طلاب يُحرقون الكتب بعد الامتحانات.. فمن أشعل النيران في القيم؟

في مشهد مؤلم ومفزع، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لطلاب إحدى المدارس القروية بمحافظة بني سويف، وهم يحرقون كتبهم الدراسية عقب انتهاء الامتحانات، وسط ضحكات وهتافات، وكأنهم تخلصوا من سجن، لا من مصدر علم ومعرفة.
المشهد لم يكن فقط تعبيرًا عن الملل من الدراسة أو الضغط من الامتحانات، بل هو إدانة صريحة لواقع نعيشه يومًا بعد يوم: واقع انطفأت فيه قيمة التعليم، واهتز فيه احترام المدرسة، وتلاشى فيه دور المعلم، وغاب فيه وعي الأسرة.
حين يتحول "التريند" إلى تربية!
في عصر الهاتف المحمول والإنترنت المفتوح، لم يعد الطالب يستمد وعيه وثقافته من الكتاب أو المعلم، بل من مقاطع الفيديو القصيرة على "تيك توك" و"ريلز" و"يوتيوب"، حيث يسود:
السخرية من التعليم
التهكم على المعلم
تمجيد البلطجي كبطل شعبي
والترويج لمشاهد العنف كقوة ونجاح
وسط هذا الفضاء المفتوح، يُشاهد الطفل مشاهد لا تناسب عمره، ولا تحترم قيمه، ولا تراعي عاداته وتقاليده، فينشأ في عالم مشوّه المعايير، مقلوب القيم.
والإعلام.. أين هو من المعركة؟
بدلاً من أن يكون الإعلام شريكًا في تربية الأجيال، صار في بعض الأحيان شريكًا في تشويه وعيهم.
أفلام ومسلسلات تُظهر الخارجين عن القانون في صورة المنتصر، وتُقدِّم المعلم كشخص ضعيف، والساعي للعلم كمغفل، في مقابل تمجيد من يسلك طريقًا سريعًا للثراء، ولو على حساب القيم.
إننا بحاجة ماسّة إلى إعلام وطني رشيد يُعيد الاعتبار للقدوة الحقيقية، ويرسخ الاحترام للمعلم، ويُظهر أن طريق النجاح لا يمر عبر الحيلة، بل عبر الجهد والتفوق والتعلم.
احترام المعلم.. البداية الحقيقية للإصلاح
لا إصلاح في التعليم دون أن نُعيد للمعلم مكانته وهيبته.
المعلم هو من يشعل النور في العقول، فإذا أُهين أمام الطالب، أو سُخر منه في الدراما، أو تم تجاهله مجتمعيًا، فإننا نهدم بأيدينا الجدار الأول لبناء أي نهضة.
علينا أن نُعلّم أبناءنا أن المعلم لا يُهان، ولا يُسخر منه، ولا يُتجاوز دوره.
إن تقدير المعلم لا يقل أهمية عن تحديث المناهج أو تطوير البنية التحتية للمدارس.
فالمعلم هو حجر الأساس.. هو من يُربّي قبل أن يُعلِّم، ويصنع الإنسان قبل أن يصنع الشهادة.
العنف المدرسي.. غياب الحوار وفقدان العدالة
ما حدث من حرق للكتب ليس بعيدًا عن تصاعد حوادث العنف داخل المدارس:
طالب يعتدي على زميله، مشاجرات داخل الفصول، واعتداءات على معلمين.
في كل مرة، يتساءل الطالب:
هل أصمت على الظلم؟ أم آخذ حقي بيدي؟
وهنا نصل إلى نقطة غاية في الأهمية:
لا نريد جيلًا خائفًا صامتًا، ولا جيلًا منفلتًا غاضبًا.
نريد مدرسة تُنصِف الطالب وتحتويه، تُربيه وتعلمه كيف يدافع عن حقه بالقانون، لا باللكمات.
نريد بيئة تربوية تحقق الانضباط، وتمنح الثقة، وتُشرك الأسرة في المتابعة والتوجيه.
الأسرة.. الحلقة الأقوى إن أرادت!
لا تعليم بدون بيت يتابع، وأسرة تراقب، وأب وأم يعرفان أن التربية تبدأ من لحظة النهوض من النوم، لا من بوابة المدرسة.
الأسرة هي المدرسة الأولى، فإذا غابت، لن يُعوِّضها لا معلم بارع، ولا منهج مطور، ولا إدارة نشيطة.
الكلمة الأخيرة.. قبل أن يحترق كل شيء
مشهد حرق الكتب ليس إلا جرس إنذار أخير.
إذا لم نتحرك كدولة ومجتمع وإعلام وأسرة، فإن الجهل لن يبقى في عقول الطلاب فقط، بل سيحرق الأمل في جيل يُعوَّل عليه مستقبل مصر.
دعونا نعيد بناء الاحترام، نغرس في أبنائنا أن المعلم قدوة، وأن الكتاب نور، وأن المدرسة ليست سجنًا بل بوابة للحياة.
فالتعليم لا يُصلَح بالقرارات فقط.. بل يُصلَح حين نُعيد للعقل قيمته، وللمعلم مكانته، وللطالب كرامته.