جريدة الديار
السبت 4 مايو 2024 11:42 صـ 25 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

«حدقات السعادة» بقلم علي الجنابي

مَرت أيامٌ وأيامٌ, ومَزَّقَت نبالُ النّسيانِ والأوهامِ، نسيجَ لقائي وصديقتي النملة (دِلدِل) ذي الحجّة والأحلام، لولا وفائِها وإخلاصِها هيَ لمعاني الوفاءِ والوئام.


 فقد تَعَلَّقَتْ دلدلُ بكُمِّ ثوبي بإحكام، إذ أنا أشَذِّبُ أدغالاً  مُتَسَلِّقَةً لورودٍ بيضاء كالحَمام، ثمّ تَزَلَّقَتْ دِلدلُ رُوَيداً شَطرَ صيوان أذني بِسَلام، كلّما تَحَلَّقَتْ سبابتي لحَكِّ حنكِي وصِيوانِي حكّاً بتمام، وما أرى الحَكَّ إلّا تعبيراً عن هَوَسِ مُتَعَلِّقٍ من أوهامٍ لأسقام، أو تدبيراً عن وجَسِ مُتَفَلِّقٍ من قادمِ الأيامِ.


تَعَلَّقَتْ دلدلُ بِشُعيراتِ بَطنِ الصيوانِ، فتَأَلَّقَتْ بهَمسِ إلقاءِ السّلام : 
- السّلامُ عليكم سيدي يابدرَ التمام..
-آه ! أإنّكِ لأنتِ دِلدل! صديقتي النملةُ؟ نعم إنّها الدِّلدلُ الشقيّةُ، كم أنا مشتاقٌ وبي لوعةٌ، ولكنَّ مثليَ لايُراعُ لهُ عُذرُ، ذاكَ أنهُ عُذرٌ مُقفِرٌ لاينبتُ في أرضهِ بَذر. قَبِّليني يا دلدلُ من أيمنِ خَدِّيَ، وإيّاكِ وقَرصَةٍ من غَدر؟


-إيهٍ يا سيّدي، هل حقّاً تُسعَدُ بجلساتٍ معنا وما يدورُ من حديثٍ في رُحاها؟


-نعم يُسعِدُني، بل ذاك هو لبُّ سَعادتي وصَداها. رُبَما حاديَ السّعدِ عندي يادِلدِلُ لا يَحدو مع حُداةٍ آخرينَ في حَداها، ورُبَما حدقةُ الرَّغدِ في عَينيَّ لاتَشدو إن عمى الألوانِ بلاها. فقد يَظُنُّ حُداةُ السّعدِ وهُداةُ الرّغد، أنّ إبنَ آدمَ :

إن نَما في رخاءٍ أو نَجا من بلاءٍ. إن زَهى وتَمَطّى وإستراحَ بكبرياءٍ في نَديمٍ وتَرَف، أو لَهى وتَخَطّى واستباحَ بخُيلاءٍ كلَّ نَكيرٍ وقَرَف.


إن فازَ وتَنَصَّبَ بمنصَبٍ، وإرتَقى صَدرَ رَجاحَةٍ وسُلطانٍ، أو حازَ وتَنَقَّبَ بمَنقَبٍ، وإنتقى دُررَ فصاحَةٍ وبيان.


إن أوتيَ من أموَالٍ وأزواجٍ وبنينٍ، أو أُفتيَ حين أهوالٍ وأمواجٍ وأنين.
أنَّهُ في زهوِ سعادةٍ حَلَّ وبان! وإنَّما ذلكَ غَزْلٌ لفَرَحٍ آن، فظَنَّهُ غَزْلَ سَعادةٍ كان!


وإنَّما هُو عن حُدَقةِ سعادةِ الرّوحِ جانٌّ، وإنّما الفرحُ والسّعادةُ ضِدّان..
فالفَرحُ سَرابٌ ودُنو بقِيعان، والسّعادةُ سَحابٌ وسُموّ في العَنَان. فكَلَّما غارَ في سَرابِ القيعانِ، توارى عن سَحابِ العَنَانِ.


الفَرحُ هَباءٌ جَسَديٌّ آنيّ ومُتَرَجرِجٌ في المَكان، والسّعادةُ بَهاءٌ حِسيّ أبَدِيٌّ غيرٌ مُتَدَرِجٌ في الزَّمان.
 الفرحُ جانِحٌ للقَطْفِ ويَستَمنِي القَطفَ بالبَنان، السَّعادةُ مانحٌ للعَطْفِ وتَستَغني العَطفَ بالحَنان.
الفَرحُ والسّعادةُ هُما نِدّانِ لا يَتَحادّانِ ولا يَتَحدّانِ.
ألا وإنّ للسعادةِ يادلدلُ حَدَقَةٌ، من الرّوحِ مُنفَلِقةٌ..
ألا وإنّها تَضيقُ في بريقِ جاهٍ مُخِلٍّ مُقَلَّدِ، وتَقصُرُ في سحيقِ مَالٍ مُذلٍ مُلحِدِ.


ألا وإنّها تَستَفيقُ و تَبصُرُ:
في مَغربٍ إذا سَجَى وفي مَشرقٍ إذا رَجَى، وفي نَبَضاتِ غيمةٍ تَتَمَلَّأ بثوبِ أحرامِها مُلَبِّيَةً ومُتَلَبدِة.
في خُدودِ شَمسٍ ذهبيةٍ وفي قُدودِ قَمرٍ حَليبيةٍ، وفي لَمَضَاتِ نجومٍ تَتَلألأ مُمَجَّدَةً مُتهجِّدة.


في بِحارٍ زَرقاءَ وفي قِفارِ صِماءَ، وفي وَمضاتِ ثمارٍ تَتَعَالى وزهورٍ تَتَأَلَّى بعطرِها فَوّاحَةً مُتَمَدِّدة.
في حِافلةٍ من نَحلٍ و في "قافلةٍ من نَملٍ"، وفي نَظَراتِ فَرخةٍ لرَحَماتِ أمِّها مُفتَقِدَةً مُتَفَقِّدة.


في تَحايلٍ لطاووس وفي تمايلٍ لجاموس، وفي تَغَنُّجِاتِ لَبوةٍ بينَ ذَراعي بعلِها مُداعِبَةً مُتودِّدة.
في صَمَمٍ لحَصىً غَافيةٍ وفي لَمَمٍ لهَوَامٍ خافيةٍ، وفي تَمَوجاتِ تلالٍ لموجِ البحرَ مُحاكِيَةً مُقَلِّدة.


في حبةِ زيتونٍ سعيدٍ وفي طلعِ نخلٍ نضيدٍ، في رَقَصاتِ نَبتةٍ  كأنَّها أينَعت بينَ الصخورِ مُتَقَصِدَةً مُتَعَمِّدَة! فَغَشِيتهم جمالاً وعلى نواصيهمُ  مُتَمايلَةً مُتَسَنِّدَة.


في سُلَحفاةٍ في البَحرِ تَسبحُ، وعلى بَطنِها للبرِّ تَكبحُ، تَارةً تَخسرُ، تارةً تَربحُ, ولرزقِها مُطمئِنَّةً غير مُتَشَدِّدَة.


تلكَ هيَ حَدقاتُ سعادتي يادلدلُ. وأراني أرمِي فيها خُطاي هَونَاً وللهِ حامِداً قَاصَّاً وقَاصِدا.   

كانت تلك صفحة من كتابي: حوار مع صديقتي النملة.

علي الجنابي - بغداد : [email protected]