مدحت الشيخ يكتب: الاقتصاد الحقيقي لا يُبنى على المسكنات

الاقتصاد الحقيقي لا يُبنى على المسكنات، ولا يرتكز على الأوهام، ولا يتحرك وفق مزاج اللحظة أو إيقاع الترقيع. الاقتصاد الحقيقي يُبنى كما تُبنى البيوت المتينة: بأساس صلب، وتخطيط بعيد المدى، واستثمار حقيقي في البشر قبل الحجر.
الاقتصاد الحقيقي يبدأ من الإنتاج، لا من الاستيراد. من التصنيع، لا من تجارة البضائع الجاهزة. من الأرض التي تُزرع، لا من رفوف السوبر ماركت. من العِلم الذي يتحول إلى تكنولوجيا، لا من الورق الذي يتحول إلى شعارات.
لن نبني اقتصادًا حقيقيًا إلا حين نعترف أن السوق لا يُدار بالقرارات الفوقية فقط، بل بالمعلومة الدقيقة، والتنافس العادل، والعدالة الضريبية، ودعم المشروعات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة، لا "البيزنس الكبير" فقط.
لن نضع أقدامنا على الطريق الصحيح إلا إذا امتلكنا خريطة صناعية واضحة، تحدد أين نقاط قوتنا، وماذا نُجيد تصنيعه، وما الأسواق التي يمكن اختراقها. نحتاج إلى دولة تعي أن دعم الصناعة ليس "منّة"، بل واجب استراتيجي لحماية الأمن القومي الاقتصادي.
كما أن الزراعة لا يمكن أن تبقى في الظل. الغذاء أمن قومي. لا اقتصاد بلا اكتفاء ذاتي في المحاصيل الاستراتيجية، ولا نهضة في ظل الاعتماد على الأسواق الخارجية لتوفير القمح والزيت والسكر!
ويجب أن نعيد النظر في التعليم الفني، فالعامل الماهر أهم من المكاتب المكيّفة، والمصانع لا تُدار بشهادات فقط، بل بخبرات تُصنع على الأرض. أين خطة ربط التعليم الفني باحتياجات السوق؟ أين الحوافز للشباب كي يتجهوا إلى مجالات الصناعة والزراعة والبحث العلمي بدلًا من انتظار وظيفة حكومية؟
أيضًا، لا اقتصاد حقيقي دون عدالة اجتماعية. الفجوة بين من يملك كل شيء، ومن لا يجد شيئًا، كفيلة بتقويض أي محاولة للنهوض. نحن بحاجة إلى دولة ترعى الاستثمار، نعم، لكنها أيضًا تحمي الفقراء، وتفرض على رأس المال دوره الاجتماعي، لا الربحي فقط.
أخيرًا... الاقتصاد الحقيقي لا يُبنى في صمت، بل يحتاج إلى إرادة سياسية واعية، وشراكة مجتمعية حقيقية، وشفافية تحترم عقول الناس. لا نريد معجزات، بل نريد رؤية واضحة، وخطوات عملية، ومتابعة لا تعرف المجاملة.
وإذا أردنا أن نضع العنوان الصحيح للمرحلة، فهو ببساطة:
"إنتاج لا استهلاك.. بناء لا استنزاف.. عدالة لا احتكار."