جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 03:46 صـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محطات من حياة الفنان التشكيلي ” فينسنت فان جوخ“

ولد الفنان ‎ فينسنت فان جوخ بإحدى قرى هولندا كان والده قسيسًا بالقرية، حرص والدة أن يتلقى فينسنت تعليمًا مناسبًا إلا إنه ترك الدراسة في سن الخامسة عشرة وبدأ الفتى يعمل في مؤسسة لبيع اللوحات الفنية ولقى في عمله نجاح لمدة سبع سنوات ثم نُقل إلى فرع الشركة في لندن ليبقى فيها لمدة سنتين لكنه تعرض لصدمة عاطفيه شديدة لأنه أحب فتاة ولكنها استهزأت به وبمشاعره؛ فأحدث ذلك أثرًا سيئًا في نفسة وأصبح ناقمًا على الحياة وبدأت تصرفاته تتسم بالغرابة وتحول أسلوبه إلى الحدة والجفاء عند معاملة الزبائن فطُرد من العمل.

بدأ فان جوخ يتحول تدريجيًا إلى الحياة الدينية أملًأ في أن يصبح قسًا مثل أبيه وأن ينسى مشكلاته العاطفية إلا أن دراسة الرياضيات واللغة اليونانية واللاتينية في أحد المعاهد الدينية في أمستردام سببوا له الشقاء فترك الدراسة الدينية بعد خمسة عشر شهرًا اعتبرهم فان جوخ من أسوا فترات حياته، ثم حصل على وظيفة واعظ ديني لعمال مناجم الفحم في بلجيكا عام 1878م، فصدمة واقع العمال المرير وتعاطف معهم وبدأ يزهد الحياة ولكنه مع ذلك لم ينجح في وظيفته الدينية.

في خريف عام1880م، قرر فان جوخ أن يبدأ دراسة الفن بتشجيع من أخيه ثيو تاجر الأعمال الفنية الذى أرسل إليه المال، إلا أن فان جوخ كان كارهًا للقواعد الأكاديمية في تعليم الفنون مثل دراسة علم التشريح وقواعد المنظور لذلك عاد في إبريل 1881م، إلى أسرته في القرية واتخذ من أبويه وجيرانه موضوعات للوحاته الأولى، ثم اتجه إلى لاهاي – بعد أن رفضت ابنه عمه الأرملة عرضة للزواج – ليقيم عند أحد أنسبائه الذى شجعه على استكمال مشواره الفني وأعطاه مجموعة من الألوان المائية ليبدأ العمل ولكن فان جوخ تعرف على إحدى فتيات الليل فتوترت علاقته بسائر أفراد عائلته بسبب هذه العلاقة الأثمة التي استمرت عام ونصف حتى انتحرت الفتاة.

عام 1885م، عانى فان جوخ من القلق والتوتر بعد وفاه والدة فانكب على لوحاته وأخرج رائعته آكلي البطاطسthe potato Eaters، التي تميزت بالألوان القاتمة الثقيلة التي عكست اندماجه في حياة القرويين.

كان فان جوخ ينتظر المال الذى يرسله إليه أخية فلم يكن له مصدر رزق أخر وكانت ينفق أغلبه على مواد التصوير مُهملًا الطعام والشراب فساءت حالته الصحية ثم انتقل للحياة في باريس مع أخيه سنتين فاستفاد من ذلك في زيارة المعارض الفنية والمتاحف ورسم في هذه الفترة أكثر من مائتي لوحة إلا أن التشاحن والتوتر مع أخية دفعاه لكى ينتقل إلى جنوب فرنسا ويستأجر بيتًا بمفرده عام 1888م، ثم انتقل للحياة مع صديقة الفنان #بول_جوجان #PaulGauguin ولكن مناقشة حادة تطورت بينهما إلى شجار فقد فيه فان جوخ صوابه فطارد جوجان بشفره حلاقة محاولًا قتله فتركة جوجان إلى الأبد لينهار بعدها فان جوخ ويصاب بنوبه جنون قطع على إثرها الجزء الأسفل من أذنه اليسرى ثم لفها في لفافه وأعطاها إلى فتاة ليل تُدعى راشيل فقد كانت الإنسانة الوحيدة التي أحبته ولم تنفر منه أو تخذله، وقد رسم فان جوخ نفسة بعدها بأيام في لوحتين والرباط الأبيض يغطى أذنه المقطوعة حتى تعافى في يناير 1889م، وعاد إلى بيته إلا إنه كان لا يزال يعانى من التوتر والهلوسة وتخيل المرض فنقل إلى المستشفى مرة أخرى في فبراير ومكث بها عشرة أيام ثم عاد إلى بيته مرة أخرى.

مع استمرار حالات فان جوخ العصبية ازداد قلق مواطني المدينة منه فقدموا طلب إلى رئيس المدينة أوضحوا فيه مخاوفهم فأمر بإعادته مرة أخرى إلى المستشفى فأصابه الحزن والاكتئاب وتدهورت حالته النفسية وأُدخل إلى مصحة سانت ريمى في مايو 1889م، واستمر بها لمدة سنة ما بين استقرار حالته وعودة نوبات الجنون حتى غادر المصحة عندما تحسنت حالته قاصدًا أخيه ثيو في باريس، وفى هذه الفترة رسم فان جوخ رائعته (الليلة المضيئة بالنجوم(The Starry Night. كان فان جوخ موهوب للغاية قادرًا على إنهاء لوحته في يوم واحد حتى إنه في أخر حياته كان يرسم بكل طاقته لدرجة إنه استطاع أن يرسم سبعين لوحة في سبعين يوم متصلة ومنها لوحة (الحقل والغربان( Wheatfield with Crows.

في يوم الأحد السابع والعشرين من يوليو سنة 1890م، بعد عودته من أحد حقول القمح أخذ مسدسًا وأطلق النار على صدره رصاصه لم تصبه في مقتل وإنما أصابته إصابة خطيرة فعاد إلى سريرة يتألم بشدة لعدة ساعات حتى فارق الحياة وهو في السابعة والثلاثين من عمره أما أخوه ثيو فلم يتحمل فراق أخيه فرحل هو الأخر بعدها بستة أشهر فقط ودفن بجانبه. كان فان جوخ صاحب إنتاج فنى غزير فقد انتج ألفى عمل فنى منها اللوحات الزيتية والرسومات والتخطيطات إلا أنه قوبل في حياته بالنكران واللامبالاة ولم يبع في حياته إلا لوحة واحدة وهى (مزرعة العنب الحمراء (The Red Vineyard بمبلغ زهيد ومحفوظة الأن بمتحف بوشكين بموسكو، أما باقي أعماله فلم يلتفت أحد إليها وبالتالي لم يفقد منها شيء بالبيع ليلتفت العالم إلى هذا الفنان العبقري بعد وفاته بعد أن عاش منكسرًا رغم مشاعرة المرهفة ورقة قلبه.

كان لأسلوب فان جوخ الفني أثرًا في إيجاد تقنية جديدة في التصوير الزيتي مستخدمًا الألوان الملتهبة بشكل أخاذ ومتدفق. أمكن توثيق حياة فان جوخ بصورة دقيقة من خلال رسائله التي أرسلها إلى أخيه الأصغر ثيو وأفراد عائلته وأصدقائه فقد امتلأت رسائله بالمواقف ومشاعر الحزن والفرح وآلام التجارب التي عاشها.