جريدة الديار
السبت 27 أبريل 2024 12:09 مـ 18 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مدحت عبد الجواد يكتب : للغة أضحية بين أنياب الممثلين

اللغة أضحية بين أنياب الممثلين
لا تتعجب من العنوان، فهذا ما صارت إليه اللغة حقا في عصرنا، وكأنها أضحية لاتدري من أمرها شيئا لأجل ماذا يضحون بها؟! وتتلقفها الأنياب التي تفترسها عن قصد ودونه عن قلة وعي وتغافل من أهلها!!
وإني أطرح جملة من الإشكالات.. ما مصير تحويل النص الفصيح للقصة والرواية إلى العامية إذا ما تلقفته صناعة السينما وفن التمثيل؟
ما دور الإعلامي الذي يتحدث بالعامية؟!
ما دور الراوي والقاص الذي يمزج الفصحى بالعامية مدعيا أنه ينقل الواقع اللغوي؟!
كيف وصل الحال وقد انتشرت ألفاظ الشوارع القبيحة على ألسنة أبنائنا؟!
هل نسمح للمحاضرة والمعلم أن يشرح، ويمثل المشهد التعليمي بالعامية مدعيا أنها لغة الواقع؟!

يأخذك العجب بما صارت إليه اللغة من حال بين أنياب من يغتالونها من أبنائها! وما نالها من أذى، وما لحقها ولحق الأذواق العامة من اعتداء متعمد ومقصود، تعمده الإعلام الذي صدر المشهد الإعلامي والأفلام وغيرها باللغة العامية...
وما تحول إليه النص الروائي والقصصي لدى الكثير من مشاهير الكتاب إلى اللغة العامية، وكأن اللغة العربية تعجز أن تصل بهم إلى أهدافها، وهم يصدرون للمستقبل جيلا يبتعد دون قصد عن اللغة، غير قادر على استيعاب جماليات اللغة أو التعامل معها...
لاتتعجب عندما يطلب منك ابنك أن يأخذ درسا في اللغة العربية؛ لأنك وهو كنتما جزءا من كيان يقتل اللغة ويحاربها، وكأننا تحالفنا مع الأجنبي المستخرب الذي تعمد طمس هويتنا العربية.
عندما تطالع بعض الروايات التي كتبت بالفصحى، وترقبها عندما تحولت إلى أفلام ينتابك الخوف لما يحدثه هؤلاء من دمار للذوق اللغوي، وعميق جنايتهم في حق الأجيال القادمة...
؛ولذا فعلينا أن ننتبه فإذا كانت اللغة جزءا من هويتنا وكياننا، فإن حمايتها واجب وطني لايقل أهمية عن حماية النفس والدين والعرض..
وجناية من يفسدونها لا تقل عن جناية من يخربون الأوطان، إنهم ارهابيون من نوع جديد خفي ينخر في عظام الأخلاق والذوق، ولا يقلون خطرا عن تجار السموم المخدرة، فيجب التصدي لمثل هؤلاء بكل قوة، وإذا كان القانون نسي وتغافل عن هذا النوع من الجرائم فلم يرتب لها عقوبات، فإن حماة الأوطان والأديان وأصحاب الفكر لن يتعاموا عن هذه الجرائم..
أصبحنا نواجه مصطلحات انتشرت بشوارعنا صدرها إلينا من يزعمون أنهم أرباب الفن وصناع التمثيل وغيرهم..
كما صدروا إلينا من قيم الفساد والانحلال الخلقي مايدعون كذبا أنه رصد للواقع، وكأن الواقع ليس به سوى هذا النمط الأخلاقي العفن..
إننا نعاني للدفاع عن وطننا مصر إذا ما رحلنا عنها بين أبناء العرب؛ لأنهم يظنون أن مصرنا تشبه ما تصدره الأفلام والإعلام، هؤلاء الذين يصدرون الجانب الفاسد، ويتغافلون عن كل صالح من الأخلاق والفكر..
وكأنها مؤامرات دبرت بليل على أيد مرتزقة خانوا أمانة الأديان والأوطان..
فلا أقل من التصدي لكل نص لغوي أو عمل درامي يقوض من كرامتنا..
لذا لا أحترم عملا ينشر الفساد، ويهمل اللغة، ولا أحترم إعلامي يتحدث بالعامية، ويسعى لينشر صورة سيئة عن الوطن....
وإذا كان المشهد اللغوي يضج بالفساد الذوقي والأخلاقي، فقد آن الأوان أن يقوم حماة اللغة بدورهم للتصدي لهذه الظاهرة، لقد وصل الأمر من فساد الذوق فإذا ما تحدثت بالفصحى بين العامة يدعون كذبا أنهم لا يفقهون حديثك، وهذا من تلبيس إبليس وأعوانه عليهم... كيف وهم يفهمون خطب الجمع وخطب الرؤساء والسياسيين؟! لكن الحق أنهم يخجلون من لغتهم أو يفتقدون تذوقها أو تصدم آذانهم أو أن أربابها من أصحاب الفصاحة قد عجزوا عن استخدام التراكيب اللغوية الفصيحة والقريبة من آذان العامة فأضروا من حيث أرادوا الإصلاح...
وتبقى مني استغاثة خاصة للنقاد والأدباء والكتاب بصورة مباشرة، أن ينتبهوا فلا يمررون نصا سرديا كتبه صاحبه بالعامية؛ لأنهم إن تركوا ذلك كانوا كمن يترك السم يمتزج بالماء؛ ليشربه العامة...
كيف هذا وهم حماة اللغة والأخلاق؟! فهل تخونون أمانة ما استخلفتم عليه؟!
فإن تركتم اللغة تغتال فقد أهملتم الدين، وإن استقذتموها فأنتم تخدمون الدين.