جريدة الديار
السبت 27 أبريل 2024 05:20 صـ 18 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مريم خيربك تكتب :سيناءُ لنا 

(لايهم ..هل هو سليمان خاطر  أم سليمان الحلبي ، المهم أنه بطل من أبطال تاريخنا )....
بطلٌ قالَ كلمات عند محاكمته ، ويقولها الأبطال في حالته :
(أنا لاأخشى الموت ، ولا أرهبه ، إنه قضاء الله وقدره ، لكني أخشى أن يكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي   آثار سيئة على زملائي ، تصيبهم بالخوف ، وتقتل فيهم الوطنية )....
هذه الوطنية التي ترعرعت مع سليمان الطفل ، الذي لاينسى ، وهو ابن الخمس سنوات ، هزيمة لحقت بوطنه وبالعرب ، فوصمت حزيران ١٩٦٧ بها ..وصاوا يسمونها هزيمة حزيران ...
لذلك كان وهو يكبر يتذكرها  باستمرار عبر حرب استنزاف يشنها عدو العرب على مصر وسوريا....
لكن مجزرة مدرسة قرية ( بحر البقر ) كانت الأقسى على مشاعره وكيانه ، الذي مازال طفلاً ، حين قصف الطيران الإسرائيلي مدرسة للأطفال الذين غطت دماؤهم أرض تلك القرية ، وظلت وجعاً يجلد روح كل من سمع بها بسياط امتهان الكرامة....
كانت أياماً حزينة في روح سليمان ، ووجعا مابرحها ، وما غادر ذاكرته رغم مرور السنوات عليه وهو يكبر ويكبر فوق أرض التصق بجسده وعقله وروحه بها ، كابنٍ لفلاحين مصريين ارتبط وجودهم وكرامتهم وعزتهم بها ، وبوجعها الممتد مع الأيام ، دون أن يوقف نزفه صلحٌ أو غيره مع عدوهم ، لابل زاد الصلح هذا الوجع المرتبط بامتهان الكرامة.....
وها هو سليمان يصل إلى عمر يفرض التحاقَه بجيش مصر كي يؤدي خدمته الإلزامية ، فيسرع بروح وثَّابة  ، و مشاعر اختُزنت على مدى سنوات عمره  ، وكأنه بهذا يهدهد روح كل طفل روت دماؤه أرض مدرسة ( بحر البقر) حين قصفت طائرات العدو تلك المدرسة  ،  مع احتمال ذهنه لقصف مدارس أخرى ، وأطفال آخرين....
وفي جنوب سيناء ، عند رأس برقه 
 كآخر حدّ يُسمَح فيه للجيش المصري بالتواجد وقف سليمان ليقوم بحراسة الحدود التي تتاخمها أرض سيناء ( المحررة) ، والمنزوعة السلاح بحكم الإتفاق مع العدو...
لايغادر الألم روحه وهو يرى سيناء تمتد أمامه برمالها الذهبية وخيراتها المختزنة فيها ، دون أن يُسمح لأي مصري الإقتراب منها بسلاح أو بلا سلاح....وهذا كان أيضا ماينطبق على العدو الذي انسحبت جيوشه منها كتطبيق للمعاهدة...التي لم يعترف عقل سليمان بها ،  لإيمانه بأن سيناء لمصر ، وكأي بقعة مصرية.....وربما هذا ماكان يوجعه  ، فيهدّئ الوجع بأن التعليمات هكذا ، وعليه تنفيذها...مهما كان احتمال غدر العدو متوقعاً.....
كان يتسامر مع رفيقه على التلة( المرصد ) مؤكداً أنه سيشتاق لهذه الأرض ، التي ستنتهي خدمته فيها بعد شهور قليلة....
لكنه لم يتوانَ لحظة عن المراقبة  خشية تسللٍ من جهة العدو  ، فالأرض كالأم بحاجة أبنائها في لحظات ضعفها.....
مشاعر كثيرة تتمازج في روحه وهو يقترب من لحظة توديعها ، لكن القدر حكم عليه أن يظل أنشودة يغنيها أبناء وطنه ، وأرواح أطفال مدرسة بحر البقر ، حين رأى مجموعة من الرجال من جهة العدو تجتاز الحدود المحظورة ، وهي تقترب منه..
- قفوا....لعلهم لايعرفون العربية.....ستوب.....ستوب.....يستمرون بالتوغل ......
أقول ستوب......يستمرون
وتنتفض روحه بكل مخزون أوجاعها...يجب ألا يقتربوا من الآليات حوله.....
- ياهؤلاء...ستووووب...سيناء لنا ....سيناء لنا....
ومع استمرار تقدمهم تنطلق رصاصات بندقيته فيتهاوون سبعة قتلى وبعض الجرحى....
ينظر إليهم بثبات : هم من خرقوا الإتفاق فوق أرضنا....أجل هم.....وواجبه يحتِّم عليه مافعل....
يسلم نفسه كبطل ...هذا مااقتنع به ، وما يجب أن يفعله كل مصري شريف....
لكنَّ السجن يستلمه بحكم مؤبد كقاتل....
بعد ثلاث سنوات من السجن ، وفي لحظة من حياة عظيمة يتحول سليمان إلى أسطورة تحكيها القلوب والشفاه الموجوعة من الظلم على الوطن وأبنائه ، تنضم إلى أسطورة سليمان آخر وآخر وآخر.....وحكايا آلاف الأبطال الذين صاروا أوسمة على صدر تاريخ الأوطان.......

(مريم خيربك -  سوريا )