جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 12:27 مـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
مع الاحتفاظ بـ«المصرية».. آليات جديدة للحصول على الجنسية الأجنبية سعر الدولار اليوم الجمعة مع تقلبات الجو.. علاجات منزلية لـ الجيوب الأنفية ”التعليم” تكشف موعد انطلاق امتحانات الثانوية العامة 2024 التنمية المحلية تتابع تحسين مستوي الخدمات للمواطنين بالمحافظات.. رصف طرق بالغربية ١٥١٣ مواطن تلقوا خدمات الكشف والعلاج بالمجان بقافلة السرو من صحة دمياط التنمية المحلية تتابع تنفيذ مبادرة حياة كريمة والجمهورية الجديدة مصر بتتبني بالمحافظات ..” أسوان” افتتاح استوديو المحتوى التعليمى الجديد بالتعاون مع اليونسكو وهواوى بالأكاديمية المهنية للمعلمين وزيرة التضامن: 60% من مرضى الإدمان يعيشون مع أسرهم دون اكتشاف الوالدين لتعاطي أبنائهم. وصول 8 شهداء لـ مستشفى «الأقصى» جراء قصف الاحتلال منزلًا بمخيم المغازي إصابة 9 أشخاص واحتراق منزل في مشاجرة بالفيوم ... بسبب خلافات الجيرة مصرع شاب في تصادم دراجة نارية بجرار زراعي في الوادي الجديد

اليوم.. 6 سنوات على رحيل الأستاذ

محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

أتته الصحافةُ مُنقادةً، تُبوِّئه أعلى مكانْ، فساسَ السياسةَ بسبكِ البيانْ، وهَيْكَلَ "الأهرامَ" فوقَ "كِيوان"، وأصبح فارسَ كلِّ أوانْ، وصالَ بـ"روزا"، و"أخبارِ يومٍ"، وطوَّع الصحائفَ طَوْعَ البَنانْ، بيُمناه "الثُّريّا" والفرقدانْ، وأوقف التاريخَ يُعلِّمه كانَ وكانْ، "لناصر" كتب"الميثاقَ" وخُطَبَ الديوانْ وأقصى نجومَ الكتابةِ بسعدِ الجُمانْ، فلا تسألنَّ عن "الهَيْكَلِ" فـ"هيكلُ" بحرٌ حوى الرِّمالَ والمَرجانْ.

لو لم تختر له الأقدارُ طريقه؛ لاختار هو بمهارةٍ طريقه. اشتغل بالسياسة، وصار من أربابها؛ فنال نعيمها، ثم أصابه زقُّومُها، وما تخلّى يومًا عن القلم، حتى أضحى ربَّ القلم.

وهبه الله عينَ صقرٍ ترى كل شيءٍ، وعقل داهيةٍ لا يقع في المُدلَهِمّات، وشراسةَ الليثِ وانتصاره، ومكرَ الثعالبِ واقتناصها، ومراوغة الفهود وانطلاقها، وروح القِطط التي تُغالِب الصعابَ وعُمرَها المديد، ونظامَ النَّملِ ودقته، وإدهاشَ الطاووس وروعته، وشهدَ النَّحلِ وعذوبته.
آتاه الله طول القامة، ورشاقة البنيان، ووهجًا متَّقدًا، وذكاءً متناميًا، عرف كيف يستخدمه لصالحه، وقدرةً رهيبةً في التحصيل، والقراءة، والإصرار على التبريز، واحتلال المكانة السامقة بأية وسيلةٍ ممكنة.

جدلٌ دائمٌ مقيم، وتاريخٌ حافلٌ عظيم، وتناقضاتٌ وألغازٌ لا تستقيم. أيقونة الصحافة، وتاجُ رأسها، وفلتةٌ من فلتات الدهر التي لم تتكرر.

عجيبٌ في عصاميته، عجيبٌ في ملكاته واستعداده، عجيبٌ في إرادته الفولاذية، وتحديه لعوائق المجتمع والظروف والتعليم، عجيبٌ مع خصومه وأعدائه فتكًا وصعقًا، عجيبٌ في تحليلاته ونقداته، عجيبٌ في إهالته التراب على مَنْ يختلف معه، وبالأخص مع الرئيسين: محمد نجيب، والسادات، ومع الملِكَين: حسين، والحسن الثاني، ومع أساتذته: محمد التابعي، وعلي ومصطفى أمين، وآل أبو الفتح، عجيبٌ في لي النصوص واقتطاعها مِن سياقاتها، عجيبٌ في احتلاله المنزلة الأولى شابًّا وكهلًا وفي أرذل العمر.

صدق فيه قولُ كاتب هذه السطور على لسانه شِعرًا:(ونظرتُ إلى الكبارِ وأنا رضيعٌ/ فقلتُ مهلًا، أفيقوا وخلُّوا لِيَ الطريقا/ فإني منذورٌ ومُقْتَنِصٌ بمجدٍ/ لِيَ القمرانِ والميراثُ جديدًا أو عتيقًا)! مُراوغٌ مبارزٌ، تجهَّز لكل العصور بكل الحُجج والدفوع والوثائق؛ فكان صحفي كل العصور، وحاول ألّا يترك لأعدائه أية سقطةٍ يستخدمونها ضده، ومع هذا الاحتياط والتثبُّت، والتمرس على المداراة، والهالة الكبيرة، وجيوش الأنصار والرجال مِن حوله؛ فإنه وقع في الأخطاء القاتلة، والتسويغات الفادحة، والمغالطات التي لا يمكن أن تصدر عن كبير صاحبة الجلالة.

أكبرُ مستفيدٍ من كتاب"الأمير" لمكيافيلي في دروس حياته وتقلباته.

عاش يطلب المجد والسؤدد لنفسه؛ فحقَّق ما زاد على ما أراد وتوخَّى، وكفاه فخرًا أن اصطفاه عبد الناصر صفيًّا ونديمًا وصاحبًا.

فلو عاش أيام الإغريق؛ لكان "هيرودوت" زمانه، ولو عاش أيامَ محمد علي باشا؛ لصار "الجبرتي"مع بعض البهارات، ولو كان على أيام هتلر لأصبح "جوبلز" مع بعض التعديل والتحوير، ولو عاش إلى الآن لصار هو هو، بلحمه وشحمه وأناقته وكاريزماه، وما اهتزت مكانته، رغم كثرة النِّصال والسِّهام والمعارك وإراقة الأحبار.

لم تحترق صورته، ولم يفقد جمهوره ولا عرشه؛ فعاش ومات، وهو ملك الصحافة الأول والأخير، والصولجان في يده مِلكُ يمينه.

حملتْ مقالاته "بصراحة" في الأهرام وجهة نظر النظام أيام عبد الناصر، وكانت مثار اهتمام وكالات الأنباء العالمية، ودوائر صنع القرار في الشرق والغرب؛ لِما تحمله من أخبار ومعلومات دقيقة وأرقام وتفصيلات.

اتفق على مكانته وجدارته.. النخبة والخاصة والعامة، واختلف معه الليبراليون والراديكاليون المتأسلمون والرأسماليون واليمينيون؛ فازداد وهجه اشتعالًا، وبخوره ارتفاعًا، واستحق أن يجلس على كرسي "الأستاذ"؛ تنظيرًا وتأريخًا، وتوجيهًا للرأي العام من المحيط والخليج.
* * *
محمد حسنين هيكل (1923-2016): كاتب صحفي بارز، وأشهر صحفي مصري وعربي في العصر الحديث. كان الكاتب الأوحد أيام الرئيس عبد الناصر، فلم يسمح بظهور أحد غيره. موهوب، عصامي، سياسي، مؤرخ، محاور الملوك والرؤساء، صانعٌ للأحداث السياسية ومشارك فيها، محلل للوقائع، امتاز بالذكاء الحاد والدهاء النّفّاذ.

وُلد في القليوبية، ودرس في معهد السكرتارية بالقاهرة. وبعد أيام قلائل تحل الذكرى السادسة لرحيله.

عمل في الأربعينيات في صحف ومجلات: الإيجيبشيان جازيت، وآخر ساعة، وأخبار اليوم، وروزاليوسف حتى صار رئيس تحرير آخر ساعة.
قام بتغطية أحداث الحرب العالمية الثانية، وعمل مراسلًا حربيًا في حرب عام1948، وتعرَّف إلى جمال عبد الناصر في فلسطين أثناء الحرب، وصارا صديقين.

بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، تولَّى رئاسة تحرير الأهرام، ورئاسة مجلس إدارتها منذ عام1957حتى عام1974. وتولى وزارة الإرشاد القومي(الإعلام حاليًا) عام1970. استقال من رئاسة الأهرام في 2 فبراير عام1974 بسبب اختلافه مع توجهات الرئيس السادات الساعية نحو عقد اتفاقية للسلام مع إسرائيل.

اعتقله السادات ضمن حملة اعتقالات سبتمبر الشهيرة عام1981.

كتب في الصحافة الغربية، وفي صحف اليابان، ونشر مؤلفاته بالإنجليزية، وقامت دور النشر العالمية بترجمتها إلى كثير من لغات العالم.
في عام2003، اعتزل الكتابة والصحافة،(استئذان في الانصراف)، وتوجَّه نحو الفضائيات الأكثر تأثيرًا؛ فقام بتحليل أحداث مصر والعالم العربي وقضايا الساعة، وعلَّق عليها كشاهدٍ على العصر، من خلال أحاديثه التليفزيونية الشهيرة على الفضائيات المصرية والعربية.

نال جوائز وأوسمة ونياشين من رؤساء وملوك العالم.

من مؤلفاته: خريف الغضب، والطريق إلى رمضان، وقصة السويس، ولمصر لا لعبد الناصر، وزيارة جديدة للتاريخ، والمفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل، ووثائق عبد الناصر، ومدافع آية الله: قصة إيران والثورة، وملفات السويس، وأكتوبر 73: السلاح والسياسة، والاستعمار لعبته الملِك، ومبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان، وماذا جرى في مصر ولها ومصر إلى أين؟ ما بعد مبارك وزمانه، وزيارة جديدة للتاريخ، وغيرها.

هيكل، بعيدًا عن الحب والكُره، ومع وضد، وعن ملفات التخوين والدروشة، يبقى بمعيار العلم، والقسطاس المستقيم، وعدالة القاضي؛ الذي يزن الأمور بحلوها ومُرِّها .. وجهًا مصريًّا وعربيًّا لامعًا، ونموذجًا ناجحًا، ذا تأثير طاغٍ، خاطب الغرب، ووصل إلى العالمية؛ فأسَّس لنفسه منهجًا، واستنَّ طريقةً، وأنشا مدرسةً صحفيةً وبحثيةً، بجهده وعرقه؛ فاستحق الخلود.

رثاه الشاعر العماني الشيخ سالم بن حمود السيابي؛ فقال:("أهيكلُ" لا أُغالي في غُلوِّي/ فإنكَ ذلك العقلُ الكبيرُ.. "أهيكلُ" كيف أجترُّ القوافي/ وهُنَّ مِنَ الأسى صُمٌّ وعُوْرُ؟).

ولمن أراد المزيد من الدراسات والمؤلفات عن حسنين هيكل وحكاياته؛ فليقرأ: هوامش على قصة محمد حسنين هيكل لضياء الدين بيبرس، ومحمد جلال كشك: ثورة يوليو الأمريكية، وكم عُمر الغضب: هيكل وأزمة العقل العربي للدكتور فؤاد زكريا عن شركة كاظمة للنشر بالكويت، ويوسف القعيد: محمد حسنين هيكل يتذكر:عبد الناصر والمثقفون، وعادل حمودة: خريف هيكل، ومحمد الباز: هيكل المذكرات المخفية: السيرة الذاتية لساحر الصحافة العربية عن دار ريشة للنشر بالقاهرة 2021، ومقال صلاح منتصر: الأستاذ هيكل: شاهد أم شريك؟ المنشور بجريدة الأهرام(1/5/1983)، ومقال صلاح حسن رشيد: بين هيكل ووديع فلسطين، من كتابه: وديع فلسطين حكايات دفتري القديم.