جريدة الديار
الثلاثاء 30 أبريل 2024 07:07 مـ 21 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

سامح ادور سعد الله تكتب :حتى لا تنسى

سامح ادور سعد الله
سامح ادور سعد الله

دقت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً . هو يتابع الراديو كعادته كل يوم, معه فنجان القهوة السادة . لحظات حتى دق جرس الباب ,كان ساعي البريد قد سلمه خطابا مسجلا بعلم الوصول . فتح الخطاب و شرع يقرأ الخطاب (القاهرة في 21ابريل 1980م)

كان الخط رقيقا و رائحته ذكية, تفوح من داخله, كأنت وردةً حمراء جافة. لَم تحتمل قط ْ تساقطت أوراقها عندما أمسك بها.

عزيزي ........

أكتب إليك من بلد بعيد و يعتصـرني الألم لأجل وحدتيٍ و بعدى عنك منذ اضطرتني الظروف للرحيل بعيداً عنك حتى صارت أيامي وحيدة طويلة لا تنقضي في هذا المنفي البعيد . لعلك تندهش كيف؟ هنا بلد النور و الجمال . أشعر كأنني داخل سجن بدون أسوار فهو يحيط بي من كل أتجاه يخنق أنفاسي وأحلامي حتى أبسط حقوقي . نعم فالبعد عنك لا معنى له و الحياة لا جمال فيها.

ليل الشتاء الطويل شديد البرودة لا يمر حتى النهار القصير جدا هو عندي أطول من دهر . نور الشمس المسكوب على جبيني ما هو إلا ضباب اسود يمحو الرؤية عني تماما . حتى القمر الزاهي الذى كنا نراه سويا أراه اليوم كطير غريق في صفحة السماء الرمادية و النجوم الساطعة هي ورود، ذابلة فوق سطح بحر راكد, لم يعد لي رفيق أناجيه بأحلامي . سوى اليأس و الذل هما من يؤنسان وحدتي هنا .أعرف أني قد اخطأت كثيرا يوم تنازلت عنك لأجل الأوهام التي لا قيمة لها في زمن عمر الفرد.

أنت تعرف كم الضغوط و الشدائد التي كانت تحيط بي و كانت أقوى مني و شعرت حينها أنك جلست مكتوف الأيدي . نعم أعرف أني أنا من أخطأت و لا أحملك ما لا ذنب لك فيه . رسمنا صوراً جميلة للمستقبل بعد تلك الوعود التي منحتني إياها, ولكن رحلت !

كان بداخلي صراع عند الرحيل و الهروب من قسوة قوانينك و كثرة حبك و عطائك لي كنت كالطائر الذى رحل إلى مكان بعيد و لا يعود.

أرجوك سامحني .. فأنت وحدك من يدرى إلى أية درجة بلغت آلامي و احزاني. وهنا أنا لا اعرف ماذا أفعل بهذا الوقت اللعين البشع؟

و لكن هل هو عندك أيضاً بمثل هذه البشاعة ؟ آه لو تعرف كيف أصبحت أنهي أعمالي هنا بصورة لا تطاق، أصبحت قلقة عنيفة أغلب الأوقات حتى صارت شبحا يطاردني أينما ذهبت. وكان لابد أن أكتب اليك فكم أنا مشتاقة إليِك. فلابد أن أراك ثانية، كل جوارحي و جوانجي تهتف تريدك أنت. ذرفت دمعاتي حزنا على ما مضى. أشعر بها تترنح على خديًّ كذلك المصباح الذي يترنح بضوئه الخافت أعلى سقف حجرتي ظنا مني أنك قد تأتني خلسة الآن ......نعم انتظرت تدخل الآن.

كثيراً ما يأتيني شعورً آخر ويقول لي أني لن أراك ثانية تصيبني رعشةَ غير مدركة مصدرها. شعرت بأنفاسك الساخنة تدفئ جبيني وراحة يدك تمسح دمعاتي. أراك تخاصرنى و تضع راحة يدك على كفي. أسرح بين عيونك و أدفن رأسي عند صدرك الحاني فهو لازال مصدر طاقتي هو مكمن الحنان المفقود هنا على هذه الأرض، و أنت دفء الحياة بجميع ألوانها. أكتب اليك اليوم خطابي فيها وردة بللتها دموعي، قبلتها شفتاي ارسلها اليك. إلى أن أعود إليك من هذه الأرض البعيدة. أتشتاق إليًّ مثلما أشتاق إليك؟ سوف أرسل لك خطابي التالي، خلال أيام أحدد يوم عودتي و ساعة.........

صوت المذياع يعلن الساعة الحادية عشر السبت أول اكتوبر لعام 2001م