جريدة الديار
الخميس 25 سبتمبر 2025 01:11 صـ 2 ربيع آخر 1447 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مدحت الشيخ يكتب: فلسطين بين الاعتراف الدولي واستمرار العدوان

مازالت فلسطين اليوم تحت وطأة واقع يلتهمها بلا رحمة، بين اعترافات دولية مجرد شعارات عاجزة عن وقف نزيف شعبها، وعدوان يومي يمزق الأرض والإنسان معًا، تاركًا خلفه دمارًا ودماءً بلا توقف. هنا، كل بيان رسمي وكل تصريح رمزي يصبح بلا قيمة أمام حجم المعاناة، فكل يوم يمر هو شهادة جديدة على فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين وفرض القانون. فلسطين ليست مجرد قضية سياسية، بل اختبار صارخ لإرادة العالم في ترجمة الحق إلى حماية فعلية على الأرض، ولقياس مصداقية القيم الإنسانية التي يتغنى بها السياسيون في محافلهم الدولية.

شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا تدريجيًا في الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة ذات سيادة، حيث أعلنت نحو 138 دولة عن دعمها الرسمي، فيما حصلت فلسطين على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة منذ عام 2012. ومع ذلك، يظل هذا الاعتراف رمزيًا في أحسن الأحوال، بلا أي قوة عملية تمنع استمرار الانتهاكات اليومية، ما يحول هذه الاعترافات إلى مجرد حبر على ورق عاجز عن حماية شعب يُقتل ويُهدم كل يوم.

رغم هذه الاعترافات، يواصل الاحتلال إرهابه اليومي، محاصرًا غزة بالحصار، ومكبّلًا الضفة الغربية بقيود لا تسمح للحياة أن تستمر. منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023، تجاوز عدد المصابين الفلسطينيين 160,000 شخص، فيما ارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 65,000، بينهم أطفال ونساء لا ذنب لهم سوى كونهم فلسطينيين. هذه الأرقام شهادة دامغة على أن الشرعية الدولية والاعترافات الرمزية لا تمنع الموت ولا توقف آلة الدمار.

الإعلام الدولي، بدوره، يبدو عاجزًا أو متواطئًا، فهو ينقل بعض المشاهد لكنه يخضع دائمًا لمصالح القوى الكبرى، في حين يبقى الإعلام العربي والفلسطيني مقيدًا بموارد محدودة وهيكلية ضعيفة تمنعه من إيصال الحقيقة كاملة إلى صناع القرار العالميين. وهذا الواقع يجعل الحاجة ماسة لتطوير أدوات إعلامية قوية وفعالة، قادرة على فضح الانتهاكات اليومية وتحريك الضمير الدولي إلى العمل الفعلي، لا الاكتفاء بالتصريحات والشجب.

الفجوة بين الاعتراف الدولي والواقع على الأرض تتسع يومًا بعد يوم. فالاعتراف الذي لا يقترن بإجراءات عملية تشمل حماية المدنيين، ودعم المؤسسات الوطنية، وضمان الالتزام بالقوانين الدولية، يبقى بلا قيمة. الواقع الفلسطيني اليوم يفرض على المجتمع الدولي إعادة النظر في أدواته الدبلوماسية والقانونية، لضمان أن تتحول الاعترافات إلى إجراءات ملموسة تعيد للفلسطينيين حقهم في العيش بأمان وكرامة، بعيدًا عن الشعارات والبيانات التي لم تعد قادرة على إخفاء حجم المأساة.

ويبقى السؤال القاسي: هل سيستطيع المجتمع الدولي تحويل الاعتراف الرمزي إلى حماية حقيقية وفاعلة، أم أن فلسطين ستظل محاصرة بين بيانات الاعتراف وعدوان لا يتوقف، بين وعود دولية فارغة وواقع دامٍ يتكرر يوميًا؟ فلسطين اليوم ليست مجرد قضية سياسية، بل اختبار صارخ لإرادة العالم، ولمدى قدرته على ترجمة الشرعية الرمزية إلى حماية فعلية، ولقياس مصداقية القيم الإنسانية التي يفترض أن تحمي شعوبًا بأكملها من الموت والدمار.