جريدة الديار
الجمعة 7 نوفمبر 2025 02:06 صـ 17 جمادى أول 1447 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

شم النسيم.. عيد مصري خالص يتجاوز الزمان ويجمع القلوب

أرشيق
أرشيق

في صباح مشرق من كل عام، تتنفس مصر بهجة الحياة في عيد شم النسيم، حيث تكتسي الحدائق بالألوان الزاهية، وتمتلئ الشوارع بروائح الفسيخ والبصل الأخضر، وتعلو ضحكات الأطفال وسط الزهور والنسائم الرقيقة.

إنه العيد الذي لا يعرف تفرقة دينية أو طبقية، بل هو عيد مصري أصيل عاش في وجدان المصريين منذ آلاف السنين، متحديًا الزمن ومحافظًا على طقوسه وخصوصيته.

عيد فرعوني الأصل.. يحتفل به كل المصريين

يعود أصل شم النسيم إلى نحو خمسة آلاف عام، حيث كان يحتفل به المصري القديم في أول أيام الربيع باعتباره عيد “بعث الحياة”.

وكان يُطلق عليه “عيد شمو”، أي بعث الحياة أو ولادتها من جديد، إذ حرص المصريون القدماء على ربط هذا اليوم ببداية الزراعة والخصوبة والنماء.

عادات متوارثة تحمل رموزًا عميقة

يقول الدكتور عبد الرحيم ريحان، الخبير في الآثار والتاريخ، إن “الفسيخ والبيض والبصل والملانة” لم تكن مجرد أطعمة موسمية، بل رموز ذات دلالات فلسفية وروحية عميقة:

  • البيض: يرمز للخلق والبعث.

  • الفسيخ: يشير إلى التحدي والبقاء رغم الفناء.

  • البصل: لطرد الأرواح الشريرة.

  • الملانة (الحمص): ترمز للنماء والخير.

ويضيف: "الطقوس الفرعونية كانت تهدف إلى الاحتفال بالحياة والانتصار على الموت، وهو ما جعل شم النسيم عيدًا عالميًا ببصمة مصرية فريدة."

رؤية الدينين الإسلامي والمسيحي

وعلى الرغم من أن شم النسيم عيد غير ديني في جوهره، إلا أن الجدل يثور كل عام حول حكم الاحتفال به.

في هذا السياق، أوضح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن “شم النسيم عيد شعبي وليس دينيًا، ولم يرد فيه نص شرعي يمنع الاحتفال به ما دام يخلو من المحرمات”.
وأضاف: “الترفيه عن النفس والتواصل الأسري والخروج للهواء الطلق أمور مستحبة.”

أما القس بولس حليم، المتحدث السابق باسم الكنيسة الأرثوذكسية، فقال: “الكنيسة لا ترى حرجًا في مشاركة المصريين في شم النسيم، فهو عيد للحياة، وغالبًا ما يأتي بعد عيد القيامة المجيد بيوم واحد، ليجمع المصريين على محبة الحياة.”

شم النسيم في العصر الحديث.. بهجة وتواصل

يقول الدكتور حمدي عويس، أستاذ علم الاجتماع، إن “شم النسيم يمثل تراثًا شعبيًا يوحد المصريين مهما اختلفت دياناتهم أو مستوياتهم الاجتماعية”.

ويضيف: “الاحتفال به في الحدائق العامة وعلى ضفاف النيل يعكس ارتباط المصريين بالطبيعة، ويعزز الروابط الأسرية والاجتماعية.”

عيد بلا صخب ديني.. بروح مصرية خالصة

يبقى شم النسيم رمزًا للبهجة المصرية، يعيد للمصريين إحساسهم بالبساطة، والعودة إلى الجذور، والتواصل مع الطبيعة.

إنه عيد “الإنسان المصري” الذي جعل من الفسيخ والبصل تراثًا، ومن البيض الملون أملًا جديدًا، ومن النسيم الذي يداعب الوجوه رسالة خفية تقول: الحياة جديرة بأن نحتفل بها.