رونالدو ويامال.. صدام الإرث والمستقبل

عندما يطلق الحكم مساء الأحد صافرته على ملعب "أليانز أرينا" بمدينة ميونيخ، لن تكون صفرة عادية لمباراة عابرة، فهذه قد تكون لحظة تصادم بين جيلين مختلفين، وصراعًا بين القديم والحديث، أي مواجهة بين الإرث والمستقبل. لحظة يواجه فيها أسطورة كرة القدم البرتغالية كريستيانو رونالدو، الساحر الإسباني والجوهرة الشابة المتفجرة لامين يامال، في نهائي دوري الأمم الأوروبية، وسط ترقب كروي عالمي لا مثيل له.
نجمين يفصل بينهما أكثر من عقدين وثلاث سنوات، ورغم ذلك فإن التحدي بينهما قد يكون متكافئًا. العجوز الشاب رونالدو يراهن دائمًا على أن العمر مجرد رقم، وأنه لا يزال قادرًا على مواصلة أحلامه وطموحاته نحو كسر كل الأرقام في عالم الساحرة المستديرة. أما الشاب الذي لم يكمل الثامنة عشرة عامًا لامين يامال يسعى لكي ليثبت أن المستقبل قد بدأ بالفعل، وأن المجد لن ينتظر طويلاً.
كريستيانو رونالدو، ابن مدينة ماديرا البرتغالية وصاحب الـ 40 عامًا، والذي نشأ في بيت صغير حيث كان يعمل والده عاملًا في نادي رياضي، لم يكن الطريق مفروشًا له بالورود، لكن طموحاته كانت كالشمس الحارقة منذ الصغر. ترك منزله في سن الـ 12 ليضع حجر الأساس لأحلامه في لشبونة، ثم انتقل إلى مانشستر يونايتد الإنجليزي، ومن ثم إلى الانتقال والتألّق مع ريال مدريد قبل أن تواجه طموحاته بعض التحديات عندما انتقل إلى يوفنتوس. ومع ذلك، عاد الطامح ليكسر كل قواعد الإنجازات ويكمل أهدافه عندما قرر استكمال مسيرته في الدوري السعودي وبالتحدي مع فريق النصر السعودي.
مسيرة رونالدو التي استطاع من خلالها جمع كل الجوائز والألقاب والأرقام القياسية، فقد شارك في 220 مباراة دولية مع منتخب البرتغال، وأحرز خلالها 137 هدفًا، بالإضافة إلى خمس كرات ذهبية وألقاب محلية وأوروبية متعددة. ومع ذلك، فهو لا يشبع من النجاح، ولا يزال يسجل ويحقق أرقامًا فلكية على المستطيل الأخضر، ولا يزال يطمح إلى المزيد.
في نصف نهائي البطولة الجارية، سجّل هدف الفوز أمام ألمانيا، مانحاً البرتغال تذكرة عبور إلى النهائي، ورغم الانتقادات التي تطاله بين الحين والآخر، لا يزال رقمه 7 يزرع الرعب في دفاعات الخصوم.
على الجانب الآخر، سطع نجمآ كروي لامع جوهرة من أصلآ عربيٍ، لكن بثياب اندلسي، وهو لامين يامال، الذي أثبت أن المستقبل لم يعد حلمًا بعيدًا، بل بات يرى بوضوح، شاب كسر مرحلة المراهقة الكروية، وشق طريقه بثقة وسط الكبار، دون أن يستطيع أحد إيقافه.
لامين، المغربي الأصل، والذي فضل تمثيل منتخب إسبانيا، نشأ في أكاديمية برشلونة العريقة "لا ماسيا"، التي أنجبت أساطير الكرة العالمية مثل ميسي، وتشافي، وإنييستا. أصبح أصغر لاعب يسجل هدفًا في تاريخ دوري الأمم الأوروبية، وأصغر من يسجل في يورو 2024، ومع ذلك، فإن الأرقام لا تروي القصة الكاملة للشاب الأسمر؛ فقد أذهل الجميع عندما سجل هدفين في مرمى فرنسا خلال نصف النهائي، في مباراة وُصفت بأنها من أعظم المواجهات الهجومية بين أقوى منتخبين في العالم.
تحركاته، ومهاراته اللافتة، ورؤيته الاستثنائية، كلها تؤكد أننا أمام ساحرٍ جديد يكسر الصخور والحواجز، ويعلن للعالم أن الكرة الجميلة، المليئة بالمهارات واللمسات الإبداعية، ستظل باقية، في عصر كروي باتت فيه اللمسة الجمالية عملة نادرة.
لامين يامال الذي يخجل أحيانًا أمام الكاميرات قال في مؤتمر صحفي ردًا على سؤاله عن مواجهة رونالدو في مباراة الغد، قائلًا " رونالدو أسطورة. أكن له كل الاحترام. لكن على أرض الملعب، لا مكان للأسماء. سأبذل كل جهدي للفوز."
مواجهة البرتغال إسبانيا في نهائي دوري الأمم الأوروبية تحمل أبعادًا تتجاوز الرياضة، خلصة انها مواجهة بين الإرث والمستقبل، رونالدو يمثل جيل العمالقة الذين صنعوا المجد بعرق الجبين والانضباط واللياقة الحديدية، أما يامال، فهو ممثل جيل التقنية والمهارة والسرعة الذهنية.
المدرب لويس دي لا فوينتي، المدير الفني لمنتخب إسبانيا، عبّر عن إعجابه الشديد بلامين، وقال لصحيفة "سود دويتشه تسايتونج" الألمانية: "إنه لاعب لمسته عصا سحرية، يملك نضجًا غير مسبوق لعمره، ويلقى احترامًا هائلًا من زملائه."
أما في المعسكر البرتغالي، فإن حضور رونالدو لا يمكن تجاهله، لاعب خط الوسط برناردو سيلفا صرّح قائلاً: "وجود كريستيانو يعطينا قوة لا توصف، إنه طموح ولا يزال يؤمن بقدرته على صنع الفارق."
وبعيدًا عن اللقب، تُطرح تساؤلات عديدة بشأن مستقبل كريستيانو رونالدو. هل ستكون هذه آخر مباراة دولية له؟ هل سيعتزل بعد انتهاء عقده مع النصر السعودي هذا الشهر؟ هل يفكر في كأس العالم 2026؟
المقربون منه يؤكدون أنه لم يتخذ قرارًا نهائيًا بعد، بينما تتردد أقاويل عن رغبته في الوصول إلى 150 هدفًا دوليًا، وربما حتى الرقم السحري 1000 هدف رسمي في المباريات التنافسية، وهو ما يحتاج فيه إلى تسجيل 30 هدفًا إضافيًا فقط.