مدحت الشيخ يكتب: العدوان يتمدد والتهديد يتسع.. هل يستيقظ العرب أخيرًا؟

القمة العربية الطارئة التي انعقدت اليوم تأتي في ظرف استثنائي لم يعد يحتمل المجاملات ولا البيانات التقليدية. فالقصف الذي استهدف الدوحة لم يكن مجرد عدوان عابر، بل رسالة شديدة الوضوح تقول إن النار لم تعد حبيسة جبهة بعينها، وإن أي عاصمة عربية قد تكون التالية. إنها لحظة فارقة تختبر قدرتنا على الفعل قبل فوات الأوان.
المشكلة لم تكن يومًا في وصول الرسائل، بل في طريقة قراءتها. التاريخ الحديث للمنطقة يؤكد أن العرب يتلقون الإشارات متأخرين، ويكتفون بالتأويل والتفسير، ثم يغلقون الملف على بيان لم يغيّر شيئًا. لكن الرسالة هذه المرة لا تحتمل التأجيل، لأنها مكتوبة بمداد الدم والدخان، ولا مجال لتفسيرها بأكثر من معنى.
الأمن القومي العربي، الذي ظل لعقود شعارًا يتكرر أكثر مما يُمارس، يواجه الآن اختبارًا حقيقيًا. فكل ضربة عسكرية تطال أي عاصمة عربية تخلخل جدار الأمن الإقليمي بأكمله. ولم يعد منطقيًا أن يتعامل كل بلد مع الخطر على أنه شأن داخلي، فالهشاشة في طرف الخريطة تهدد الأطراف الأخرى بالضرورة.
وإذا كان الرسميون يترددون في الفعل، فإن الشعوب قرأت الرسالة أسرع منهم. المواطن البسيط يدرك أن القصف هناك يترجم فورًا إلى غلاء هنا، وأن أي اضطراب في الإقليم يعني مزيدًا من الضغوط على حياته اليومية. الفجوة قائمة بين وعي الناس وقرارات النخب، وما لم تُردم سريعًا فستتسع أكثر وتخلق حالة من الإحباط وفقدان الثقة.
ولا يمكن إغفال البعد الاقتصادي. فالأمن لم يعد مجرد جدار عسكري أو طائرة مقاتلة، بل صار رغيف خبز ودواء وأمنًا اجتماعيًا. الحروب والاضطرابات في المنطقة تنعكس مباشرة على أسعار الطاقة، على العملات المحلية، وعلى الاستثمارات. والرسالة هنا أن الاستقرار السياسي والأمني لم يعد خيارًا إضافيًا، بل هو الشرط الأول للحفاظ على لقمة العيش.
يمتلك العرب أوراقًا كثيرة لو أحسنوا توظيفها: ثروات طبيعية هائلة، موقع جغرافي بالغ الأهمية، أسواق ضخمة، وقوة بشرية فاعلة. لكن هذه الأوراق تُركت مبعثرة تُستخدم بشكل فردي، بينما ينجح الخصوم في توظيف أوراقهم في إطار استراتيجيات متماسكة. جوهر الرسالة أن القوة لا تُقاس بما نملك فقط، بل بما نوحده ونوظفه في مسار واحد.
التاريخ الطويل للقمم العربية يثبت أن معظمها انتهى عند حدود الورق. لكن اللحظة الراهنة لا تحتمل تكرار هذا المشهد. التحدي الحقيقي أن تتحول القمة الطارئة إلى بداية لمسار جديد، يربط بين المواقف السياسية والتحركات العملية، ويعيد صياغة مفهوم الأمن القومي على أسس واقعية تضع في اعتبارها وحدة المصير.
لقد وصلتنا الرسالة، هذه المرة أوضح من أي وقت مضى. والسؤال الذي يبقى معلقًا: هل يستيقظ العرب قبل أن يتمدد العدوان أكثر ويتسع التهديد أبعد؟ أم أننا سنترك الأحداث تسبقنا مرة أخرى، حتى نجد أنفسنا أمام طبعة جديدة من الرسالة، لكنها ستكون أثقل كلفة وأكثر قسوة؟