذي القعدة وذي الحجة .

ب- في شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة استشهد الإمام حمزة بن عبدالمطلب سيد الشهداء عم رسول الله صل الله عليه وسلم

ج- في الخامس عشر من شوال سنة أربع للهجرة حدثت غزوة الأحزاب .      

د- وفي شهر شوال سنة ثمان من الهجرة حدثت غزوة حنين.

ه- في شهر شوال من السنة الثانية للهجرة حدثت غزوة بني قينقاع حينما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة واتفق مع اليهود ألا يعينوا عليه أحدا ، وإذا داهمه عدو نصروه ، فنقضوا العهد ، فحاصرهم رسول الله خمسة عشر يوما .  

و-  في شوال من السنة الثالثة للهجرة أرادت قريش الثأر لما أصابها  في بدر على يد المسلمين ، فجمعوا جيشا قوامه ثلاثة آلآف مقاتل بكامل العتاد ، وتوجهوا للمدينة بقيادة أبي سفيان ، ولما علم النبي بذلك استشار أصحابه ، واستقر الرأي على الخروج لملاقاة المشركين عند جبل أحد ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بألف من المسلمين وفي الطريق رجع عبدالله بن أبي سلول بنحو ثلث الجيش ، وبقي للنبي - صلى الله عليه وسلم - سبعمائة ، ووضع النبي خمسين راميا على جبل خلف ظهور المسلمين ، لينضحوا خيل المشركين بالنبل ، وأمرهم ألا يبرحوا أماكنهم مهما حدث ، وبعد بداية المعركة نصر الله المسلمين وأخذوا الغنائم واختلف الرماة ونزلوا ، فاغتنم فرسان المشركين الفرصة ، وكان قائدهم خالد بن الوليد ودارت الدائرة على المسلمين .

 فاللهم ارزقنا دوام طاعتك ، والنصر على عدوك وعدونا ، واجعلنا وأهلنا وبلادنا في أمنك وأمانك ورعايتك يارب العالمين ، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم ، ووفقنا لما فيه صلاحنا وفلاحنا والفوز بالجنة والنجاة من النار ، والحمد لله رب العالمين ..