جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 12:06 صـ 15 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محمد المطارقي: أثريتُ مكتبة الطفل.. والشاشات سرقت خياله

حوار _ طارق سعيد أحمد

يستعرض محمد المطارقي في حديثه للديار هنا حزمة من إشكاليات تعصف بالعملية الإنتاجية لأدب الطفل، محددا بذلك موقع أدب الطفل على خريطة اهتمامات المسؤولون والمجتمع المدني أيضا
حصل على عدة جوائز منها جائزة أحسن كتاب للأطفال بمعرض القاهرة الدولى للكتاب 2017 عن مجموعته القصصية "طائرة من ورق ملون" عن المركز القومى لثقافة الطفل
وللقاص "محمد المطارقي" أعمال عديدة دخلت ضمن قائمة المكتبات بوزارة التربية والتعليم المصرية، والمنهج الدراسى الكويتى استعان بنصا من أعماله ومقرر على الصف الثالث الابتدائى
وإلى نص الحوار:ــ

الأدباء والشعراء وأصحاب الأقلام النبيلة هم قادة الفكر
صناعة كتب الطفل تعثرت والبعض سقط سقوطا مدويا
هناك إقصاء لحملة الأقلام الجادة

أين يقع أدب الطفل على أجندة أولويات وزارة الثقافة ؟ والجهات المعنية؟

أدب الطفل شأنه شأن الأدب عموما يقع على هامش الظل فى واقع ثقافى متأزم، بعد أن كان الأدباء والشعراء وأصحاب الأقلام النبيلة هم قادة الفكر والرأى، ويتصدرون المشهد الثقافى بقوة، حدثت تحولات فى البنية الثقافية بفعل مستجدات مذهلة وعواصف هوجاء وتوغل من بيدهم المال والسلطة ليتم إقصاء المبدع والمفكر عن دوره الحقيقى كمحرك أساسى لتوعية الجماهير والإرتقاء بذائقتهم الفنية والجمالية فقبلوا الدنية، واستسلموا لواقع مزرى لايليق بهم ولا بتاريخ آبائهم وأجدادهم من المفكرين والأدباء والشعراء، وهذا مادفع بالكثير من الأدعياء لأن يحتلوا مواقعهم الشاغرة ويبرزوا ثقافة التجهيل والتسطيح، والهاء الناس بقضايا وهمية ،أو استخدام نبرة الزن والإلحاح المستمر لتوليد حالة من الرضوخ والإمتثال لثقافة التفاهة والإستهلاك
أدب الطفل يا صديقى ليس مجرد كتاب يتم إصداره فقط، ولكن ثمة تبعات ينبغى أن تتحقق.أهمها بالطبع هو وصول الكتاب إلى القارىء المستهدف، وأن يكون الوعاء جاذب والمحتوى جيد، وزارة الثقافة تهتم بنشر الإبداعية وهى لها نوافذ متعددة كهيئة الكتاب والتى تتصدر دور النشر الرسمية عموما، ثم المجلس الأعلى للثقافة ممثلا فى المركز القومى لثقافة الطفل، وهذا يقوم بدور حيوى وهام جدا سواء على مستوى الأعمال التى تصدر أو الأنشطة والفاعليات التى يتم فيها التقاء المؤلف بجمهوره من الأطفال،هذا الجمهور هم من أبناء القاهرة، وبالتالي فهم أوفر حظا من أطفال القرى والأقاليم الأخرى التى لايمكنهم حضور تلك الفاعليات، وإن كان المركز حقيقة يسعى بكل مايملك للوصول إلى بعض القرى البعيدة و النائية والتواصل مع أطفالها، وهناك هيئة قصور الثقافة التى تحاول جاهدة أن تتواصل مع الأطفال من خلال نوادى الطفل بقصور الثقافة المتناثرة فى أنحاء مصر، وهى تفتقر إلى وجود حقيقى يحدث فيه الالتقاء المباشر بين الكاتب وجمهوره من الصغار، كما أن الهيئة بكل ماتملكه من امكانيات هائلة واصدراها للكثير من الكتب والسلاسل تضن بإصدار كتب للأطفال اللهم إلا كتاب وحيد هو كتاب قطر الندى، والذى كاد أن يتوقف أكثر من مرة، وهو الآن يقوم على رئاسته المبدعة الكبيرة فاطمة المعدول التى تجاهد بشراسة وقوة من أجل استمرار السلسلة واصدارها بصورة لائقة

دور النشر الخاصة هل يكتمل بها المشهد بما تعجز عنه المؤسسات الحكومية؟

فى العقود الأخيرة برزت العديد من دور النشر غير الرسمية التى تقوم على صناعة الكتاب الخاص بالطفل، وقد تعثر البعض منها وسقط سقوطا مدويا بكل أسف لأسباب عديدة، فممارسة الإستخفاف المقيت والإستناد إلى أقلام زائفة ولوحات شاحبة لاتمت إلى أى بعد جمالى، هو نوع من المتاجرة الدنيئة التى تسعى إلى التكسب والتربح على حساب الطفل فى الوقت الذى تسعى فيه دور نشر حقيقية الوصول إلى عقل ووجدان الطفل عبر بوابات شرعية، ومشروعة بدءا من احترام عقلية هذا الطفل، وتقديم ما يتوائم مع مرحلته العمرية من خلال تشكيل بصرى مبهج تتعانق فيه الكلمة بالصورة فى ألفة وتناغم محبب, مع التأكيد على قيم المجتمع والحفاظ على هويته وتقاليده الراسخة.

ولكى نصل الى النتيجة المرجوة، يتحتم على الدولة أن تساند دور النشر، وأن تقوم على تشجيعها بشتى الصور الممكنة وذلك من خلال دعمها للورق، والأحبار واستخدام كل سبل الدعاية وتقديم البرامج الموجهة التى تثير شهية الطفل لاقتناء الكتاب فتشجيع الطفل على القراءة هو دعم حقيقى لدور النشر المتخصصة وضمانة لاستمرارها فى إنتاج الجديد من الإصدارات الجيدة

كيف نجعل الطفل يقرأ؟

الكتابة للطفل فيها جسارة وتحدى فأنت حين تختار هذا العالم، تعلم يقينا أن ثمة تحديات تنتصب أمامك كالكتل الخرسانية التى من الصعب اجتيازها ممثلة فى طوفان من أفلام الكارتون الذى يمتاز بجودته الفائقة، وطريقته الشيقة فى العرض فإن لم يكن الطفل ملتصقا بشاشة التليفزيون، فحتما ستجده منكبا على شاشة الموبايل، يضغط على أزراره المضيئة لتنفتح له عوالم من السحر تجذبه وتستأثر بخياله، واذا شعر بالملل فهو يلجأ الى جهاز الكمبيوتر ليغوص فى بحاره العميقة ويغرق فى سلاسل متصلة من الفيديوهات والمسلسلات والأفلام وغيرها من وسائل التسلية والترفيه.

ومن ثم فإن الكتابة للطفل فى خضم هذا البحر المتلاطم إن لم تكن بوسعها أن تجذبه بقوة فلن يستجيب، بل ولن يلتفت إليها من الأساس والقوة هنا هى قوة الكلمة الملاصقة لقوة الصورة والقوة هنا تعنى قوة الجذب بما تحمله الكلمة من رشاقة وبساطة لتفتح له آفاق من الروعة والخيال تعانقها صورة مبهجة تحدث حالة من الدهشة تظل ملاصقة له طوال رحلة القراءة
ولاشك أن للأسرة دور هام ومصيرى فى تعلق الطفل بالقراءة إذا توافرت لديها حالات الإدراك والوعى بقيمة الثقافة وأهميتها فالطفل ابن شرعى للبيئة التى ينشأ فيها بما يعنى أن القراءة لو كانت عقيدة راسخة فى كيان الأسرة فسوف تنتقل إلى الطفل بكل سهولة ليصبح يوما ما أحد المبشرين بها الداعين إلى تلقيها والإعتناء بها لما وجده فى نفسه من ثمار طيبة، فوجود مكتبة فى البيت تحوى ألوانا من أطايب الكتب والمجلات، لاسيما واحترام من الراشدين أنفسهم يصل إلى حد التبجيل والتعظيم لشخص الكتاب سوف يسهم بقوة فى تكوين الطفل ثقافيا ويصبح مرافقا له طوال حياته. وكما قال أبى العلاء المعرى " وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ"

وتمثل المدرسة البيت الثانى بعد الأسرة وإن كان عليه دور كبير قد يفوق فيه دور الأسرة ذاته فلايزال العباقرة الكبار يدينون بالفضل الأول للمدرسة واكتشافهم كأصحاب مواهب فنية وإبداعية، فتمت رعايتهم وتقديم كل ما من شأنه الإسهام فى إنجاحهم وبث روح الثقة فى أنفسهم، وتفعيل حصص القراءة الحرة، وأصدقاء المكتبة والحرص على إنشاء مكتبة مصغرة فى كل فصل يتشارك التلاميذ أنفسهم فى شراءها ويتقاسمون قراءتها المدرسة يمكنها أن تكتشف تلك المواهب التى لاتنتبه إليها الأسر المشغولة طوال الوقت بأزماتها الاقتصادية ومشاكلها الاجتماعية فلا ينتبهون لوجود طفلهم الموهوب ولا يقدرون قيمته.

ومراكز الشباب بجانب دورها الأساسى الذى أسست من أجله وهو الإهتمام بفئات الشباب على المستويين الرياضى والتثقيفى فأنا أعتقد أنها بالفعل قد نجحت إلى حد كبير فى التواصل الإيجابى مع العديد من المؤسسات الرسمية والمدنية للوصول بالكتاب إلى أكبر شريحة من الشباب والناشئة وذلك بدعوتها لجمع مليون كتاب يتم تداولها بالمجان، والعمل على تزكية روح الإبداع من خلال المسابقات وغيرها من الفاعليات الثقافية والفنية

أسعار الكتب والمجلات هل تعتبر مناسبة لرب الأسرة؟

رب الأسرة البسيط الذى يكد ويشقى من أجل أبناءه وتلبية احتياجاتهم الضرورية فى ظل ظروف اقتصادية شديدة القسوة يصبح الكتاب فى تقديره من الرفاهية التى يمكن الاستغناء عنها فى مقابل احتياجات أخرى أهم فالأبناء فى حاجة إلى المأكل والمشرب والاكتساء فضلا عن الدروس الخصوصية التى تكاد تلتهم ميزانية الأسرة، ثم تأتى بعد ذلك ضرورات أخرى ومن ثم فإن المكتبات العامة، ومكتبات قصور الثقافة ومراكز الشباب يمكنها أن تسد هذا العجز باقتناء الكتب والمجلات التى تجذب الطفل وتهتم بتثقيفه والأخذ بيده إلى عوالم أكثر رحابة.

أما فيما يخص أسعار الكتب فأغلب دور النشر معذورة لأن كتب الأطفال تحديدا تمر بمراحل متعددة لكى تصل فى النهاية إلى تقديم كتاب مدهش يجذب الطفل ويدفعه لإقتناءه والناشر ينفق الأموال الباهظة فى ظل أسعار متزايدة فى أنواع الورق والطباعة والرسوم والاخراج الفنى، والتسويق الذى يواجه فيه منافسة شرسة من الميديا ووسائل الترفيه الرقمية المذهلة ولايفوتنا أن الناشر هو تاجر لابد أن يتحقق لديه هامش ربح لكى يستمر فى طريقه المنشود.

بالنسبة لمجلات الأطفال فأنا أعتقد أنها فى متناول الجميع وأسعارها تتراوح بين العشرة جنيهات كحد أقصى كمجلة علاء الدين، وخمسة جنيهات كفارس وسمير ونوروثلاثة جنيهات كقطر الندى وجنيهان كالفردوس وهى أسعار زهيدة لاتكاد تذكر

ما هي الأفكار الكبرى التي تحاول في كتاباتك أن تصل للطفل؟

هناك أفكار كثيرة تم طرحها ومعالجتها فى العديد من أعمالى، ولعل من أهمها استجلاب تاريخنا الوضىء من خلال شخصيات العظماء الذين يحق لنا أن نفخر بهم ونقدمهم كقدوة صالحة لأطفالنا اذكر سلسلة "مسلمون علموا العالم" والتى قدمت فيها عشرة شخصيات من نوابغ المسلمين كالخوارزمى وبن الهيثم وعباس بن فرناس والحسن بن الهيثم وغيرهم بصورة محببة وشائقة تدعو الطفل للإعتزاز بتاريخه وأمجاده وهناك سلسلة "رحالة ومغامرون" وسلسلة "علماء العصر" وكلها تم تناولها بطريقة محببة، فقد سعيت لامتاع الطفل جنبا إلى جنب ثمار المعرفة والتصاقه بقيمة العلم والعلماء مابين القدامى والمحدثين
من القضايا الأساسية التى تشغلنى طوال الوقت وعالجتها فى العديد من الأعمال القصصية "قيمة القراءة" فنحن فى مجتمعاتنا العربية لا نزال نعانى من إهمال القراءة، ونبذل أقصى مايمكن من وسائل الاقناع بأهمية وجدوى القراءة فى زمن صارت فيه القراءة عند بعض الشعوب منهج حياة، ومتنفس لايمكن الإستغناء عنه.

هل هناك خطة لنصل إلى طفل مثقف؟

أزعم أننى على مدار سنوات طويلة قد اثريت مكتبة الطفل -بفضل الله تعالى وتوفيقه- بالعديد من الكتب والسلاسل المتنوعة وهى فى مجملها قادرة على صناعة طفولة أكثر وعيا ولقد سعدت كثيرا بحصولى على أهم جائزة وهى وصول أعمالى إلى أيدى الأطفال فى الكثير من الدول العربية، ولقد شارك منهم الكثيرون فى المسابقات الكبرى كتحدى القراءة التى تقدمها وتقوم على رعايتها دولة الإمارات العربية المتحدة، وهذا من فضل الله تعال ومنه على شخصى البسيط المتواضع الذى لا يملك سوى سن قلمه وبعض الأحلام القديمة.

فى تقديرى أن الوصول إلى طفل مثقف لابد أن تتضافر فى إعداده جهود العديد من المؤسسات الرسمية وكذلك مؤسسات المجتمع المدنى فلا يمكن الوصول إلى ذلك الطفل المنشود بالإتكال على الكاتب وحده وإنما لابد من التعاون بين تلك الجزر المتناثرة مابين وزارة الثقافة، والإعلام، والشباب والرياضة، والأوقاف، والتربية والتعليم لابد من وجود خطة استرتيجية ممنهجة ومشتركة للوصول إلى تلك الغاية النبيلة وهو الطفل، وإلا أين هو على الخارطة الإعلامية وبالأخص هذا الجهاز الخطير الذى يسمى التلفزيون الدراما التلفزيونية يهيمن عليها "لوبى" إذا جاز التعبير، لايسمح لأحد بالاقتراب من هذا الحقل الحيوى بداية من الإعلاميين ومقدمى البرامج والضيوف ومرورا بالمسلسلات والبرامج وحتى الإعلانات، هناك إقصاء شبه متعمد لحملة الأقلام الجادة، والمواهب الحقيقية، وهذا ينتج عنه بطبيعة الحال ركام هائل من البرامج والمسلسلات التافهة ونماذج خاوية لأبطال وهميين.

الطفل - بكل أسف - ليس له مكان على صفحة التلفاز ربما نراه فى إعلانات موجعة للمتاجرة بآلامه وأحلامه، فيما عدا ذلك لن نراه البتة، لأنه غير موجود بالمرة فى دائرة اهتمامهم التلفزيون بما يمتلكه من قدرات عظيمة وهائلة بإمكانه أن يعيد تشكيل فكر ووجدان المجتمع بصورة راقية ومحترمة، هذا إذا كنا بالفعل نتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقا بإمكان التلفاز أن يقوم بالترويج للإصدارات الجيدة، ويساعد فى التعريف أكثر بالأدباء والمبدعين ويتبنى عرض برامج ومسلسلات هادفة وواعية تسهم فى بناء الطفل والأسرة وتحافظ على القيم المجتمعية

ما هي آخر أعمالك؟

بفضل الله تعالى وتوفيقه صدر لى مؤخرا أكثر من عمل للطفل فهناك "جدى صياد السمك" عن دار أصالة اللبنانية.. و "حوار صحفى مع شجرة" عن هيئة الكتاب المصرية وكتاب "قطار الأخلاق" عن سلسلة رؤية للنشء، والذى صدر عن المجلس الأعلى للشئون الاسلامية بالتعاون مع هيئة الكتاب، وهى سلسلة مهمة تصدر تحت رعاية السيد وزير الأوقاف شخصيا، ولقد كنت سعيد الحظ أن تمت ترجمة كتابى إلى اللغة الفرنسية واللغة الانجليزية ولعله فى القريب يترجم إلى لغة أخرى بإذن الله. وقد اشاد معالى وزير الأوقاف بمحتوى الكتاب، وذلك بتصديره مقدمة أعتز بها

ولايفوتنى فى الحقيقة أن اشكر الدكتورة هدى حميد فهى صاحبة الفضل فى خروج هذ الكتاب إلى النور وهناك كتاب "عودة القط أوسكار" الذى تم الانتهاء من طباعته وهو عن دار أصالة اللبنانية وثمة كتاب ضمن سلسلة سنابل بعنوان "الحرية للعصافير" لايزال قيد النشر والسلسلة يقوم على رئاسة تحريرها المبدع الكبير محمد بغدادى ومدير تحريرها الشاعر وكاتب الأطفال والصديق العزيز عبده الزراع كما يتم نشر سلسلة من القصص بمجلة قطر الندى فى باب "يومياتى المدرسية" والمجلة يقوم على رئاسة تحريرها الكاتبة المبدعة نجلاء علام.

كلمة أخيرة

كل التحايا الطيبة لكم شاعرنا الراقى وكاتبنا الجميل طارق سعيد أحمد.. وكل الشكر والتقدير لكم أسرة الديار الكرام.. دمتم جميعا بخير.