جريدة الديار
السبت 27 أبريل 2024 04:30 صـ 18 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

دكتور عبدالباسط الغرابلي يكتب: من عطاءات الله للصائمين

د. عبدالباسط الغرابلي
د. عبدالباسط الغرابلي

كتب الدكتور عبدالباسط الغرابلي أحد علماء وزارة الأوقاف:

شهر رمضان في مجمله منحة ربانية، وعطية إلهية، فما أكثر ما تفضل الله به علي أمة سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - ومن فطرة الإنسان السوية أنه يفرح بأي عطاء يأتيه نظير عمله، وذلك في الأمور الدنيوية، وجرت سنة الله تعالى في خلقة أنه يثيب عباده أجرا عظيما علي الطاعات ويمنحهم فضلاً كبيراً، والناظر في شهر رمضان يجد عطاءات متنوعة فيها الغناء والسعادة للإنسان ولذلك فضل شهر رمضان علي سائر الشهور، وأعرض هنا لبعض عطاءات الله تعالى للصائمين على النحو التالي:
أولاً: عطاء التقوي.         
حينما فرض الله علينا الصيام جعل من أهم مقاصده تحصيل التقوى التي هي عطاء إلهي من حققه سلم ونجا قال الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" سورة البقرة الآية 183.
والمعني تتقون بصومكم ربكم، فمن اتقي وصل وحصل عطاء عظيماً في شهر رمضان، فإن الصوم يوصل إلي التقوي التي تعطي للإنسان حماية من العصيان، فالصوم جنة أي وقاية فمن صام وقي نفسه من المعاصي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "الصوم جنة" زاد في رواية مسلم: " إذا أصبح أحدكم صائما ، فلا يرفث ولايجهل، وإن امرؤ قاتلة أو شاتمه فليقل: إني صائم - مرتين - والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها" أخرجه البخاري رقم 1894. 
وقد أفاد هذا الحديث الشريف أن الصيام حصن ووقاية من النار وتحقيق لعطاء مهم من عطاءات الله عزّ وجل وهو التقوى التي تحجز الإنسان عن النار قال ابن حجر رحمه الله: " فالحاصل أنه إذا كف الإنسان نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النار في الدار الآخرة" فتح الباري لابن حجر ج 4 ص 104. 
وهذا عطاء بالمنع فمن منع نفسه من الفحش نال عطاء الله بالقبول والستر، ولتحقيق عطاء التقوي وتحصيلها، على الصائم ألا يتكلم بكلام فاحش أو يفعل شيئا من أفعال السفه والجهل، فلو حقق الصائم عطاء التقوي لكفاه ذلك وصدق من قال:
أهل الخصوص من الصوام صومهم ** صوم اللسان عن البهتان والكذب ** والعارفون وأهل الأنس صومه ** صون القلوب عن الأغيار والحجب.
فالصيام من أكبر أسباب التقوى، لأن فيه امتناع عما أحل الله من أجل الله، وعمل لله وتدريب على مراقبة الله سبحانه وتعالى وتضييق لمجري الشيطان، وبذلك تقل المعاصي وتكثر الطاعات وتتحقق التقوي.

ثانياً: عطاء القرآن الكريم.
وهو خير عطاء للأمة الإسلامية، حيث جعل لشهر رمضان منزلة عالية بنزول القرآن الكريم قال الله عز وجل: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان" سورة البقرة من الآية 185.

وليس القرآن وحده هو الذي أنزل في شهر رمضان بل الكتب السابقة ثم جاء القرآن آخر كتب السمآء ففي ليلة السابع عشر من رمضان والنبي - صلى الله عليه وسلم - في الأربعين من عمره أذن الله عزّ وجل للنور أن يتنزل ، فإذا جبريل - عليه السلام - آخذ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: اقرأ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتي بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال اقرأ: قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: "اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم" سورة العلق الآيات من 3/1. فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده " أخرجه البخاري.

فنعم العطاء نزول الوحي بالنور والضياء، ومن قبل ذلك شهد شهر رمضان نزول القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت رب العزة في السمآء الدنيا وكان ذلك ليلة القدر قال الله تعالى: " إنا أنزلناه في ليلة القدر" سورة القدر الآية1. 
وقال عز من قائل:" إنا أنزلناه في ليلة مباركة" سورة الدخان من الآية 3. قال ابن عباس: "أنزل القرآن جملة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة" رواه النسائي.

ولذلك يسمي شهر رمضان شهر القرآن، وتتعلق الأمة به فتتلوه في المساجد وفي البيوت وفي التجمعات وتصدع به المآذن قبل الصلوات ويهتدي به الناس، عن ابن عباس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة" أخرجه مسلم رقم 2308.
 وهكذا يصنع القرآن في الإنسان، يقوي فيه العزيمة ويعينه على الجود والكرم ..

ثالثاً :عطاء الفرح للصائمين.     
أ- حين يزول الجوع والعطش بالفطر يفرح الإنسان بعون الله عز وجل له، وكذلك يفرح الصائم بصومه عند لقاء ربه.                                حيث يجد جزاء عظيماً وثوابا كبيراً فما أعظمه من عطاء إلهي يدل عليه حديث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - الذي يقول فيه: "للصائم فرحتان يفرحهما ، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه" أخرجه البخاري رقم 1904. وفرح كل إنسان بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك.. 
 ب- قبول دعاء الصائم. 
ويعد قبول دعاء الصائمين عطاء إلهيا  عظيماً، ويكون الدعاء قبل الإفطار لحظة انكسار النفس والذل لله تعالي فعن أبي هريرة عن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "ثلاث لاترد دعوتهم،  الإمام العادل ، والصائم  حين يفطر، ودعوة المظلوم "أخرجه الترمذي رقم 2526.  
وفي حالة التأهب إلي الإفطار وخير الله كثر وطاب  والعبد قد أعين على الصيام  يتوسل إلى الله بمزيد طلب العون آملا قبول الدعاء فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد" رواه ابن ماجه.  
وقد كان النبي يدعو عند الإفطار ورد عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر قال : "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" اخرجه ابو داود.  بل ويستجيب  للصائم أن يدعو حال صومه  بمهمات الآخرة  والدنيا له وللمسلمين.

ج- شفاعة الصيام. 
كذلك يفرح الصائم بشفاعة الصيام يوم القيامة، وما أجملها من شفاعة تأتي عند الحاجة ولأن الصيام مرتبط بالقرآن فيشفعان سويا عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام، رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان "أخرجه الإمام أحمد. 
 
د- دخول الصائم من باب الريان.
فهذا عطاء عظيم حيث إن باب الريان أحد أبواب الجنة الثمانية وهذا الباب أعد للصائمين فقط، عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن في الجنة بابا يقال له الريان: يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد " أخرجه البخاري. 

ه- سلامة الصدر.
من عطاءات الصيام أنه يصنع قلبا سليما بعيدا عن الغل والحسد والغش ووساوس الشيطان وما يحدث في القلب من قسوة وكبر، فعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ان النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال : " صوم شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن بوحر الصدر " أخرجه الإمام أحمد.

وختاماً:
 فما أجمل شهر رمضان المبارك وما فيه من عطاءات كثيرة أشرت لبعضها بإيجاز، آملا أن نغتنم هذه الأيام المباركة، ونفرح بكل عطاء فيها، والله أسأل أن يصلح حالنا ومآلنا ، وأن يجمع شملنا ، ويوحد صفنا، وأن يجعلنا وأهلنا وبلادنا في أمنه وأمانه، وأن يحسن خاتمتنا وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.