مدحت الشيخ يكتب: من العراق إلى غزة/ لماذا يرفض الفلسطينيون إشراف توني بلير على القطاع؟

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا عن خطة لإنهاء الحرب في غزة، تشمل وقف الأعمال القتالية وإطلاق حوار إقليمي، وتعيين توني بلير كحاكم مؤقت للقطاع. الإعلان أثار جدلاً واسعًا، ليس بسبب طبيعة الخطة فحسب، بل بشكل خاص بسبب اختيار بلير، الذي يظل شخصية مثيرة للجدل في الشرق الأوسط، وبخاصة نظرًا لتورطه في التدخل العسكري في العراق، الذي ترك آثارًا عميقة على الثقة الدولية في أي إدارة يشارك فيها.
من منظور فلسطيني، يمثل تعيين بلير إعادة إنتاج لمقاربة التدخل الخارجي التي أضرت أكثر مما نفعّت في أزمات سابقة. الفصائل الفلسطينية ترى في بلير شخصًا مرتبطًا بسياسات فرضية خارجية، غالبًا ما تتجاهل إرادة الشعب الفلسطيني. تاريخ بلير في العراق، حيث ساهمت سياساته في تفكك مؤسسات الدولة وتصاعد النزاعات الداخلية، يجعل أي إشراف له على غزة غير مقبول، ويثير رفضًا مباشرًا من الأطراف المحلية.
الخطة تعتمد على فرض حلول خارجية سريعة، لكن الواقع في غزة أكثر تعقيدًا. القطاع مجتمع متشابك الصراعات، وأي إدارة خارجية ستواجه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، من بينها البطالة والفقر ونقص الخدمات الأساسية. تجاهل هذه الجوانب يجعل أي نجاح سياسي هشًا وغير مستدام.
على المستوى الدولي، تهدف الخطة إلى إبراز دور الولايات المتحدة وبريطانيا كلاعبين أساسيين في إدارة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وتهدئة الصراع مؤقتًا، مع تقديم صورة إعلامية للسلام. لكن الاختلافات الإقليمية في المصالح، والاستقطاب السياسي الداخلي في غزة، تجعل تنفيذ الخطة أمرًا صعبًا إذا لم يتم بناء قاعدة محلية حقيقية للمشاركة.
رفض الفلسطينيين لبلير ليس شكليًا، بل تعبير عن إدراك تاريخي لنتائج التدخلات السابقة. أي محاولة لإدارة الأزمة من الخارج بدون دعم شعبي ستواجه أزمة ثقة فورية، وستصبح أي خطوات سياسية معرضة للفشل.
في النهاية، تبقى خطة ترامب اختبارًا لقدرة المجتمع الدولي على التدخل البنّاء. اختيار بلير، في ضوء تاريخه في العراق، يطرح علامات استفهام جدية حول إمكانية تحقيق سلام مستدام. النجاح لن يتحقق إلا عبر موازنة دقيقة بين الإدارة الدولية والمشاركة المحلية، وبين الطموح السياسي والواقع الإنساني، وبين التصريحات الإعلامية والتطبيق الميداني على الأرض.