جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 06:50 صـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الثقافة لم تعد محصورة في دور الإبداع

هدى حجاجى احمد
هدى حجاجى احمد

لم تعد الثقافة محصورة في الأطار المتخصص للنشاط الثقافي على اتساع ذلك الاطار وتشعب معانية ومسالكه , وقد عرضنا فيما سبق الى بعض النواحى هذا التحول وخاصة فيما يتعلق منها بمشاركة القاعدة الاجتماعية الواسعة ,

وقد بدأ التحول في مفهوم دور الثقافة من نقطة جوهرية في الحركة الوطنية , ألا وهي ضرورة النضال في سبيل الشخصية القومية , وهو نضال بدي تدريجيا في نفس مستوى الاهمية الذى اعتاد المرافبون أن يعترفوا به لمعاني الاستقل السياسي والاقتصادي المعهودة – ذلك ان السيطرة الأجنبية والهيمنة الأستعمارية بلغنا درجة الجمع بين التضييق علي التعليم والتعبير الثقافي الوطني وبين محاولة استئصال الثقافة الوطنية ذاتها من جذورها وبتر معالمها واحلال ثقافة الدولة المحتلة مكانها كما في فلسطين وبعض الدول العربية المحتلة وكان طبيعيا أن يؤدي جيل النضال من أجل بعث القارات الثلاث وفي قلبها الامة العربية – الى تعميق البعد الثقافي للنضال الوطني (يُعدُّ الإبداع من أهم الأهداف التربوية التي تتوقُ المجتمعات الإنسانية الطموحة إلى تحقيقها، بل يظل لغة الإنسان العليا، التي تنضج معها بالصَّقل، على الرغم من الرأي القائل بفطريَّة وجبِلِّية الإبداع؛ فإنالفرد بذاته لا يولَد مبدعًا من أول وهلة، بيدَ أن بذور أو (جينات) الإبداع تولَد معه.

وقد تموت معه إذا لم تجِد ساقيًا ينمِّي جذورها، ويفرع أغصانها في المجتمع الذي هو بحاجة ماسَّة إلى مخرَجاته التنموية، وهي جزء من مشروع الاستدامة الفكرية والحضارية التي تتَشارك فيها البشرية جمعاء؛ كما قال جون هولت: "ليس علينا أن نجعل البشرَ أذكياء؛ فهم يُخلَقون كذلك، وكلُّ ما علينا أن نفعلَه هو التوقُّفُ عن ممارسةِ ما يجعلُهم لا يفكرون". لذا فإنَّ على التربية أن تكون متجددة إلى أقصى درجة ممكنة في أهدافها، ومناهجها؛ حتى لا تنعزل عن مجريات الأحداث، وأن تحاول من خلال عناصرها ووسائطها المختلفة بناءَ الشخصية المبدعة التي لا تُتابع الجديد فحسب، بل تؤثِّر فيه وتجد لنفسها مكانًا في عالم الإبداع) وتاكيد دور الثقافة في الحياة القومية المستقلة وابراز اهمية الثقافة في تحديد المسار الاجتماعي - وفى كلمة اصبحت الثقافة في عصرنا عاملا تكوينيا فعالا من أرفع مستوي في حياة المجتمعات القومية المعاصرة , خاصة وقد عمت شبكة الاعلام الجماهيري كل بيت وكل قرية , المدينة والصحاري والبحار على حد سواء .

وفى الوقت نفسه وبطريقة موازية جغرافيا وزمنيا بدأ الرأي العام ورأي الأخصائيين علي السواء يدرك ان هناك علاقة عضوية وثيقة بين الثقافة من ناحية وعموم العمليات الاجتماعية التي تندرج تحت تعبير الثورة من تحول الى تغير الى تبدل , الى صيرورة تاريخية , إلي تطور اجتماعي جذري الخ ذلك في اطار عدد اكبر عمليات تطور تاريخي شهدها التاريخ وشهدها العالم وقعت في آسيا وخاصة في الصين وفيتنام المعاصرتين و وقد نشا فيها شعار ( الثورة الثقافية ) مبرزا دور الثقافة في قلب عملية اتحول كلها , وقد أثارت هذه التطورات الهامة اهتمام الراي العام والاخصائيين . واتجهت الانظار الى عصر الثورات الغربية الكبري , فإذا بها تبين أن الظاهرة ( الجديدة ) هي في واقع الأمر قديمة معهودة مألوفة فقد سبق الثورة الفرنسية الكبري (1789) عصر التجميع " الانسيكلوبيديا" وكذا الحال في ثورات انجلترا والمانيا من قبل ثم حركة توحيد ايطاليا وألمانيا في نهاية القرن التاسع عشر . وكذا الحال ايضا في حرب استقلال أمريكا وما واكبها من حركة تنوير في العالم الجديد .

لم تكن اذن أعمال الإعلام – من دانتي الى هيجل ومن توماس مور الي ديدرو وفولتير , ومن فيكو الي فاجنر ومن شكسيبر الى هوميلدت_ . مجرد نتاج هامشي علي معزل من التاريخ وإنما كانت بمثابة الكشاف الفكري والوجداني العملاق لتحرك المجتمعات وتغير التاريخ وتبدل مصائر الإنسان عدنا اذن الى صوابنا واعدنا الثقافة الى مكانتها الحقة ومكانها الطبيعي في قلب عملية تغير العالم المعاصر .