جريدة الديار
الأربعاء 26 نوفمبر 2025 07:56 صـ 6 جمادى آخر 1447 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
السيطرة على حريق في مزرعة شركة مياه الشرب والصرف الصحي بسوهاج د. منال عوض ومحافظ الفيوم يفتتحان الدورة الثانية من مهرجان الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة رئيس جامعة المنصورة الأهلية خلال المؤتمر الدولي الأول لكلية التمريض: التمريض دعامة أساسية للاقتصاد الوطني والجامعات الأهلية شريك رئيسي في تطوير المهنة أستاذ علوم الأرض يكشف تفاصيل مهمة بشأن بركان إثيوبيا صدمة في الزمالك قبل رحلة جنوب أفريقيا جوجل توجه تحذيرا عاجلا لمستخدمي هواتف أندرويد رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب شهدت انضباطًا واضحاً الأمن يفحص بلاغا يتهم سائق أوتوبيس مدرسة في التجمع بخدش براءة صغار نتنياهو يدرس إقالة وزير الدفاع وتعيين ساعر بديلا لاحتواء الأزمة العسكرية تعزيز التعاون المصري الياباني في تنمية الثروة السمكية .. وفد جمعية أصدقاء الجايكا يزور مزرعة الزاوية بكفر الشيخ الجيزة تبدأ تسليم المركبات الجديدة بديل التوك توك أسامة ربيع: 4 مليارات و 100 ألف دولار حصيلة قناة السويس عام 2025

مدحت الشيخ يكتب: معركة الوعي في زمن الإعلام الجديد

لم تعد الحروب الحديثة تعتمد فقط على المدافع والصواريخ، ولم يعد ميدان المعركة مقصورًا على الجبهات العسكرية وحدها، بل أصبح العقل البشري ذاته ساحة صراع مفتوح، وأداة رئيسية لتحقيق الانتصار أو تكبيد الهزيمة. في زمن الإعلام الجديد، تحولت الكلمة إلى سلاح، والمعلومة إلى رصاصة، والمنصة الإعلامية إلى مدفعية ثقيلة قادرة على اختراق الوعي الجمعي للشعوب، وتغيير مسارات الأحداث بأسرع مما تفعل الطائرات والدبابات.

لقد أدركت القوى الكبرى مبكرًا أن السيطرة على العقول أهم من السيطرة على الحدود، وأن امتلاك القدرة على توجيه الرأي العام لا يقل خطورة عن امتلاك السلاح النووي. من هنا، نشهد اليوم موجات متلاحقة من الحروب الإعلامية التي تتجاوز مجرد الأخبار أو التحليلات، لتصير جزءًا من استراتيجيات كبرى تُدار بعناية وتُنفذ بخطط دقيقة، هدفها الأساسي تشكيل وعي الناس، بل أحيانًا تغييب هذا الوعي أو تزييفه بما يخدم مصالح قوى بعينها.

إن أخطر ما يواجه المجتمعات في هذه المرحلة هو التشويش المتعمد على الوعي العام. إذ لم يعد من السهل التفرقة بين الحقيقة والشائعة، أو بين الخبر والمحتوى الدعائي. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد الجمهور مجرد متلقٍ، بل تحول إلى شريك في إنتاج وتداول المعلومة، وهو ما فتح الباب واسعًا أمام تضاعف حجم التضليل، حتى غدا الإنسان أسيرًا لشلال لا ينقطع من الأخبار، بعضها صحيح وأكثرها مشكوك فيه.

ومن هنا تتضح أهمية بناء حصانة داخلية للمجتمع. هذه الحصانة لا تُبنى بالمنع أو الحجر على الآراء، وإنما بالوعي، والتعليم، وتعزيز التفكير النقدي لدى الأفراد. حين يكون المواطن قادرًا على التمييز، فإن أي محاولة للتزييف تفقد قوتها. أما إذا ظل وعيه هشًا، فسيكون فريسة سهلة لكل ما يُلقى أمامه، دون أن يدرك أنه مجرد أداة في لعبة أكبر.

لقد علمنا التاريخ أن الشعوب التي تملك وعيًا حيًا هي الأقدر على مواجهة الأزمات وتجاوز التحديات. فالمعارك قد تُخسر عسكريًا لكنها لا تُحسم إلا وعيًا. وإذا عدنا إلى محطات تاريخية فاصلة، لوجدنا أن الانتصار لم يكن مجرد تفوق في العتاد العسكري، بل كان بالأساس انتصارًا على محاولات تشويه الهوية وزعزعة الثقة بالنفس. إن المعركة الحقيقية دائمًا كانت وما زالت معركة وعي.

وفي هذا السياق، تقع على الإعلام الوطني مسؤولية جسيمة. فالإعلام ليس مجرد ناقل للأحداث، بل هو صانع للرؤية وباني للجسور بين المواطن ووطنه. وحين ينحرف الإعلام عن هذا الدور، فإنه يتحول إلى عبء، وربما إلى خطر. لذلك فإن إصلاح الإعلام وتطويره لم يعد ترفًا، بل ضرورة استراتيجية لحماية العقول من الغزو الناعم الذي قد لا يُرى بالعين، لكنه يترك أثره في السلوك والمواقف والقرارات.

كما أن التعليم بدوره يمثل خط الدفاع الأول في هذه المعركة. فالعقل الذي يتربى على التفكير النقدي والبحث عن الدليل لن يكون فريسة سهلة لأي دعاية مضللة. وهنا تتجلى أهمية ربط التعليم بالإعلام، بحيث يصبح كلاهما جناحين يحلق بهما المجتمع في فضاء المعرفة، بعيدًا عن أوهام التضليل وفخاخ الجهل.

لكن المواجهة لا تتوقف عند المؤسسات الرسمية وحدها، فكل فرد شريك في هذه المعركة. الكلمة التي نكتبها أو ننشرها، والصورة التي نتداولها، والفكرة التي نروج لها، جميعها إما أن تكون ذخيرة في معركة الوعي، أو سهامًا في جسد الحقيقة. ومن هنا، لا بد أن نستشعر المسؤولية الفردية في التعامل مع الإعلام، فالمسألة لم تعد رفاهية نقاشية، بل هي قضية وجود وحماية وطن.

لقد آن الأوان أن ندرك أن الوعي ليس شعارًا نرفعه، بل سلاحًا نملكه. هو حصننا الأخير في مواجهة محاولات الاختراق الثقافي والفكري، وهو الطريق الأوحد لضمان بقاء الشعوب متماسكة في وجه العواصف. وإذا أردنا لمجتمعاتنا أن تنهض، فعلينا أن ننتصر أولًا في هذه المعركة الخفية: معركة الوعي.

في زمن الإعلام الجديد، قد تُصنع الهزيمة قبل أن تُطلق رصاصة، وقد يتحقق الانتصار بمجرد أن يبقى الوعي يقظًا، لا يُخدع ولا يُستدرج. ولذا فإن حماية عقولنا ليست مجرد مسؤولية وطنية، بل واجب إنساني، لأن الأمم التي تفقد وعيها سرعان ما تفقد كل شيء.