”درع مصر الأزرق”.. مشروع تحولي يقود مصر إلى إقتصاد أزرق مُنخفض الكربون

في خطوة جريئة نحو مستقبل مُستدام، كشف السفير مصطفى الشربيني، الخبير الدولي في الإستدامة و المناخ، عن رؤية طموحة لمصر تقودها نحو إقتصاد أزرق مُنخفض الكربون. جاء ذلك خلال لقائه ببرنامج "هذا الصباح" على شاشة التلفزيون المصري، حيث أطلق مشروعه الوطني الرائد: "Blue Shield Egypt – درع مصر الأزرق".
بكلمات مُلهمة، صرح السفير الشربيني: "تخيلوا لو إستخدمنا البحر نفسه كخط دفاع... و كخط إنتاج في آنٍ واحد!". مُوضحًا أن "درع مصر الأزرق" ليس مُجرد إقتراح علمي، بل هو خطة عمل مُتكاملة تهدف إلى نقل مصر من مرحلة الدفاع السلبي إلى قيادة إقليمية في الإقتصاد الأزرق مُنخفض الكربون، مُؤكدًا أن هذا المشروع يتجاوز مفهوم الحماية التقليدي، ليصبح بنية تحتية إستراتيجية مُتعددة الوظائف، فهو ليس يحمي السواحل فقط، بل ينتج الطاقة، و يمتص الكربون، و يخلق إقتصادًا أزرقًا واعدًا، و يُسهم في بناء قُدرات علمية و صناعية محلية قابلة للتصدير.
و لتحقيق هذا النجاح، شدد السفير الشربيني، على ضرورة توافر عدة عوامل أساسية: قرار سياسي واضح، إطار تنظيمي مرن، تمويل مُبتكر، حوكمة مُتكاملة، و جدول زمني صارم. و أضاف أهمية وجود نظام شفاف للقياس و الإبلاغ و التحقق (MRV) لكل طن كربون يتم تجنبه أو إمتصاصه، و لكل ميجاوات يتم توليدها، و لكل متر من الشاطئ يتم حمايته، و يعكس هذا المشروع طموح مصر نحو مستقبل أكثر إستدامة، مُستفيدة من إمكاناتها البحرية الهائلة لتحقيق التنمية الإقتصادية و حماية البيئة في آن واحد.
خطر الغرق يُهدد سواحلنا ويدق ناقوس الخطر!
و أشار السفير الشربيني، إلى أن البحر المتوسط كان شريان حياة لمصر، بوابة للحضارة و التجارة منذ فجر التاريخ. لكن بات هذا البحر الهادئ يُمثل تهديدًا وجوديًا حقيقيًا يواجه أرض الكنانة. فمع تفاقم أزمة تغير المناخ، و إرتفاع درجات الحرارة، و ذوبان الجليد القطبي بوتيرة مُتسارعة، يرتفع منسوب سطح البحر ليُهدد بابتلاع أجزاء واسعة من الساحل المصري، و على رأسها دلتا النيل الخصبة.
و أكد السفير الشربيني، أنه وفقًا لتقارير الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ (IPCC)، قد يصل إرتفاع منسوب سطح البحر إلى متر واحد بحلول نهاية القرن الحالي. هذا الرقم ليس مُجرد إحصائية جافة، بل هو نَذِير كارثة تلوح في الأفق لشمال مصر، حيث تتضافر عوامل الأراضي المُنخفضة، و التربة الضعيفة، و التوسع العمراني العشوائي لتجعل هذه المنطقة الأكثر عُرضة للخطر. مدن عريقة مثل الإسكندرية، دمياط، بلطيم، و رشيد باتت على رأس قائمة المدن المُهددة بالغرق. و التقديرات تُشير إلى أن أكثر من 12 مليون مواطن مصري سيواجهون خطرًا مُباشرًا ما لم يتم التحرك بخطة إستباقية و جريئة لمُواجهة هذا التحدي المصيري.
جهود مباركة ولكن... هل هي كافية؟
بينما صرح السفير الشربيني، أنه في مُواجهة هذا الخطر الداهم، لم تقف الدولة مكتوفة الأيدي. فقد نفذت الهيئة العامة لحماية الشواطئ، بالتعاون مع وزارة الموارد المائية و الرَيّ، مشاريع حيوية خلال السنوات الماضية. شهدت هذه الجهود إنشاء حواجز للأمواج، و بناء مصدات حجرية، و المشاركة في مشاريع التَكيّف مع التغيرات المناخية بتمويل دولي، كان أبرزها تمويل صندوق المناخ الأخضر بقيمة 31.4 مليون دولار. متسائلاً، هل هذه الحلول التقليدية (Hard Engineering) كافية لمُواجهة تسارع الخطر؟ خبراء البيئة و المناخ يؤكدون أننا بحاجة ماسة إلى ما هو أبعد من ذلك. نحن في أمس الحاجة إلى منظومة مرنة، ذكية، قادرة على إنتاج الطاقة، و ذات قيمة إقتصادية مُستدامة على المدى الطويل. فهل تنجح مصر في تحويل هذا التهديد الوجودي إلى فُرصة لتجديد سواحلها وبناء مستقبل أكثر أمانًا و مرونة؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
ثورة بيئية و طاقوية لشواطئ مُستدامة
و أوضح السفير الشربيني، أنه في خطوة إستراتيجية نحو تعزيز الأمن البيئي و الطاقوي، تُبرز مبادرة "درع مصر الأزرق" كنموذج مُبتكر لتحويل سواحل البلاد إلى واحة خضراء مُنتجة. هذا المشروع الطموح، الذي يهدف إلى دمج حماية الشواطئ مع إنتاج الطاقة المُتجددة، يُمثل رؤية مستقبلية جريئة لمصر في مُواجهة تحديات التغير المناخي والنمو السكاني، حيث يقوم "درع مصر الأزرق" على مفهوم فريد يتمثل في بناء مِنصات ذكية عائمة تمتد لمسافة تتراوح بين 1500 إلى 2000 متر داخل البحر. هذه المِنصات ليست مُجرد حواجز حماية، بل هي منظومة مُتكاملة لإنتاج الطاقة و تحقيق الإستدامة، و تشمل مُكونات رائدة على النحو التالي: بدايتة من طاقة الشمس العائمة: تُعد محطات الطاقة الشمسية العائمة (Floating PV) حجر الزاوية في المشروع. تُثبت الألواح على هياكل مرنة و مُقاومة للتآكل، تتمدد و تنكمش بانسجام مع حركة الأمواج. و قد أثبتت التجارب العالمية في اليابان (خزان ياماكورا) و هولندا (Zon-op-Zee) تفوق كفاءة هذه الألواح بنسبة تصل إلى 20% مُقارنة بنظيراتها الأرضية، مُستفيدة من التبريد الطبيعي للماء.
علاوة على حصاد قوة الأمواج: التي تُستخدم توربينات الأمواج (Wave Energy Converters) لتحويل حركة البحر الطبيعية إلى كهرباء نظيفة، و ذلك عَبر أنظمة مُتقدمة مثل "العمود المائي المُتذبذب" (OWC). و تؤكد نجاحات مشاريع عالمية مثل Mutriku في إسبانيا و Pelamis في اسكتلندا فَعّالية هذه التقنية، خاصة مع سرعة الأمواج المُتوسطة التي تتميز بها السواحل الشمالية المصرية.
إلى جانب مزارع الوقود الحيوي البحرية: حيث يضم المشروع مُفاعلات الطحالب الدقيقة (Microalgae Bioreactors)، و هي أنظمة زراعة بحرية تستفيد من مياه البحر و ثاني أكسيد الكربون لإنتاج الوقود الحيوي بكفاءة غير مسبوقة. فالطحالب تمتص ثاني أكسيد الكربون بفًعّالية تفوق الأشجار أضعاف المرات، و تنتج وقودًا يُمكن إستخدامه حتى للطائرات، كما هو الحال في مشاريع عالمية مثل AlgaePARC بألمانيا و SABANA project بهولندا.
و كذلك رياح البحر الشاسعة: حيث تُعدّ محطات طاقة الرياح البحرية (Offshore Wind Turbines) مُكملاً حيويًا للمشروع، حيث تُثبت التوربينات على قواعد عائمة أو مغمورة في المواقع ذات الرياح المُستقرة. و بمتوسط سرعة رياح في شمال مصر يتراوح بين 6.5 و 7.5 متر في الثانية، يصبح هذا العنصر قابلًا للربط الفَعّال بالشبكة الكهربائية، مُستلهمًا من تجارب رائدة كـ Hywind في اسكتلندا و بحر الشمال في ألمانيا و الدنمارك.
بالإضافة إلى حواجز ذكية صديقة للبيئة: لتعزيز الحماية الساحلية، يتم تصميم حواجز هجينة مائلة (Hybrid Sea Walls) لإمتصاص طاقة الأمواج بدلاً من عكسها، و تحويلها إلى طاقة كهربائية أو ديناميكية. و توجد نماذج مُشابهة لهذه الحواجز الذكية في مُبادرات مثل "Smart Coast Initiative" في سنغافورة و "Eco-Seawalls" في اليابان.
كما تشمل هذه المُكونات الرائدة مراكز مُراقبة بحثية عائمة: لضمان إستدامة و فَعّالية المشروع، ستعمل مراكز مُراقبة بحثية عائمة كمختبرات مُتنقلة لرصد التغيرات المناخية، و قياس مُعدلات التآكل، و مُراقبة التنوع البيولوجي، و تخزين البيانات الحيوية للمشروع و البيئة المحيطة.
و أفاد السفير الشربني، أن "درع مصر الأزرق" يُقدم حزمة مُتكاملة من الفوائد، تشمل: حماية فَعّالة للسواحل من التآكل و الفيضانات، توليد طاقة مُتجددة مُتعددة المصادر، إمتصاص الكربون و دعم إلتزامات مصر المناخية، تحقيق قيمة إقتصادية من تصدير الطاقة و الوقود الحيوي، و خلق فرص عمل جديدة في قطاعات المُستقبل الواعدة. بهذا المشروع الطموح، تؤكد مصر ريادتها في تبني حلول مُبتكرة لمُستقبل أكثر إستدامة و أمانًا.
رؤية جديدة لمُواجهة التغير المناخي
و أشار السفير الشربيني، إلى أن "درع مصر الأزرق" يُمثل نقلة نوعية وطنية نحو إقتصاد أزرق مُنخفض الكربون. مُوضحًا أنه ليس مُجرد حل هندسي، بل يُمثل تحولاً فكرياً و إستراتيجياً شاملاً، ينقل مصر من مُجرد الإستجابة للتحديات إلى الإستباق، و من وضعية الدفاع إلى الإنتاج، و من المُعاناة من التغيرات المناخية إلى الإستثمار فيها بشكل فعّال.
و أكد السفير الشربيني، أن المشروع يُقدم نتائج و توصيات مُتكاملة، مدعومة بتحليل فني و إقتصادي دقيق، مما يجعله وثيقة تنفيذية قابلة للتطبيق ضمن خطة عمل وطنية طموحة. و أوضح أن هذه النتائج تتركز في عدة محاور رئيسية، بدءاً بحماية الشواطئ من التآكل و الغرق، حيث يتوقع المشروع تخفيض مُعدل التآكل بنسبة 50 - 70% خلال السنوات العشر الأولى من التشغيل. كما سيتم بناء حاجز ديناميكي يعمل كخط دفاع طبيعي ضد العواصف البحرية و المَدّ العالي، مما يحمي الأراضي الزراعية و السياحية و السكنية المُهددة في دلتا النيل، و يجنب مصر خسائر إقتصادية تقدر بمليارات الجنيهات على المَدى الطويل.
و أوضح السفير الشربيني، أن المشروع سيساهم بشكل كبير في إنتاج الطاقة المُتجددة، بما في ذلك الكهرباء و الوقود الحيوي. مُشيرًا إلى القدرة على إنتاج 30 -50 ميجاوات من الطاقة الشمسية العائمة لكل كيلومتر من المنصات، بالإضافة إلى طاقة الأمواج التي تصل قُدرة توليدها إلى 15 ميجاوات لكل كيلومتر باستخدام تقنيات OWC. كما لفت إلى إمكانية تثبيت 4 - 6 توربينات رياح بحرية بقدرة 5 ميجاوات لكل توربينة على طول الساحل المُستهدف، و إنتاج ما يقارب 20-30 ألف طن سنويًا من الوقود الحيوي النظيف من الطحالب، و الذي يمكن إستخدامه في قطاعي الطيران و النقل البحري.
كما أكد السفير الشربيني على الأهمية الكبرى للمشروع في خفض الإنبعاثات الكربونية. و أفاد بأن "درع مصر الأزرق" قادر على إمتصاص ما يُقارب 1.5 مليون طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون سنويًا من خلال زراعة الطحالب الدقيقة (Microalgae Bioreactors). مُشددًا على أن هذا سيساهم بفَعّالية في تقليل الإعتماد على الطاقة الأحفورية، و يدعم إلتزامات مصر بإتفاق باريس و خططها لتحقيق صافي الإنبعاثات الصفرية (Net Zero).
و أوضح السفير الشربيني، أن المشروع يهدف أيضًا إلى تعزيز الإقتصاد الأزرق، من خلال فتح مجالات إستثمارية جديدة في تكنولوجيا الطاقة البحرية (Blue Energy) و البيوتكنولوجيا البحرية. مُشيرًا إلى أن المشروع سيولد عوائد إقتصادية مُجزية من بيع الكهرباء الزائدة للشبكة القومية و من صادرات الوقود الحيوي، كما سيدعم صناعة مواد البناء البحرية المُتقدمة مثل الخرسانة المُسلحة بالألياف.
الدور البحثي و التعليمي العالمي
و أضاف السفير الشربيني، في حديثه بالتأكيد على الدور البحثي و التعليمي العالمي الذي سيلعبه المشروع. مُشيرًا إلى إمكانية تحويل المِنصات إلى مُختبرات مناخية مفتوحة للجامعات و مراكز البحث، مما يُشجع على تطوير تقنيات الذكاء الإصطناعي لرصد الأمواج و المد و التنوع البيولوجي، مُؤكدًا أن هذا المشروع سيضع مصر في مُقدمة الدول التي تطور حلولاً ذكية و مُبتكرة للسواحل المُتأثرة بتغير المناخ، مما يُعزز مكانتها كمركز إقليمي ودولي في مجال التنمية المُستدامة.
التوصيات الإستراتيجية
وأشار السفير الشربيني إلى أن التوصيات الإستراتيجية لتنفيذ مشروع "درع مصر الأزرق" تتطلب تأسيس "الهيئة الوطنية للإقتصاد الأزرق". و ستتولى هذه الهيئة مهام التخطيط، و التمويل، و إدارة مشاريع حماية السواحل، و ذلك بالتعاون بين وزارات الموارد المائية و الرَيّ، و الكهرباء و الطاقة المُتجددة، و البيئة، بالإضافة إلى القطاع الخاص. مُؤكدًا أن الهيئة ستكون بمثابة المظلة الرئيسية لتطبيق مشروع درع مصر الأزرق كمرحلة أولى.
إعداد دراسة جدوى
و أكد السفير الشربيني على أهمية إعداد دراسة جدوى تفصيلية (Feasibility Study) للمشروع، مُشيرًا إلى ضرورة إجراء دراسة هندسية لتحديد أفضل المواقع على طول الساحل (من الإسكندرية حتى دمياط)، و تحليل إقتصادي لتحديد تكلفة إنشاء كل كيلومتر من المنصات العائمة، مع الأخذ في الاعتبار المُتوسط المُتوقع (30-50 مليون دولار لكل كيلومتر، وفقًا للتجارب العالمية)، مُؤكدًا على أهمية دراسة الأثر البيئي (EIA) لضمان التوافق التام مع النظم البيئية البحرية.
الإستفادة من التجارب الدولية
و أشار السفير الشربيني، إلى ضرورة الإستفادة من التجارب الدولية الرائدة في هذا المجال، مُوضحًا أن دولًا مثل البرتغال و اسكتلندا تقدم تقنيات متقدمة في طاقة الأمواج، بينما تتميز اليابان و هولندا بمحطات الطاقة الشمسية العائمة. مُؤكدًا على أن الدنمارك و ألمانيا رائدتان في مزارع الرياح البحرية، في حين تتميز إسبانيا بمشاريع الحواجز البيئية الذكية. مُشددًا على ضرورة عقد شراكات لنقل التكنولوجيا (Technology Transfer) مع هذه الدول للإستفادة من خبراتها.
التمويل الأخضر و الإقتصاد الدائري
و أكد السفير الشربيني، على أهمية التمويل الأخضر و الإقتصاد الدائري لدعم المشروع، مُوضحًا أن ذلك يشمل إستخدام السندات الزرقاء (Blue Bonds) و صندوق المناخ الأخضر (GCF). ودعا إلى جذب إستثمارات القطاع الخاص المحلي و العالمي في مشاريع الطاقة البحرية، و إنشاء شراكات فَعّالة بين الحكومة و القطاع الخاص (PPP) لبناء و تشغيل المنصات، مُشيرًا إلى أهمية البدء بمشروع تجريبي (Pilot Project)، مُوضحًا أن هذه المرحلة الأولى ستتضمن تنفيذ جزء بطول 5-10 كيلومترات أمام أكثر المناطق عرضة للتهديد (مثل شرق الإسكندرية – ميامي)، مُؤكدًا على ضرورة مُتابعة أداء هذا المشروع لمدة عامين لتقييم الفوائد و الحماية الفعلية التي يوفرها، قبل التوسع تدريجيًا على طول الساحل الشمالي، لافتًا إلى أن التوعية و بناء القُدرات تُمثلان عنصرين أساسيين لنجاح المشروع، مُشيرًا إلى ضرورة إطلاق برامج توعية إعلامية و مجتمعية مُكثفة لشرح أهمية المشروع و فوائده، علاوة على أهمية تدريب كوادر مصرية مُتخصصة في مجالات الهندسة البحرية و الطاقة الزرقاء، بالإضافة إلى دَمج المشروع بشكل كامل في الخطط الوطنية للتكيف المناخي (NCCAP)، وأضاف أن مشروع "درع مصر الأزرق" يتجاوز كونه مُجرد حائط بحري أو فكرة طاقة مُتجددة، بل أنه يُمثل رؤية وطنية مُتكاملة تهدف إلى تحويل البحر من مصدر تهديد إلى مِنصة إنتاج، ليس فقط لحماية مُستقبل السواحل و الدلتا، بل أيضًا لفتح آفاق جديدة للإستثمار في الإقتصاد الأزرق مُنخفض الكربون.
ريادة إقليمية في طاقة الأمواج و مُواجهة المناخ
كما أشار السفير الشربيني، إلى أن تنفيذ مشروع "درع مصر الأزرق – Blue Shield Egypt" سيضع مصر في طليعة دول الشرق الأوسط و إفريقيا في مجال حلول الطاقة البحرية و التَكيّف المناخي، و أن هذا المشروع يهدف إلى تحقيق نتائج قابلة للقياس والمتابعة في عدة محاور حيوية، مُوضحًا أن المشروع يهدف إلى حماية السواحل و التَكيّف المناخي، حيث من المُتوقع أن يخفض مُعدلات تآكل الشواطئ في المواقع المُستهدفة (الإسكندرية – دمياط – رشيد – بلطيم) بنسبة تتجاوز 50% بفضل إستخدام الحواجز الهجينة الماصة لطاقة الأمواج و المنصات العائمة. وأضاف أن المشروع سيسهم في تقليل تواتر وحدة نوبات الغمر الساحلي و الفيضانات العاصفية عبر إنشاء "منطقة كسر أمواج" مُمتدة داخل البحر، بالإضافة إلى إنشاء شبكة رصد لحظية للتغيرات الساحلية لتغذية نظم الإنذار المُبكر الوطنية، مُؤكدًا على الدور المحوري للمشروع في توفير طاقة مُتجددة مُتعددة المصادر و مُنخفضة الكربون، ففي مرحلته التجريبية، سيولد المشروع 50 ميجاوات من الألواح الشمسية العائمة، و 10 ميجاوات من طاقة الأمواج، و100 ميجاوات من طاقة الرياح البحرية، مع إمكانية التوسع لمئات الميجاوات على المدى المُتوسط، مُوضحًا أن هذا سيساهم في خفض الإنبعاثات بما لا يقل عن 250-400 ألف طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وتحسين استقرار الشبكة الكهربية في الساحل الشمالي.
وقود أخضر و وظائف بالملايين
و أشار السفير الشربيني، إلى أن "درع مصر الأزرق" سيعمل على إمتصاص الكربون و إنتاج الوقود الحيوي الأزرق، فالمشروع سيتضمن نشر مُفاعلات طحالب دقيقة بطاقة إنتاجية مبدئية تبلغ 10 آلاف طن سنويًا، قادرة على إمتصاص حوالي 18 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، مُؤكدًا أن ذلك سيفتح الباب لإنتاج وقود حيوي يُمكن بيعه محليًا أو تصديره، و خلق سوق كربونية طوعية جديدة، مُوضحًا الأثر الإقتصادي و التشغيلي المُتوقع للمشروع، مُتحدثًا عن خلق آلاف الوظائف النوعية أثناء التأسيس و مئات الوظائف الدائمة في التشغيل و الصيانة و البحث و الإبتكار، كما أن المشروع سيُحَفِز سلاسل توريد محلية في قطاعات مُتعددة، و يفتح مسارات تمويلية جديدة عَبر السندات الزرقاء و إئتمانات الكربون، مُؤكدًا أن المشروع سيُعزز ريادة مصر العلمية و الدبلوماسية المناخية، فمن خلال إنشاء "مرصد أزرق وطني" لجمع بيانات المحيطات و التنوع البيولوجي و جودة المياه، سترتفع مكانة مصر في مُؤشرات الجاهزية المناخية و الإقتصاد الأزرق، مما يُعزز قُدرتها التفاوضية في آليات إتفاق باريس.
خارطة طريق نحو مستقبل مُستدام
في خطوة إستباقية نحو تعزيز مكانة مصر كقائدة في الإقتصاد الأزرق و الطاقة المُتجددة، كشف السفير الشربيني، عن مجموعة من التوصيات التنفيذية الطموحة لمشروع "درع مصر الأزرق". هذه التوصيات، التي تتسم بالعملية و القابلية للتطبيق، تُمثل خارطة طريق شاملة لمُواجهة التحديات المناخية و تحقيق التنمية المُستدامة.
أولوية قومية
و في إطار مشروع "درع مصر الأزرق" أولوية قومية، أشار السفير الشربيني إلى ضرورة إدراج مشروع "درع مصر الأزرق" ضمن الخطة الوطنية للتَكيّف المناخي، و كذلك نسخة مصر المُحدّثة من المُساهمات الوطنية المُحددة (NDC)، مُشددًا على أهمية تحديد أهداف كمية واضحة للطاقة، الكربون، و حماية السواحل لضمان تحقيق أقصى إستفادة من المشروع.
رؤية لمستقبل بحري مُستدام
أما عن رؤية لمستقبل بحري مستدام، أكد السفير الشربيني على حَتمية تحديث أو سَن تشريعات للمناطق البحرية (Maritime Spatial Planning) لتخصيص "ممرات زرقاء طاقية" تسمح بإنتشار المنصات العائمة، مُوضحًا أن هذه التشريعات ستضع أُطُرًا واضحة للتراخيص و إستخدام المجال البحري بما يخدم أهداف المشروع البيئية و الإقتصادية، كما دعا إلى إصدار قرار سيادي بإعتبار "درع مصر الأزرق" مشروعًا قوميًّا إستراتيجيًا، مما سيسرع المُوافقات و يوحد الجهود و يسهل الحصول على التمويل الدولي، مُؤكدًا على الحاجة لإقرار إطار تنظيمي لمزارع الرياح البحرية و المِنصات العائمة، يشمل تعرفة شراء كهرباء مُحددة و نماذج شراء الطاقة (PPA/Feed-in Tariff)، بالإضافة إلى قواعد الربط بالشبكة و فك الإرتباط و التفكيك.
دعوة لتأسيس مجلس الإقتصاد الأزرق مُنخفض الكربون
و بالنسبة لتأسيس كيانات مُتخصصة و مجالس إستشارية لحوكمة رشيدة لمُستقبل أزرق، أوضح الشربيني، أن نجاح المشروع يتطلب حوكمة و مؤسسية قوية، و دعا إلى تأسيس كيان خاص (SPV) أو شركة مشروع بمُساهمة الدولة و القطاع الخاص و صناديق التمويل الخضراء، مع تخويله صلاحيات التعاقد و التمويل و التملك و التشغيل و الصيانة، مُقترحًا إنشاء "مجلس الإقتصاد الأزرق مُنخفض الكربون" يضم مُمثلين عن وزارات و قطاعات حيوية مثل الموارد المائية و الرَيّ، الكهرباء، البيئة، النقل، الدفاع/القوات البحرية، البترول، التخطيط، و الجامعات، لضمان التنسيق الفَعّال، مُشيرًا إلى أهمية وضع بروتوكولات واضحة لتبادل البيانات بين كافة الجهات المَعنية بالمشروع.
تمويل "درع مصر الأزرق": إبتكار إقتصادي لمستقبل أخضر
بينما عن آليات التمويل المبتكرة و الحوافز الإقتصادية لدعم للمشروع الأخضر، أكد السفير الشربيني على ضرورة تنويع مصادر التمويل للمشروع، مُقترحًا اللجوء إلى السندات الزرقاء (Blue Bonds) لتمويل البنية التحتية العائمة، بدعم من البنك الدولي و بنوك التنمية الإقليمية، لافتًا إلى إمكانية الإستفادة من صندوق المناخ الأخضر (GCF)، و مرفق البيئة العالمي (GEF)، و بنوك التنمية مُتعددة الأطراف لتمويل مرحلة التجريب و البحث و التطوير. و دعا إلى تبني التمويل الممزوج (Blended Finance) لتقليل مخاطر المُستثمرين عَبر ضمانات إئتمانية و إعفاءات ضريبية على المُكونات المحلية، بالإضافة إلى تفعيل آليات المادة (6) (C/ITMOs) لتسويق أرصدة الكربون، و إبرام إتفاقات شراء مُسبقة للوقود الحيوي (Offtake Agreements) لتأمين تدفقات نقدية طويلة الأجل.
حصانة تقنية لمستقبل مصر البحري
و بالنسبة لأسس التقنية و الهندسية المتينة لضمان صمود "الدرع الأزرق"، أوضح السفير الشربيني أهمية الجانب التقني و الهندسي للمشروع، فقد شدد على ضرورة إختيار المواقع بإستخدام نمذجة تكاملية تأخذ في الإعتبار سرعات الرياح، موارد الأمواج، الأعماق المناسبة، بيانات التيارات، و حساسية النظم البيئية، كما أكد على تصميم المنصات العائمة بمواد مقاومة للتآكل وأنظمة تثبيت ومراسي مختلطة لضمان الصمود أمام أقسى العواصف. وأشار إلى أهمية التكامل الشبكي من خلال محطات تحويل بحرية / ساحلية و كابلات جهد عالي و منظومات تخزين للطاقة، بالإضافة إلى تطبيق الرقمنة و التوأم الرقمي (Digital Twin) لمُراقبة أداء المشروع و إدارة الصيانة التنبؤية.
إلتزام بيئي راسخ و تنمية مُستدامة
و لحماية البيئة و التنوع البيولوجي كإلتزام مصري راسخ، أكد السفير الشربيني على إلتزام مصر بحماية البيئة و التنوع البيولوجي، مُشددًا على ضرورة إعداد تقييم بيئي إستراتيجي (SEA) يليه تقييم أثر بيئي (EIA) لكل مرحلة و موقع، مع خرائط حساسية بيئية مُفصلة، كما دعا إلى وضع خطة شاملة لإدارة التنوع البيولوجي تتضمن هياكل صديقة للكائنات و مواد تشجع الإستيطان البيولوجي المحلي، و تحديد فترات حظر الأعمال خلال مواسم التكاثر، مُشيرًا إلى أهمية تطبيق إجراءات صارمة لمنع التلوث أثناء البناء و التشغيل، و وضع أُطر لمُشاركة مجتمعية فَعّالة مع الصيادين و المجتمعات الساحلية لتقليل النزاعات و ضمان بدائل دخل.
الإبتكار الأزرق: مصر تقود إقتصاد المعرفة
و عن أهمية البحث و الإبتكار و بناء القدرات لمستقبل يعتمد على المعرفة، أوضح السفير الشربيني أن الإبتكار و بناء القدرات هما حجر الزاوية لمستقبل الإقتصاد الأزرق، فقد دعا إلى إنشاء "مركز وطني للطحالب الدقيقة و الإقتصاد الأزرق" بالشراكة مع الجامعات و مراكز البحوث لقيادة التجارب و تحسين سلالات الطحالب، مُقترحًا إطلاق برامج ماجستير و دبلومات مهنية مُتخصصة في الطاقات البحرية، تصميم البنى العائمة، البيوتكنولوجيا البحرية، و قياس و رصد التقارير و التحقق من الكربون (MRV)، مُؤكدًا على أهمية إنشاء شبكة إستشعار و مُراقبة مفتوحة البيانات لتغذية الباحثين و تشجيع ريادة الأعمال.
إستراتيجية مُتكاملة لإدارة المخاطر
كما أنه بخصوص إدارة المخاطر لإستراتيجية شاملة وضمان النجاح، أكد السفير الشربيني على ضرورة وجود إستراتيجية شاملة لإدارة المخاطر، ففيما يتعلق بالمخاطر البيئية، مُشددا على أهمية دراسات خط الأساس و المُراقبة المستمرة و إستخدام مواد صديقة للبيئة و خطط الإستجابة للطوارئ، و للتخفيف من المخاطر الإجتماعية، و دعا إلى التشاور المُبكر مع المجتمعات المحلية، و تقديم تعويضات عادلة، و تطبيق برامج دمج و توظيف، و فيما يخص المخاطر التقنية، أوصى بالطلاءات المُضادة للتلوث الحيوي و التصميمات المعيارية و الصيانة التنبؤية. أما المخاطر المالية و السُعرية، فاقترح عقود شراء الطاقة طويلة المدى و التحوّط المالي و آليات الدعم السيادية. و أخيرًا، لمُعالجة المخاطر القانونية و التنظيمية، أكد على ضرورة وجود إطار تنظيمي واضح و نافذة مُوحدة للتراخيص و قرار سيادي داعم.
خارطة طريق زمنية: نحو التنفيذ الفَعّال
أوضح السفير الشربيني، أن هذه التوصيات تتكامل ضمن خارطة طريق زمنية تهدف إلى تسريع وتيرة العمل في مشروع "درع مصر الأزرق"، مؤكدًا على أن التزام مصر بهذه الرؤية سيقودها نحو مستقبل مُستدام، يُعزز من أمنها الطاقوي و البيئي و الإقتصادي على حد سواء.
و أشار السفير، إلى خارطة طريق طموحة لمشروع "درع مصر الأزرق"، مُقسمة على مراحل زمنية واضحة المعالم، ففي الفترة من 0 إلى 12 شهرًا، أكد الشربيني على أهمية مرحلة التحضير و التصميم، و التي تتضمن تأسيس الكيان الحاكم للمشروع، و إصدار الإقرارات السيادية اللازمة، و وضع الإطار التنظيمي المحكم. كما شدد على ضرورة إجراء دراسات موارد شاملة للرياح و الأمواج، و تقييم الأثر البيئي الإستراتيجي (SEA)، و تطوير نموذج العمل و التمويل، بالإضافة إلى إعداد "السندات الزرقاء" لتمويل المشروع، مُوضحًا أن المرحلة التالية، من 12 إلى 24 شهرًا، ستركز على الدراسات التفصيلية و التراخيص، ففي هذه الفترة، أكد على أهمية إنجاز التقييم المُفصل للأثر البيئي (EIA)، و الإنتهاء من التصاميم الهندسية الأمامية (FEED)، كما بيّن الشربيني أن هذه المرحلة ستشهد التعاقد مع المُوردين الأساسيين للمشروع، و إتمام الإغلاق المالي للمرحلة التجريبية لضمان بدء التنفيذ بسلاسة.
و في إطار زمني يمتد من السنة الثالثة إلى الخامسة، أكد السفير الشربيني على بدء المشروع التجريبي، حيث أشار إلى خطط لتركيب 50 ميجاوات من الألواح الشمسية العائمة (FPV)، و10 ميجاوات من طاقة الأمواج، و100 ميجاوات من طاقة الرياح، كما أوضح أنه سيتم تشغيل مُفاعلات طحالب صغيرة و متوسطة لإمتصاص الكربون و إنتاج الوقود الحيوي، بالإضافة إلى تفعيل نظام رصد شامل لمُتابعة الأداء البيئي و الإنتاجي.
و على المدى المُتوسط، من السنة الخامسة إلى العاشرة، أوضح السفير الشربيني أن المشروع سينتقل إلى مرحلة التوسع التجاري، ففي هذه الفترة، أكد على مُضاعفة القُدرات الإنتاجية للطاقة المُتجددة، و إنشاء مناطق جديدة لـ "الأحزمة الطاقية العائمة"، كما أشار إلى تطلعات لتصدير الوقود الحيوي و الأرصدة الكربونية، و دمج أنظمة تخزين الطاقة بالهيدروجين الأخضر لتعزيز إستدامة المشروع و فَعّاليته.
وبعد السنة العاشرة، أكد الشربيني على الرؤية المُستقبلية الطموحة لـ "درع مصر الأزرق"، حيث أوضح أنه سيتم تعميم "الأحزمة الطاقية العائمة" على كافة السواحل المصرية، سواء على البحر المُتوسط أو البحر الأحمر. كما أشار إلى هدف أبعد يتمثل في تصدير هذا النموذج الرائد إلى الدول الإفريقية و المُتوسطية، مما يُعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة المُتجددة و الحلول المناخية.
و لتحقيق هذه الأطلالة المُستقبلية، شدد السفير الشربيني على أهمية الإتصالات العامة و تعبئة الدعم المجتمعي، مُوضحًا أنه سيتم إطلاق حملة تواصل و وعي وطني تربط بوضوح بين حماية الشواطئ، مفهوم الأمن القومي المناخي، و فرص العمل الخضراء التي سيوفرها المشروع، مُؤكدًا على أهمية الشفافية من خلال عرض البيانات و التقدم المحرز عَبر لوحات مُتابعة عامة (Dashboards) لقياس الإنتاج الطاقي، و الإنبعاثات المُتجنبة، و حالة السواحل، مُشيرًا إلى ضرورة تشكيل تحالف إعلامي و علمي لتقديم قصة نجاح مصرية يُمكن تصديرها للعالم.
إرادة التنفيذ تقودنا لمستقبل أزرق
رسالة السفير مصطفى الشربيني كانت واضحة و حاسمة: "نحن لا نعاني من نقص في الحلول، بل نحتاج إلى إرادة التنفيذ". فقد أكد أن مصر تمتلك إمكانيات هائلة: "لدينا بحرٌ يُمكن أن يُنتج الكهرباء، و طحالب تمتص الكربون، و أمواج تُحرّك التوربينات، و رياحٌ تبني لنا مستقبلًا نظيفًا". و إختتم السفير بالقول إن "درع مصر الأزرق ليس خيالًا، بل مشروع علمي عملي جاهز للتنفيذ... و مصر تستحق أن تقوده"، في دعوة قوية لتحويل التحديات المناخية إلى فرص تنموية مُستدامة.
تحقيق : أحمد عبد الحليم