نميرة نجم: الهجرة ليست جريمة والعنف الجنسي يستخدم كأداة حرب في فلسطين وأفريقيا

قالت السفيرة د. نميرة نجم، خبيرة القانون الدولي والهجرة ومديرة المرصد الأفريقي: “أعتقد أننا القارة الإفريقية الوحيدة – باستثناء حالة الإبادة الجماعية في فلسطين حيث قد نجد نساء يحاولن الهجرة.” وأوضحت أن الظروف الاستثنائية في فلسطين تدفع بعض النساء إلى محاولة الهجرة، وأضافت حول العنف الجنسي: “فقد فوجئت عندما بدأت أقرأ تقارير عن العنف الجنسي ضد النساء الفلسطينيات، هذا يحدث في السودان، ويحدث في الكونغو، ويحدث في كل مكان يوجد فيه صراع في إفريقيا.
فما الحماية التي نقدمها لهؤلاء النساء؟ الوضع ليس مختلفًا عن النساء في مناطق صراع أخرى، لكن في إفريقيا لدينا عدد هائل من النزاعات. لقد أصبح العنف الجنسي أداة حرب، ومع غياب المساءلة، يستمر الأمر، وأصبح العنف الجنسي أداة مستخدمة على نطاق واسع في النزاعات المسلحة.
وشددت على أن حماية النساء في النزاعات المسلحة أولوية قصوى، وأن القانون الدولي والإقليمي يتطلب تفعيلًا عمليًا على الأرض لضمان حماية النساء والفتيات، جاء ذلك في جلسة حوارية ضمن مؤتمر النساء في القانون بجامعة فيينا بالنمسا، بعنوان “النساء في الهجرة – القانون والتنفيذ: التحديات العالمية، الحلول المحلية.”
وأضافت نجم أن المشكلة في الهجرة هي أن السياسيين في الغرب يسعون لتشويه الصورة الإيجابية للمهاجرين، ويستغلون حالات المهاجرين غير النظاميين كورقة انتخابية، محاولين إخافة المجتمعات بقولهم: “هؤلاء الناس لا يشبهوننا، ليست لديهم ثقافتنا.” وعندما يظهر شخص سيئ واحد، تُضخّم وسائل الإعلام الأمر، وبالتالي يدفع الثمن “التفاح الجيد” من المهاجرين الذين يسعون للعمل وتحسين حياتهم.
وتسألت السفيرة انه عند الحديث عن النزوح والهجرة في إفريقيا، يثور سؤال مهم: هل سنصنّف هؤلاء المتنقلين بموجب اتفاقية اللاجئين أو بموجب حماية خاصة تحت قرارات مجلس الأمن، أم سنعتبرهم مجرد مهاجرين؟ لأنه إذا اعتبرناهم مهاجرين غير نظاميين، فإن حقوقهم ستكون أقل عند عبورهم الحدود. هذه نقطة علينا النظر إليها بجدية، خصوصًا مع وجود 23 نزاعًا مسلحًا في إفريقيا، وهو أكبر عدد من النزاعات في منطقة واحدة، هذه النزاعات تولّد أعدادًا كبيرة من النازحين داخليًا، بغض النظر عن النوع الاجتماعي، وكذلك من المهاجرين.
واستعرضت السفيرة الصكوك القانونية الأفريقية المهمة التي تحمي النساء والمهاجرين، بما في ذلك الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (1981)، وبروتوكول مابوتو بشأن حقوق المرأة في إفريقيا (2003)، والموقف الإفريقي المشترك بشأن الهجرة والتنمية (2006)، وخطة عمل واغادوغو لمكافحة الاتجار بالبشر (2006)، والإطار السياسي للهجرة في إفريقيا (2008)، واتفاقية كمبالا للنازحين داخليًا (2009).
وأكدت على أهمية دمج النساء في صنع القرار، بما في ذلك برامج الاتحاد الإفريقي للرجولة الإيجابية وإنهاء العنف ضد النساء والفتيات ضمن أجندة “إفريقيا التي نريد 2063”. ولفتت السفيرة إلى تجزئة الأطر القانونية بين التجمعات الاقتصادية الإقليمية في إفريقيا، مثل الإيكواس وSADC، والتي يمكن أن تكون إيجابية من حيث توفر هياكل حماية متعددة، لكنها معقدة للنساء الباحثات عن الحماية القانونية.
وقالت نجم: “عندما نتحدث عن الهجرة وإفريقيا، فإن الصورة التي ستتبادر إلى أذهانكم جميعًا هي تلك القوارب الصغيرة التي تحمل شبابًا يعبرون البحر المتوسط نحو أوروبا. لكن هذه لم تعد الحقيقة اليوم، لأن النساء أصبحن الآن جزءًا لا يتجزأ من هذه الهجرة.”
وشددت أن معظم الهجرة الإفريقية تتم بطرق نظامية، حيث إن أكثر من 80% من الأفارقة يتحركون داخل القارة نفسها، والنسبة التي تتحرك خارجها غالبًا نظامية. وأوضحت أن المهاجرين ليسوا مجرمين بالأساس، بل يخالفون القانون الوطني فقط بدخولهم دون تأشيرة، مع ضرورة احترام حقوقهم الأساسية.
وأكدت السفيرة على أن الهجرة لم تعد مقتصرة على الرجال، وأن هناك حاجة لإدخال البعد الأنثوي لمعالجة احتياجات النساء المهاجرات، مشيرة إلى أن الرجال لن يواجهوا حالة ولادة أثناء الهجرة، لكن المرأة قد تضع مولودها على قارب غير آمن، وسألت: “كيف يمكننا إنقاذ حياتها؟ كيف نرعاها عند وصولها؟ هذا يتطلب مسارات قانونية آمنة، وحماية فعالة، وأدوات توعية عملية.”
وأشارت إلى أهمية رفع الوعي بين النساء المهاجرات بلغات يفهمنها، وتعليمهن حقوقهن، وضمان وصولهن إلى العدالة، قائلة: “نحن نستخدم أدواتنا الخاصة، مثل مقاطع قصيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، لإبلاغ الناس بحقوقهم بلغات مختلفة، لتوسيع نطاق الوصول إلى المعلومات، خصوصًا للمهاجرين غير النظاميين.”
وأوضحت أن لون البشرة يخلق تمييزًا إضافيًا ضد النساء المهاجرات، مشيرة إلى أنه عندما تصل النساء ويبدأن البحث عن عمل، فإن لون بشرتهن يُعيق فرص حصولهن على وظائف.
ورغم وجود أدوات وآليات مثل اللجنة النمساوية للتعامل مع جميع أشكال التمييز، فإن كثيرات لا يعرفن أن لهن الحق في اللجوء إليها، أو يخشين اللجوء خوفًا على مصدر رزقهن مثل عاملات المنازل، وهذا التمييز يتفاقم بشكل خاص بالنسبة للنساء ذوات التعليم المحدود ويؤثر على الوصول إلى العدالة والحماية القانونية.
وقدمت السفيرة مثالًا حول خطر نقص الوعي والخبرة بين المهاجرين، موضحة: “الشهر الماضي سمعنا عن قارب مهاجرين من إفريقيا إلى جزر الكناري في إسبانيا، حيث ألقى البعض مهاجرين أحياء في البحر بسبب خرافات أو مفاهيم خاطئة. النساء في مثل هذه الحالات يكنّ أول من يتعرض للخطر، وكذلك الأطفال. إنها قصة محزنة، لكن يجب أن نتعلم كيف نرفع الوعي، ونوجد مسارات قانونية أفضل للهجرة.”
وأشارت إلى أن التغير المناخي يزيد من النزوح القسري، خاصة في إفريقيا، وقالت: “لدينا أيضًا مسألة تغيّر المناخ، الذي يؤثر كثيرًا في إفريقيا، ويتسبب في التنقل المناخي. فهل نعتبر هؤلاء لاجئين ومجموعات تستحق حماية خاصة؟ أم نعتبرهم فقط مهاجرين؟”
كما شددت على الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية رقم 190 لمناهضة العنف والتحرش القائم على النوع الاجتماعي، ودعت الدول المصادقة إلى تنفيذ برامج توعية عامة بلغات المهاجرين، ومعالجة المواقف التمييزية ومنع وصم الضحايا والشهود والمبلّغين. وذكرت السفيرة أن المجلس القومي للمرأة في مصر يعمل مع منظمات غير حكومية لتوفير بيوت آمنة للنساء اللواتي يواجهن العنف، مشيرة إلى أن مصر تستضيف حوالي 10 ملايين مهاجر ولاجئ، ما يجعلها نموذجًا لتقديم الحماية القانونية والاجتماعية للنساء المهاجرات.
وحذرت السفيرة من الاعتماد على الذكاء الصناعي في فحص التأشيرات والهجرة، مشيرة إلى أن التحليلات قد تكون متحيزة وقد تؤدي إلى نتائج كارثية: “عندما يغطي الهجرة في الشرق الأوسط، دائمًا يوجد تحيز، لذا هناك صراع دائم مع أدوات الذكاء الصناعي، لأنه لا يعطي الإجابة الصحيحة دائمًا، وعند استبدال البشر بهذه الأدوات، ستكون العواقب وخيمة.”
واختتمت السفيرة كلمتها بالتأكيد على ضرورة تفعيل القوانين والاتفاقيات الدولية والإقليمية، ورفع الوعي بين النساء بلغات يفهمنها، وتوفير مسارات حماية قانونية فعالة، ومعالجة التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وحماية المهاجرين النظاميين وغير النظاميين، خصوصًا النساء والأطفال، قائلة نصًا: “التنفيذ يجب أن يلمس المستوى القاعدي بصراحة، وهذا يتطلب الاستماع للقصص وتحويلها إلى برامج عملية، ومساعدة النساء على الوصول إلى العدالة، والحصول على حياة أفضل.”
أدار الجلسة الدكتورة كوكو وارنر، مديرة في المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، وشارك فيها خبراء بارزون من بينهم أولريكي بوتشيك مديرة إدارة حقوق الإنسان وشؤون الأقليات في وزارة الخارجية النمساوية، جين هودجيس المديرة السابقة لمكتب المساواة الجندرية في المنظمة الدولية للعمل (ILO)، ماري سيغريف أستاذة في علم الجريمة بجامعة ملبورن، جاري ماكيندو خبير في قانون الهجرة البريطانية والدولية، دوروتا بيانج محامية متخصصة في القانون الأسري الدولي، ويوانا فيسلا-بونكا مستشارة قانونية في بولندا.