جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 11:12 صـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الشيخ أحمد علي تركي يكتب: الحسد وعلاجه

داء عظيم ومرض خبيث أهلك خلقاً كثيراً يأكل القلوب ويهلك النفوس ألا هو داء الحسد.

إن أول معصية وقعت في السماء هي الحسد حين حَسد إبليسُ آدمَ .

أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ

وأول معصية حدثت في الأرض هي أيضاً الحسد فقد حسد قابيلُ هابيلَ حين تقبَّل الله منه ولم يتقبل من الآخر قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ .

تخيلوا لو ذهب الناس يتحاسدون كلٌ منهم يريد زوال النعمة عن أخيه كيف سوف تكون الحياة عندها .

ولهذا جاء التحذير من الحسد .

قال الله تعالى :

وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً .

وقال صلى الله عليه وسلم :

إن الحسد يأكل الحسنات ، كما تأكل النار الحطب .

وقال صلى الله عليه وسلم :

دبَّ بينكم داءُ الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول الحالقة التي تحلق الشعر وإنما الحالقة التي تحلق الدين .

ويقول صلى الله عليه وسلم :

لا يجتمع في جوف عبدٍ الإيمان والحسد .

وفي الجانب الآخر امتدح الرسول صلى الله عليه وسلم من تخلَّص من الحسد ونال مرتبة السلامة للمسلمين فقال صلى الله عليه وسلم :

لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا .

ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يطلع عليهم هو من أهل الجنة فتبعه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فلم يجد عنده كثير صلاة ولا صيام وإنما وجد عنده السلامة للمسلمين .

وأما حقيقة الحسد فهي كراهية نعمة نزلت بشخص ، وتمنى زوالها عنه وهذا حرام لا يجوز إلا في حق الكفار والفجار .

والحسد لا يكون إلا على نعمة فكلُّ من يحب إساءة مسلم بغير حق فهو حاسد .

وأما مراتب الحسد فهي أربع :

محبة زوال النعمة عن المحسود دون أن تنتقل إلى الحاسد .

وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء

محبة زوال النعمة عن المحسود وانتقالها إليه مثل المال والرئاسة والجاه والعلم .

يحب أن تناله نعمةٌ كنعمة المحسود فإن عَجَزَ عنها تمنى زوالها عنه ليستوي معه .

أن يتمنى لنفسه مثلها دون تمني زوالها عن الآخر, وهذه الغبطة وهذا النوع محمود غير ممنوع .

وفي الحديث :

لا حسد إلا في اثنتــين رجـلٍ أتــاه الله مالاً فسلَّطَهُ على هلكته في الحق ، ورجلٍ أتـاه الله تعالى علماً فهو يعمل به ويعلِّمُهُ الناس .

إن الحاسد يرى النعمة على أخيه نقمةً عليه فلا يرضى ولا يسكن إلا بزوالها .

يقول معاوية رضي الله عنه :

كلُّ الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضى إلا بزوالها .

للحسد أسباب من أهمِّها :

العــــداون والبغضــــاء وهذه أشد أســـبابها ليس للحاسد إلا العدوان على غيره وكره الخير للمسلمين مطلقاً .

التعزز بأن لا يرتفع عليه أحد فلا يرضى أن يكون فوقه أحد في رئاسة أو جاه أو علم .

حب الرياسة فيحصل من جرَّاء ذلك تنافس شديد بين الراغبين فيها .

التزاحم على مطلوب واحد كالضرائر يتزاحمن على الزوج فيقع بينهن الحسد .

تشابه الأعمال والتخصُّصات فأهل الصناعات المتشابهة يتحاسدون وأهل التخصصات المتشابهة يتحاسدون والإخوة يتحاسدون .

إظهار النعم والحديث عنها يثـــــير

الحاســـــــدين .

وفي الخبر : إنَّ كلَّ ذي نعمة محسود .

فاتقوا الله أيها الناس وتجنَّبوا الحسد وافعلوا الخير وجاهدوا أنفسكم فإن كلاً منا يقع في نفسه الحسد فمن جاهد نفسه لردِّه لم يضره شيء .

وفي الحديث : ثلاث لا ينجو منهن أحد الظن والطيرة التشاؤم والحسد وسأحدِّثُكم بالمخرج من ذلك إذا ظننت فلا تتحقق وإذا تطيَّرت فامضِ وإذا حسدت فلا تبغ .

ويقول الحسن البصري:

ما من ابن آدم أحدٌ إلا وخُلق معه الحسد فمن لم يتجاوز ذلك بقول أو فعل لم يضره شيء .

لكلِّ داء دواء فعلاج الحسد يتم بوسيلتين بالعلم والعمل فأما العلم أن يعلم أنه بالحسد يشارك إبليس في خُلُقه الذي كان سبباً في هلاكه وخروجه من رحمة الله تعالى .

الحسد سخط على قضاء الله وقدره واعتراض عليه حين اختص الله أُناساً بنعم دون آخرين .

الحسد ضرر على الحاسد ومنفعة للمحسود فالحاسد يُنقص من حسناته مع ما يجده من الألم والحزن والمحسود يناله الأجر والثواب .

لابد أن يعلم الحاسد أنه لابد أن يحدث في الوجود ما لا يريد سواء أحبَّ ذلك أو كرهه .

وأما العمل إذا حملك الحسد على ذمِّ المحسود فاجتهد في مدحه .

إذا حملك الحسد على التكبُّر عليه فاجتهد في التواضع له .

إذا حملك الحسد على منع خير عنه فاجتهد في إيصال الخير إليه .

إن هذا أمر شديد وصعب ولكن كثيراً ما يكون العلاج في الدواء المر ومن أراد أن لا يحسد أحداً ولا يحسده أحد فلا يزاحم الناس في دنياهم ومحبوباتهم ولكن من يقدر على هذا .