جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 12:20 صـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مذبحة القلعة..مهرجان الدم

محمد علي يشاهد قتل المماليك
محمد علي يشاهد قتل المماليك

تحدد أول مارس 1811م  موعدًا لسفر الحملة المصرية بقيادة الامير طوسون لإخماد الحركة الوهابية في الحجاز، وخرج شعب القاهرة كعادته في هذه المناسبات الي الشوارع المحيطة بالقلعة لتوديع الجيش وسط أهازيج الفرح ودقات الطبول ولكن صيحات الفرح تحولت الي صرخات إستغاثة وطغي صوت الرصاص علي دقات الطبول وتحول الموكب السعيد الي مهرجان للدم.

رسمة تخيلية لمذبحة القلعة


في صباح ذلك اليوم تصدر محمد علي قاعة الاستقبال الكبري في قصره بالقلعة وتوافد عليه العظماء مهنئين مباركين، وانتهزها المماليك فرصة لأظهار ولائهم للعهد الجديد، فقد خمدت الحروب الطاحنة التي دارت رحاها في صعيد مصر بين فلولهم وقوات محمد علي.

محمد علي يجلس ويشاهد قتل المماليك

ويئس المماليك من إحراز نصر حاسم، فهبطت عزيمتهم وأعربوا عن رغبتهم في القاء السلاح وتظاهر محمد علي بقبول الصلح فأعطاهم الامان.وسمح لهم بالعودةالي القاهرة ليعيشوا في قصورهم بين حريمهم وغلمانهم حياة الرغد واللهو والفجور. ولم يقٍنع محمد علي بهذا الاستسلام ورأي ان الحل الوحيد هو استئصالهم من الجذور، حتي لا تبقي أمامه قوة مناوئة تصرفه عن الهدف الاهم ، وهو الانفراد بحكم مصر.

في هذا الممر حدثت مذبحة القلعة


ذهب البكوات المماليك الي القلعة يرفلون في ثيابهم المزركشة الفضفاضة، وقد تمنطقوا بالسيوف البراقة دون البنادق. واستقبلهم محمد علي بالبشر والترحاب، وابدي لهم من طرف لسانه جلاوة اسكرتهم ونزعت من نفوسهم كل ريبة ، وهم الذين ترابوا منذ نعومة اظافرهم علي الشك والمكر والخداع، لكنهم في هذا المضمار كانوا تلاميذ في حضرة الداهية الاعظم.


ودوي النفير إيذانا بتحرك الجيش، فأنتصب محمد علي واقفا ، ونهض الامراء المماليك يستاذنونه في الانصراف ، فأوحي اليهم ان سيكون اكثر سرورا ،لو انهم شاركوا في المهرجان كي يراهم شعب القاهرة وهم في صحبة الجيش، وتلقف المماليك الطعم شاكرين. واعتبروا مطلبه زيادة في الكرم وحسن النيات .

مذبحة القلعة

وبدأ الموكب سيره حسب الخطة المرسومة: في المقدمة جوق الطبول والموسيقي، ثم طليعة الفرسان، وبعدها كتيبة الجنود الالبان بقيادة صالح قوش ، أحد أربعة رجال أشتركوا مع محمد علي في تدبير المؤامرة . وبعدهم جموع البكوات المماليك علي صهوات جيادهم، وتهادي الموكب من باب القصر، ثم انحرف يسارا ليجتاز طريقا ضيقا وعرا ومنحوتا في الصخور ويتدرج في الانحدار حتي باب العزب الذي ينتهي الي ميدان الرميلة.

محمد علي باشا

وعبرت الفرق الاولي باب العزب ، ثم انغلق الباب غلقا محكما . وفي سرعة خاطفة تسلق الالبان بأسلحتهم النارية قمم الصخور المتاخمة للطريق، بينما كانت جموع المماليك تتقدم نحو الباب ، ولا يدرون شيئا مما يجري حولهم ، وفي نفس الوقت كانت صفوفهم الخلفية تواصل سيرها ، حتي اذا اكتمل عددهم ، انغلق الباب الذي دخوا منه فباتوا محصورين في هذا الخندق الصخري الضيق.

مذبحة القلعة


وفجأ دوت طلقة نارية فكانت اشارة الي بدء المذبحة، وبعدها انفتحت أفواه البنادق كالسيل المنهمر، يخصدهم حصدا ، فلا يستطيعون منه فكاكا. وصدمتهم المفأجاة ، وانسدت في وجوههم ظأبواب النجاة من هذا الجحيم المستعر، وتلاطمت حيولهم وساعد دوي الرصاص علي اثارتها فازدادت هياجا كأنها حُُمر مستنفرة فرت من قسورة. واخذت الخيل تلفظ سادتها عن ظهورها وتدكهم بأقدامها دكا ووكأنها تنفذ دورا مرسوما لها في المؤامرة. ومن حاول منهم تسلق الصخور ، عاجلته رصاصة يهوي بعدها صريعا أو جريحا فتدهسه الخيل النافرة.

هروب امين بك من مذبحة القلعة

قتل في هذه المذبحة 405 من المماليك ، أما الوحيد الذي نجا بحياته فهو أمين بك الذي كان في مؤخرة الركب ، فما ان سمع دوي الرصاص، حتي ركض بجواده نحو أسوار القلعة ثم لكز الحصان بقوة فهوي به إلي الوادي السحيق وتهشم الجواد ونهض الاميرفأطلق ساقيه للريح في صحراء المقطم ، ولم يكف عن الجري حتي وصل لبنان لائذًا بأميرها بشير الشهابي.