جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 04:15 مـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مراكز مشبوهة لعلاج الإدمان أشبه بسلخانات لتدمير الشباب

العاملين بتلك المراكز يفتقرون للشهادات العلمية ومنهم أميين

أساليب التعذيب أثناء العلاج تدفع المرضى للانتحار أو الهروب

منذ فترة ليست بالقليلة، يتحدث الإعلام وتتحدث الجهات المعنية عن غلق مراكز لعلاج الإدمان، وكأن هذه الأماكن أصبحت أوكارًا لتعاطي المخدرات، خصوصاً وأن العديد منها يعمل بدون ترخيص، وتحت بير السلم، لدرجة أن تلك المراكز خلقت تخوفًا كبيرًا عند أهالي مرضى الإدمان عند التفكير في حجز أبنائهم بأي مركز لعلاج الإدمان.

وأصبحت الخيارات المتاحة قليلة أمام الأهل عند الإقدام لتلك المرحلة، فإما حجز ابنائهم بمستشفى حكومي، وذلك يحتاج وقتًا طويلاً، نظرًا لقلة عدد الأسِرَّة، مقابل عدد طالبي الخدمة، أو الحجز في المستشفيات الاستثمارية، التي يصعب على الكثير الوفاء بتكاليفها المادية.

وحول تلك الظاهرة أكد الدكتور عبد الرحمن حماد الرئيس التنفيذي لمستشفى إيوان للطب النفسي، أن تلك العوامل السابقة لارتفاع تكلفة العلاج، وعدم وجود أماكن فى المستشفيات الحكومية، يدفع بعض الأهالي لترك أبنائهم يستمرون في الإدمان خوفًا عليهم من الحجز في مصحات علاج الإدمان، بالرغم من أنه لا وجه للمقارنة أبدًا، بين ترك الابن بدون علاج أو حجزه، وبين حجزه في أحد الأماكن العلاجية المناسبة لظروف الأسرة، فضلًا عن اختيار أفضل الأماكن الموثوق بها، والمشهود لها بالنزاهة.

وأضاف حماد فى تصريحات خاصة لجريدة "الديار" أن تخوف الأهالي من ذلك؛ سببه الخوف عليهم من الأذى، أو مما يحدث في هذه المراكز، وكأن هناك ما هو أخطر من استمرار الابن في طريق الإدمان والمخدرات، أو يدفعهم للتردد في أخذ قرار بالعلاج، أو ربما يضطرون لأخذ القرار بعد ضياع الفرصة، وظهور أعراض ذهانية، أو اعتياده على السرقة، أو بعد ما عمل حادثة، أو تهديده بالفصل من العمل أو الدراسة.

وأوضح أن بعض الأهل يلجئون لحل وسط، أنهم يتابعون مع طبيب نفسي في العيادة للعلاج من الخارج، وللأسف احتمالية نجاح هذا الشكل من العلاج قليلة، ولا ينتج عنها حالة من التعافي الدائم.

وأكد أن تعاطى المخدرات ينتج عنه التلف الذي يحدث في الدماغ كبير جدًا، ويحتاج إلى وقت في العلاج، خصوصًا لو بدأ التعاطي في سن صغيرة، وهذا هو المعتاد غالبًا، ولو بدأ يتعاطى المخدرات الحديثة شديدة السمية، فلا يكفي أن يذهب للمستشفى؛ لعمل سحب السموم ويخرج، بل يحتاج فترة أطول من العلاج، لإصلاح ما يمكن إصلاحه، ولعلاج الأعراض النفسية، اذا وُجدت من هلاوس وضلالات وعنف وهياج واكتئاب وقلق شديد.

ولحل مشكلة التفكير الإدماني الذي يحرك المدمن في الغالب، ولتعلم سلوكيات جديدة بعيدة عن السلوكيات الإدمانية، ولاكتساب مهارات جديدة، ولتكوين شبكة علاقات جديدة، ليس لها علاقة بتعاطي المخدرات.

وأضاف : أن مدة العلاج وأفضل نموذج علاجي ناجح عالميًا مع مرضى الإدمان يطلق عليه المجتمعات العلاجية أو الـ therapeutic communities، يستمر فيه المريض من ١٢-١٨ شهرًا، ويمارس حياة طبيعية، وفيه ورش نجارة، وأماكن لتعلم الحرف، ومجتمع قريب من المجتمع الخارجي، وهذا النموذج تقريبا ليس موجودًا في مصر، ويحتاج لإمكانات ضخمة لتنفيذه.

وأكد أن أغلب الأماكن ذات السعة السريرة المحدودة، مع الحاجة لتدوير السرير، واستقبال أكبر عددٍ من المرضى، وذلك يجعل الوقت المتاح للعلاج غير مناسب، مع حجم المشكلة، فضلًا عن أن المريض لو طلب الخروج من المستشفى، فيتم خروجه، برغم وجود احتمالية تدهور وشيك، وعادة ما يخرج المريض، ويُضرِب عن العلاج أو تنتكس حالته مرة أخرى.

ووضع حماد بعض الحلول المقترحة لحل مشاكل الادمان المتزايدة:

١- تفعيل الحجز الإلزامي لمرضى الادمان في المستشفيات الحكومية، ولابد أن يتم إلغاء شرط العلاج الإرادي للعلاج من الإدمان، وأن يتم تطبيق العلاج الإلزامي أسوة بالمريض النفسي، لأن الضرر لن يكون على المدمن فقط، بل الضرر سيكون على المجتمع المحيط بهذا المدمن، والذي يخالط هذا المدمن، والذي من الممكن أن يتحول لشخصٍ عنيفٍ وعدوانيٍّ، ويعتدي على الآخرين؛ بسبب إدمانه.

٢-تسهيل ودعم إنشاء مراكز علاج الادمان الخاصة، وتسهيل إجراءات التراخيص، والتخلص من حالة البيروقراطية في التراخيص، ووجود جهة تتابع تنفيذ ذلك.

ويمكن تقسيم مراحل العلاج إلى مرحلتين:

المرحلة الأولى، وهى مرحلة سحب السموم، أو علاج الأعراض النشطة، والتي نتجت بسبب الإدمان، ولابد أن يتم حجز المريض فيها في مراكز العلاج، التي تتبع وزارة الصحة ويوجد عليها اشراف تام.ط، ثم يتم تحويل المريض إلى أحد مراكز بيوت التعافي، لإكمال عملية التعافي، أو البدء في عملية التأهيل، هذه المرحلة من العلاج أو التأهيل لا تحتاج الى إشراف كامل من وزارة الصحة، بل من الممكن أن تشرف عليها وزارة التضامن أو أي جهة أخرى، لأن المريض عادة سوف يكون مستقرًا، ولا يحتاج إلى دواء، وسيكون مقتنعًا بالعلاج، وبالتأكيد يُفضّل أن يكون العلاج تحت إشرافٍ من الأطباء والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين والمعالجين.

٣-تفعيل إحدى مواد القانون، بدلًا من أن يتم إيداع المدمن في حال القبض عليه متعاطيًا، وبدلًا من إيداعه السجن، أن يتم إيداعه إحدى دور العلاج، وذلك بأمر قاضي التحقيق، وفي رأيي-لا تقل فترة الإيداع للعلاج عن ٦ أشهر.

٤-يوجد نقص كبير في الكوادر الذاتية، في حال التوسع في أماكن تقديم خدمات العلاج، وفي رأيي؛ فإن خريجي كليات الآداب، من أقسام علم النفس، والخدمة الاجتماعية(والكليات المُناظِرة، سواء كليات التربية أو العلوم الإنسانية أومثيلاتها..) ينبغي أن تعدِّل المناهج؛ للتدريب على التعامل مع المشكلة؛ ولتعلُّم الأساليب العلاجية، لأن دورهم في العلاج مهم جدًا، وللأسف يكونون متخرجين، ولا دراية لهم بأساسيات العلاج.

فيما يقول إيهاب الخراط، رئيس اللجنة الدولية لمكافحة الإدمان بأمريكا ومتخصص علاج الإدمان، إن هناك إشكالية كبيرة جدًّا في استخراج التراخيص الخاصة بأماكن علاج الإدمان، وأماكن أعراض الانسحابات، وإعادة تأهيل المرضي، فيؤدي ذلك إلي انتشار الأماكن غير المرخصة ، والتي تضم فريقًا غير طبي، وغير مؤهل للعلاج، أو إعادة تأهيل المريض لواجهة المجتمع، بعد التعافي بصورة طبيعية، دون الإصابة بأي انتكاسة تؤدي؛ إما لاستسلام الشخص للمواد المخدرة مرة أخرى، والتسبب في كوارث أو الانتحار، مؤكدًا أن تلك العوائق في التراخيص غير مسببة؛ فهي تتسبب في انتشار مراكز علاج، وإعادة تأهيل اجتماعي غير مؤهلة.

وأضاف الخراط، أن هناك في مصر ما يتراوح من ٢٠٠ إلي ٣٠٠ مركز علاج غير مرخص، كما أن هناك ما يتراوح من ٧٠٠ إلي ١٠٠٠ مركز إعادة تأهيل، بعضها يخضع إلي وزارة الشؤون الاجتماعية، وتحت رعاية المساجد والكنائس، وبعضها غير مرخص، مشيرًا إلي ضرورة ترخيص تلك الأماكن؛ بسبب وجود ٦ مليون مدمن في مصر، أي هناك ما يقرب من ٦٠٠ ألف شخص يحتاج للعلاج من الإدمان كل عام، ولا يوجد علاج في الأماكن التي طرحتها الدولة بالمجان، بسبب كثرة الإقبال علي تلك الأماكن.

وأكد متخصص علاج الإدمان، علي ضرورة وضع شروط ومعايير للترخيص، وخضوع تلك الأماكن لإشراف ورقابة وزارة الصحة، وصندوق مكافحة الإدمان والجهات المختصة، لافتًا إلي أن هناك متعافين يقومون بإنشاء أماكن علاج، دون وجود مختصين، ومؤهلين للعلاج النفسي، وعلاج الإدمان، وإعادة التأهيل الاجتماعي للمريض لمواجهة المجتمع بعد التعافي، ليس ذلك فقط، بل هناك مبالغات في الأسعار، مثل ١٠٠٠ جنية لليلة الواحدة، بالإضافة إلي عمليات التعذيب، التي يقومون بها داخل المصحة، ووضع أكثر من ٢٠ فرد داخل غرفة، لا تسع إلي لـ ١٠ أفراد، بالإضافة إلي بعض الانتهاكات الأخرى غير الآدمية.

وأشار الخراط، إلي أن الحل للقضاء علي مثل تلك الأماكن الموبوءة، هو تطبيق الشروط العالمية في ترخيص مثل تلك الأماكن، وبذلك لن يستطيع هؤلاء ممارسة الطرق الملتوية، التي يقومون بها داخل المصحات غير المرخصة.

فيما قال اللواء محمد نور الخبير الأمني، إن استغلال بعض الأشخاص ممكن، ويتمثل فيمن يمتلكون بعض الأموال في استئجار مكان بعيد عن الأنظار، واستخدامه مركزا لعلاج الإدمان، فيعتبر جريمة في حق القانون والمجتمع.

ولفت إلى أن القائمين على تلك المراكز غير مؤهلين لعلاج مدمني المخدرات على الإطلاق، وأن بعضهم يمارس ذلك دون دراسة علمية، ويقومون بأساليب غير علمية لعلاج مدمني المخدرات.

وأوضح أن هؤلاء القائمين على تلك المراكز، يستخدمون أساليب التعذيب، والاحتجاز بشكل غير آدمي، ويصل بتلك الأساليب إلى موت المرضى في بعض الأحيان، ويحولها كأنها سلخانات.

وأفاد الخبير الأمني بأن جهود وزارة الداخلية تكافح كافة صور المخدرات، من تعاطٍ، واتجارٍ، وجلبٍ من الخارج، ويصنَّف جهاز الشرطة المصرية بأنه من أنجح الأنظمة في تصنيفات الأمم المتحدة في مكافحة جرائم المخدرات.

وقال عبد الرازق مصطفى، الباحث القانوني، إن الحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تزيد عن عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، هى عقوبة كل من أدار منشأة طبية، سبق أن صدر حُكم بإغلاقها، أو صدر قرار إداري بإغلاقها قبل زوال أسباب الإغلاق".

وأضاف مصطفى أنه كما يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين، وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مَن حصل على ترخيصٍ بفتح منشأة طبية خاصة بطريق التحايل.

وأكد الباحث القانوني أن نصَّ القانون رقم 51 لسنة 1981بشأن تنظيم المنشآت الطبية، والمعدَّل بأحكام القانون رقم 153 لسنة 2004 والمعدَّل أيضًا برقم 141 لسنة 2006، عملية إنشاء المراكز الطبية، ونلاحظ أن هذا التشريع تم تعديله في فترات متقاربة، لأن الأحداث السريعة للمجتمع، فيما يخص هذه الجرائم مؤخرًا، أوجب علي المُشرِّع النظر في المواد التي تحتاج إلى تعديلٍ؛ لتواكب ما يحدث في هذه الجرائم؛ لأنها كانت مؤخرًا تشبه( السلخانات).