جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 05:49 مـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

حبيب رسول الله ( جليبيب )

أيمن عبدالرحيم
أيمن عبدالرحيم

عبد قصير، أسود، أفطس، فقير، رث الثياب، يشرب بكفيه من المياه الجارية، أو يغترف من الآبار، يأكل كسرات خبز إن وجد، فإن لم يجد يطوي صائما، ينام وفراشه الأرض، ولحافه السماء، وليس له من مخدة إلا نعليه في فناء مسجد النبي _صلى الله عليه وسلم_ يمر يوما والنبي _صلى الله عليه وسلم_ جالس بين أصحابه، ينظر إلى هذا الرجل، بهذه الحالة، قال: أتعرفون من هذا؟ وإذ بأغلب الصحابة لا يعرفون إسمه، إن حضر لن يعرف، لن يدعى، وإن غاب لن يفتقد، ومن الذي يحفظ إسم رجل كهذا؟ قال النبي _عليه الصلاة والسلام_ إنه جليبيب، ثم نادى به،: ياجليبيب ألا تتزوج؟ فنظر إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ لن يتفجع، لن يتأوه، لن يقل يارسول ماعندي دنيا ماعندي مال ماعندي ماعندي... إنما ما زاد على أن قال: يا رسول الله، ومن يزوج جليبيبا في الدنيا ولا مال ولا جاه؟ يعرف أن الناس ما زالوا يحكمون في هذه المقاييس، إنه ينتظر زواج الآخرة، فتركه النبي _صلى الله عليه وسلم_ وفي اليوم الثاني ناداه وهو يمر، يا جليبيب ألا تتزوج؟ قال: يارسول الله ومن يزوج جليبيب ولا مال ولا جاه؟ في اليوم الثالث قال النبي: يا جليبيب ألا تتزوج؟ فالتفت مستغرب من نداء النبي _عليه الصلاة والسلام_ قال: قلت لك يارسول الله ومن يزوج جليبيب ولا مال ولا جاه؟ قال النبي: يا جليبيب إذهب إلى بيت فلان الأنصار وإخطب إبنته، وقل أرسلني رسول الله ويقول لكم زوجوني إبنتكم، وكانت الفتاة من أجمل فتيات الأنصار، فذهب جليبيب وطرق الباب، أرسله النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقال: يسلم عليكم النبي ويقول: زوجوني ابنتكم، فقال الأب: ياجليبيب لامال ولاجاه كيف نزوجك؟ وصاحت الأم لزوجها: أيزوج جليبيب وهو على هذه الحال لا مال ولا جاه وابنتنا في موقعها وموضعها التي هي فيه؟ وتسمع الفتاة المؤمنة، فتاة العقيدة، فتاة التوحيد، فتاة القرآن والسنة، فتاة قيام الليل ، تسمع الفتاة المؤمنة، وتصرخ بوالديها من الداخل: كيف هذا؟ أتردان رسول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_؟ والله إني أجزت زواجي، وإني قبلت به زوجاً، قالوا: يا إبنتاه إنظريه، أنظري شكله، أنظري هندامه، أنظري ثوبه، لامال، ولا جاه، قالت: والله لا أرد خاطباً أرسله النبي _عليه الصلاة والسلام_ ويحضر لعرسه تلك الليلة، وبينما مراسيم الزفاف على بساطتها تعقد، إذ بمنادي الجهاد يصرخ في الخارج: (يا خيل الله إركبي) وإذا بجليبيب _رضي الله عنه_ يترك عروسه في زينتها، في حلتها، في أرق وأعذب وأجمل لحظة وصال مابين رجل وامرأة، ليلة الزفاف، وإذا به يسحب يده وكأن عقرب لدغته، وينطلق كالسهم من الرميح، ويلتحق بصفوف الجيش نحو الغزوة، ويقاتل مع الذين يقاتلون، وتنتهي المعركة، ويأتي النبي _عليه الصلاة والسلام_ ويتفقد أصحابه من الشهداء، فيعدد الصحابة كل الناس إلا جليبيبا لا يذكره أحد، قال النبي: ألا تفقدون حبيبا؟ قالوا: من؟ قال: أفقد حبيبي جليبيب، ويبحث عنه النبي _عليه الصلاة والسلام_ فيجده وقد تلوث بالدم، وأصيب بجراحات بليغة، وصار وجهه من طين الأرض وترابها، فينفض عن وجهه، ويضع رأسه على فخده الشريف، قال النبي _عليه الصلاة والسلام_: جليبيب، جليبيب، قتلت سبعا من الكفار ثم قُتلت، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك، ثم أشاح برأسه _عليه الصلاة والسلام_ يمينا، وقال: أتدرون لم أشحت بوجهي؟ قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: والله إني رأيت زوجاته من الحور العين يتسابقن إلى إحتضانه، وأعرفه رجلاً غيوراً، فأشحت بوجهي حتى لا يغار....